العراق: حملة ضد التحرش الجنسي الأسري

01 ابريل 2021
لا للصمت (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

بدأت بعض العراقيات في رفع الصوت وكشف المسكوت عنه من اعتداءات جنسية تقع داخل الأسرة، وهو ما يتفاعل معه الشارع

أطلق ناشطون عراقيون في مدن مختلفة من البلاد، حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، هي الأولى من نوعها، تتناول قضية التحرش الجنسي، وصولاً إلى الاعتداء الجنسي، اللذين تتعرض لهما النساء على أيدي أقاربهن، والعادات والأعراف التي تمنع كثيرات من كشف ذلك. شارك إعلاميون وباحثون اجتماعيون في الحملة التي بدأت برسالة من فتاة موجهة إلى ناشطة حقوقية عراقية تتحدث عن تعرضها لاعتداء جنسي من قبل أحد أفراد أسرتها، ومنعها من قبل والدتها من التحدث عما تعرضت له.

المرأة
التحديثات الحية

رغد السامرائي واحدة من بين أكثر الناشطات العراقيات التي لاقت منشوراتها، بما فيها من مقاطع فيديو، رواجاً وتفاعلاً واسعين. تتحدث الناشطة بثقة عالية عن حالات عدة لنساء تعرضن لاعتداءات جنسية من قبل أفراد في أسرهن. تلوم السامرائي المجتمع الذي يعتبر هذه الجرائم مسيئة لسمعة الأسرة التي تضطر للتكتم على الجريمة وتمنع الفتاة أو المرأة من المطالبة بحقها عبر القضاء. تؤكد أنّ "التكتم على المجرم" سبب في استمرار الجريمة وانتشارها وذلك بحجة "الخوف من الفضيحة" مشيرة إلى أنّ من الضروري توفر "دور إيواء للضحايا، لكنّ الفتاة تخاف أن تشتكي على الجناة لدى القضاء، خصوصاً أنّ المتحرش أو المغتصب هو من نفس الأسرة أو البيت، فتقديم أيّ شكوى يحتاج الى مراجعات لدى الجهات المعنية". تلفت السامرائي إلى أنّ نسبة كبيرة من المعتدى عليهن جنسياً عبر أفراد أسرهن "لم يكشفن عن هذه الاعتداءات" مشيرة إلى أنّ "بعضهن بعمر 6 سنوات". أما الحلّ لهذه الجرائم وفقاً للسامرائي، فهو في تفعيل دور الإيواء، بدعم حكومي، لإعادة تأهيل الضحايا، كما إدخال مادة الثقافة الجنسية المحدودة في المدارس كمادة أساسية، وإشراك الخبراء النفسيين والاجتماعيين في المدارس، مع دعم الشباب في سبيل الزواج، وتبسيط إجراءات الشكوى والتحقيق، كما مكافحة المخدرات، وتكريس جهود القنوات الرسمية للحكومة في بث التوعية المستمرة من التحرش.
في هذا الإطار، تسعى منظمات مجتمع مدني مهتمة بالمرأة إلى تسليط الضوء على النساء المضطهدات والسعي لحماية من يتعرضن لتهديدات، خصوصاً من طرف أسرهن. وتنشط "منظمة حرية المرأة" في هذا النوع من المشاريع المكرسة للدفاع عن المرأة. تقول ابتسام مانع، مسؤوله الإعلام في المنظمة، لـ"العربي الجديد" إنّه "بين فترة وأخرى، تصل الى منظمتنا حالة أو مناشدة من قبل امرأة تطلب مساعدتها بعد اعتداء جنسي تعرضت له من جانب أحد أفراد أسرتها الذكور". تشير مانع إلى عدد من الأسباب التي تدفع الذكور إلى الاعتداء على نساء الأسرة، منها تعاطي المخدرات، والتفكك الأسري، مترافقة مع عدم القدرة على الزواج لأسباب اقتصادية، لكنّها تفيد أنّ "أكثر الحالات التي ترد إلى المنظمة يلعب فيها انفصال الأم والأب دوراً أساسياً، إذ يخلق الانفصال فراغاً لدى أفراد الأسرة مع ضعف متابعة الأولاد تربوياً". وبحسب اطلاعها على حالات تعرضت لاعتداءات جنسية من قبل أفراد الأسرة، تقول ابتسام إنّ "معظمها يقع داخل الأسر ذات المستوى التعليمي المتدني". تتابع أنّ النساء المعتدى عليهن يأتين الى المنظمة "هاربات من أسرهن" مشيرة إلى أنّ مهمة المنظمة هنا تكمن في "توفير الحماية والإيواء والتمكين الاقتصادي، وتوفير فرصة عمل أو المساعدة في إكمال التعليم". تعتقد مانع أنّ الحلّ هو في "إقرار قانون الحماية من العنف الأسري، للحدّ من هذه الظواهر الدخيلة على المجتمع العراقي".
وبحسب مسودة أرسلت إلى البرلمان العراقي في سبتمبر/ أيلول 2019، فإنّ قانون الحماية من العنف الأسري يحمي الأسرة، خصوصاً النساء والفتيات، من كافة أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، ويحدّ من انتشاره ويقي منه، ويعاقب مرتكبيه، ويعوَض عن الضرر الناتج عنه، ويوفّر الحماية للضحايا، ويقدّم الرعاية اللازمة لهن ويؤهلهن، ويحقق المصالحة الأسرية. لكنّ القانون ما زال ينتظر تصويت البرلمان عليه، إذ يواجه اعتراضاً من قبل التيارات الإسلامية التي ترى أنّ إقرار القانون لا يتماشى مع الإسلام، بل هو نسخة من قوانين غربية تشجع الفتاة على التمرد، وذلك لوجود بنود في القانون تتيح للفتاة او المرأة الحصول على راتب يعينها في إكمال حياتها واستقلاليتها وتوفير مأوى لها.
من جانبها، ترفض الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة والطفل، هناء شهيد، في حديثها إلى "العربي الجديد" أن تتكتم المرأة على ما يقع لها خوفاً من إلحاق سمعة سيئة بأسرتها، مشيرة إلى أنّ "التكتم والتستر وإخفاء آثار الجريمة تتيح للمجرم التحكم المستمر بضحيته بلا رادع". تؤكد أنّ هناك حاجة ملحّة لـ"إعلام ملتزم يناقش ويطرح القضايا بحثاً عن العلاج، وخطاب ديني معتدل، ومناهج دراسية تساهم في توسعة وعي وإدراك المتعلمين" محمّلة الدولة مسؤولية حماية المجتمع والمرأة.

بدوره، يعتبر الباحث الاجتماعي فؤاد الحمداني، في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ "هناك انفتاحاً خطيراً على العالم عبر الإنترنت، وهو متاح في كلّ وقت للجميع. ومن الصعب منع الأبناء من متابعة ما يؤثر في سلوكهم سلباً. ولا ننسى المخدرات التي باتت السبب الرئيسي في مختلف المشاكل والجرائم التي تقع في البلاد، خصوصاً الحبوب المهلوسة رخيصة الثمن وقوية التأثير وسريعة الإدمان. وهناك العديد من جرائم الاغتصاب والقتل وقعت بسبب تعاطي هذا النوع من المخدرات".

المساهمون