لم تحمل العاصفة "فرح"، التي تضرب لبنان منذ مساء الإثنين، سوى المزيد من البؤس والمعاناة لمخيمات اللاجئين السوريّين في مختلف المناطق اللبنانية. فالعاصفة التي ترافقت مع أمطار غزيرة وعواصف رعدية وثلوج على المرتفعات، والتي أطلقت عليها مصلحة الأرصاد الجوية في لبنان اسم "فرح"، انعكست برداً قارساً على اللاجئين في ظلّ تردّي الأوضاع المعيشيّة وانعدام سبل التدفئة.
ورغم اختلاف شدّة العاصفة بين منطقة وأخرى، غير أنّها ضاعفت مرارة اللجوء، ففي بلدة سعد نايل (البقاع الأوسط)، افترش اللاجئ علي عبد الباقي وعائلته "قاطرة ومقطورة" تابعة للبلدية بعدما عجز عن دفع إيجار الخيمة في أحد مخيمات البلدة.
علي، الأب لثلاثة أولاد بعمر 10 و12 و14 سنة، والذي كان يعمل في الزراعة والفلاحة قبل أن يتراجع عمله بشكلٍ ملحوظٍ جراء الأزمة المعيشيّة في البلاد، يقول لـ"العربي الجديد": "لجأتُ منذ قرابة ثماني سنوات من إدلب (شمال غرب سورية)، إلى لبنان، واليوم ألجأ وزوجتي وأطفالي إلى هذه القاطرة بعدما استأذنتُ البلدية للمكوث فيها لحين انتهاء العاصفة. وقد بادر أحد الخيّرين إلى تقديم شادر لتغطية القاطرة، إضافة إلى فراش وبطانيات".
ويتابع: "الوضع صعب جدّاً سواء داخل المخيّمات أو خارجها، فهناك من يشعل الأحذية وغيرها بغرض التدفئة، وهناك من يقصد المحطة لتعبئة المازوت بقارورة مياه أو غالون زيت صغير، نظراً لانعدام القدرة على تكبّد الكلفة الخياليّة لسعر صفيحة المازوت".
وفي بلدة عرسال الحدودية، يلفت الناشط السوري إبراهيم مسلماني (أبو مسعود)، إلى أنّ "اللاجئين بشكل عام في مأزق، وسط تردّي الأوضاع الاقتصادية وحرمان بعض العائلات من مساعدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتوقّف بعض الجمعيات عن العمل، إضافة إلى الشحّ في المساعدات الإنسانية، والتي لا تكفي لشراء الخبز والمواد الغذائيّة، فكيف ستكفي لتغطية الكلفة المرتفعة للحطب والمازوت".
أضاف مسلماني، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "اللاجئين يدبّرون أنفسهم من خلال جمع ما تيسّر من حطب. لكن الخطورة تكمن في لجوء البعض إلى إشعال روث الحيوانات للتدفئة كآخر الحلول المتاحة أمامهم، رغم الدخان الكثيف والرائحة الكريهة والأضرار الصحية الناجمة عنها، سواء داخل الخيمة أو خارجها. الأمر الذي تسبّب منذ نحو شهرين بانتشار الحساسيّة بين اللاجئين والمجتمع المضيف الذي تقدّم بشكوى ضدّهم".
تلج تلج تلج #فرح 😹 pic.twitter.com/zIDSPolaqw
— ابن عكار 🇱🇧 (@Abousoulaymen8) February 1, 2023
ويتحدّث عن "تحوّل بعض طرقات المخيمات الترابية إلى مستنقعات وتضرّر شوادر بعض الخيم وتسرّب مياه الأمطار إليها، ما دفعنا للتواصل مع المنظمات والجمعيّات المعنيّة، لكن هناك تقصيرا واضحا في دعم ومساندة اللاجئين".
من جهته، يختصر شاويش "مخيم المصطفى" في عرسال علي الرفاعي وضع اللاجئين بـ"المأساوي، إن لناحية حالة المخيّمات أو المساعدات التي تتفاوت بين مخيم وآخر، فنحن لم نستلم أيّ لتر مازوت منذ العام الماضي. كما أنّ أكثريّة العائلات مفصولة عن مساعدات المفوضية وبالكاد تؤمّن قيمة إيجار الخيمة. ووسط الغلاء الفاحش، لا نجد سبيلاً للتدفئة سوى إشعال النايلون والبلاستيك والأحذية القديمة خلال النهار، وتحمّل البرد الشديد خلال اللّيل، ناهيك عن اضطرارنا للسهر وقضاء ساعاتٍ ونحن نزيل الثلوج عن الخيم تفادياً لسقوطها".
وفي البلدة ذاتها، أطلق سكان مخيم "قرية حياة" صرخة غضب وسط تدنّي درجات الحرارة، قائلين: "عاجزون عن شراء المازوت أو الحطب، ومتروكون لقدرنا، من دون أيّ مساعدات، نلتحف البطانيات للتدفئة، فالفقر مدقع وبطاقة المفوضية بالكاد تكفي لتغطية مصاريف يوم واحد. لذلك، نناشد أهل الخير والإنسانية للاستجابة لحاجاتنا للمواد الغذائيّة والبطانيات وكلفة المازوت وإيجار الأرض، في ظلّ الظروف المأساوية والأزمة الخانقة التي جعلتنا في الحضيض". ولا يختلف الواقع في مخيم "المصري"، حيث تسرّبت مياه الأمطار إلى عددٍ من الخيم، وتضرّرت محتوياتها بالكامل، وسط مناشدات الأهالي بضرورة التدخل الإنساني الإغاثي.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يأسف العضو الناشط في هيئة المتابعة لشؤون اللاجئين السوريين في عكار (شمال البلاد)، أحمد المحيميد (أبو أدهم)، "للواقع المزري الذي يقاسيه الشعب اللبناني واللاجئون على حد سواء. لا حطب ولا مازوت ولا تدفئة، ولا سبيل أمام اللاجئين سوى حرق النايلون والثياب والأحذية القديمة لتدفئة أطفالهم. حتّى أنّهم قصدوا اليوم إحدى بلديّات الشمال، تحت الأمطار الغزيرة والثلوج، فقط لتسجيل أسمائهم، بعدما سمعوا عن إمكانيّة الحصول على مساعدات مرتقبة".
وإذ يأمل أبو أدهم بـ"الفرج القريب والعودة إلى أرض الوطن"، يذكّر بـ"المثل القائل (الميّت لا يحمل ميّتاً)، فالموت يخيّم على منطقة عكار ولبنان بشكل عام، وكذلك حال اللاجئين السوريّين. فهناك استياء عارم وما باليد حيلة".
ووفق تقديرات مصلحة الأرصاد الجوية، تتجدّد العاصفة وتشتدّ حدّتها مساء الجمعة مع تسرّب كتل قطبية باردة، على أن تستمر حتّى نهاية الأسبوع.