العراقيون يتفاعلون مع غزة بالأزياء والسلوك

01 ديسمبر 2023
صورة غزة والقضية الفلسطينية في كل أماكن العراق (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

رغم أن حياة العراقيين تمضي في شكل طبيعي في ظل انشغالهم بتسيير شؤونهم الخاصة، تتجسد صورة غزة والقضية الفلسطينية بشكل كثيف في الأماكن ووسائل النقل والشوارع والأسواق، وحتى ملاعب كرة القدم.
في محلات بيع القرطاسية والمواد المكتبية والمدرسية وأدوات الزينة تزداد السلع المتعلقة بفلسطين. ويقول شاكر عيسى الذي يدير محلاً لبيع مختلف أنواع القرطاسية والهدايا لـ"العربي الجديد": "زاد الطلب على كل ما يتعلق بفلسطين، ما جعلني أوفر مواد مختلفة في محلي، وأكثرها لم يكن يطلبه زبائني سابقاً ولم يكن مدرجاً ضمن قائمة بضائعي".
يضيف: "لدي أكثر من 500 نوع من الهدايا ومئات من أنواع القرطاسية، وأكثر من 300 نوع من الإكسسوارات والهدايا التي يباع بعضها في مناسبات معينة شخصية أو عامة، خصوصاً في مواسم رأس السنة وعيدي الفطر والأضحى وعيد الأم. وفي العادة يستمر زخم هذه البضائع بين يوم وثلاثة أيام كحدّ أقصى، أما الحرب الحالية على غزة التي يتفاعل معها العراقيون بغضب كبير من الأحداث المؤلمة فجعلت كل السلع التي تتعلق بفلسطين مرغوبة، ونسعى بالتالي إلى توفيرها للزبائن".

ويشرح عيسى أنه يوفر حالياً سلعاً مثل مجسمات معدنية لقبة الصخرة بألوان ذهبية وفضية وأخرى خشبية، وملصقات بأشكال وأحجام مختلفة تمثل غزة والفدائي الفلسطيني وخرائط فلسطين وإكسسوارات مختلفة تمثل فلسطين. ويؤكد أن الطلب على شراء العلم الفلسطيني كبير جداً.
وتنتشر منذ سنوات صرعات ارتداء الإكسسوارات بين الشباب والمراهقين، خاصة تلك التي تجسّد شخصيات من أفلام الخيال والرعب والكرتون، ومشاهير الفن والرياضة والأندية، لكن الحال اختلفت منذ تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" حيث بات ارتداء الإكسسوارات التي تمثل فلسطين وغزة طاغياً لدى الشباب.
ويؤكد أوس عواد، وهو طالب في المرحلة الثانوية، لـ"العربي الجديد" أنه أصبح يهتم مع زملائه باقتناء كل ما يتعلق بفلسطين، ويشير إلى أن إدارة المدرسة تمنع ارتداء الإكسسوارات، لكن الأساتذة سمحوا بتلك التي تتعلق بفلسطين وغزة.
وفيما يعتاد العراقيون استخدام ابتكارات وإضافات عطور لتجميل حياتهم، يروّج عبد الرحيم العيساوي الذي يكسب قوته من بيع العطور المركبة، "عطر غزة" حالياً.
ويعرض العيساوي بضائعه من عطور عند أبواب جوامع في منطقة الكرخ بالعاصمة بغداد، وهو اعتاد أن يبتكر عطوراً يصنعها عبر خلط عدد منها بنسب معينة، ويمنحها أسماء خاصة. ويقول لـ"العربي الجديد": "صنعت عطراً خاصاً سميته غزة حباً بفلسطين وبما فعله أهل غزة بالإسرائيليين. وهذا أغلى عطر صنعته من دون أن أبحث عن ربح من بيعه، لأنني أرغب في أن أعبّر عن موقفي من القضية الفلسطينية، وسعر العبوة الصغيرة 3 آلاف دينار (2.29 دولار) أربح منها نصف دينار، في حين أربح النصف من مبلغ بيع عبوات أخرى.
وبعدما باتت أحداث غزة في صلب الحياة اليومية للعراقيين يتناقل الجميع أخبار المعارك والمساعي الدولية المبذولة لوضع حدّ للحرب، والتي تحوّلت إلى الموضوع الأهم داخل البيوت وأحاديث الشارع، ما يفسّر عدم تعلّق دعم فلسطين ونصرة أهالي غزة بالذكور فقط، وامتداده إلى الإناث اللواتي تبدي بعضهن اهتماماً أكبر من الذكور، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" فاضل مهدي، وهو مدير متجر للهدايا والإكسسوارات.
يضيف: "تلقى الإكسسوارات بطبيعة الحال اهتماماً أكبر من الإناث اللواتي قد يستخدمنها في زينتهم الشخصية وتلك الخاصة بالمنازل والغرف، وعملية طوفان غزة تركت أثراً كبيراً في نفوس العراقيين شجعهم على اقتناء الإكسسوارات الفلسطينية. وقد أصبحت نسبة بيع الإكسسوارات الفلسطينية أكبر من أنواع أخرى، وتشتريها نسبة أكبر من الإناث".

أثرّ صمود الفلسطينيين وبطولاتهم على الأطفال العراقيين (مرتضى السوداني/ الأناضول)
أثرّ صمود الفلسطينيين وبطولاتهم على الأطفال العراقيين (مرتضى السوداني/ الأناضول)

لكن مهدي يستدرك بأن "أنواع البضائع الخاصة بفلسطين التي تتواجد في الأسواق قليلة وتقتصر على الأعلام والخرائط وقبة الصخرة والعبارات والكوفية، ما لا يلبي الرغبة المتزايدة في اقتنائها".
وأكثر ما يُشاهد في الشوارع العراقية الوشاح الفلسطيني بشكل الكوفية والذي يتضمن علم فلسطين، ويُعرض في المحلات ويعلّق داخل السيارات، ويرتديه الفتيان والفتيات. وتقول الطالبة الجامعية سؤدد المولى لـ"العربي الجديد": "يمثل الوشاح شرف الانتماء لقضيتنا العربية والإسلامية الأولى والجوهرية، وأنا ألتزم ارتداءه حول رقبتي في أي مكان أتواجد فيه خارج المنزل فهو يزيدني فخراً بما يقدمه الفلسطينيون من بطولات، ويشعرني بما يقاسيه أهلنا في غزة الذين يواجهون ظروفاً صعبة جداً".
ولا يقتصر الدعم الشعبي العراقي لغزة ونصرة سكانها على فئة من دون غيرها، إذ تؤثر صور الشهداء القتلى والمصابين الفلسطينيين ومشاهد الدمار على الأطفال الذين يظهرون غضبهم من جيش الاحتلال الإسرائيلي في ألعابهم، ويحاولون اقتناء كل ما يعبر عن فلسطين.
وتحاكي ألعاب ابتكرها أطفال في مناطق شعبية ببغداد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذها مقاتلون من كتائب القسام وتنظيمات فلسطينية أخرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعمليات القنص والكمائن التي ينفذها المقاتلون الفلسطينيون في غزة ضد جيش الاحتلال.

ويقول الصحافي جمال العنزي الذي يعمل في مؤسسة إعلامية عراقية، لـ"العربي الجديد": "انتشرت ألعاب جديدة ابتكرها الأطفال تجسد المعارك بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، ولحظ بعضها لصق أعلام فلسطين على بنادق بلاستيكية، وبناء مواضع في أزقة من صناديق كرتون يهاجمها الأطفال مرددين تكبيرات كأنهم يدهمون مواقع إسرائيلية. ويدل ذلك على قوة تأثير صمود الفلسطينيين وبطولاتهم التي فاقت كل حدود التصوّر، ما يدفع الأطفال إلى تجسيدها في ألعابهم".

المساهمون