العاصفة الترابية تحول حياة العراقيين إلى كابوس

24 مايو 2022
العواصف الترابية أثقلت كاهل ربات البيوت (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

تعدّ أكثر المنازل في العراق غير مهيأة بتصاميمها التقليدية وبنيتها التحتية لصدّ العواصف الترابية المتتالية التي تجتاح أغلب المدن والمحافظات العراقية منذ عدة أشهر، ما جعلها تتحول إلى كابوس يُلاحق ربات البيوت، بحسب إفادات عدد من العراقيات اللاتي تحدثن لـ"العربي الجديد".

وتقول أمّ سعد (52 عاماً) وتسكن جنوبي العاصمة بغداد، إنها تعيش في هذا المنزل منذ 40 عاما، ولم تشهد يوما مثل هذه العواصف الترابية التي اجتاحت البلاد في الأشهر الأخيرة. وتضيف: "أغلب البيوت في العراق تعتمد على المبّردة (المكيف الصحراوي)، تجدها في بيوت الفقراء ومتوسطي الدخل، لكن مع العواصف الغبارية لا يمكن تشغيلها ولا الاعتماد عليها لأنها ستعمل على إدخال التراب بشكل مضاعف إلى داخل المنزل، وهذا يعني أننا سوف نضطر لإغلاقها وتحمل حرارة الطقس والغبار بآن واحد".

وتوضح أنّ المنازل غير مهيأة على الإطلاق لمثل هذه العواصف وتُدخل في كل مرة كميات كبيرة من الأتربة التي تجعل من مهمة التنظيف أمراً شاقا في كل مرة.

وسجّلت 16 محافظة عراقية من أصل 18 خلال الساعات الماضية، عواصف ترابية جديدة كان أشدها في بغداد والنجف، واضطرت الحكومة إلى إعلان عطلة رسمية، بينما أعلنت سلطة الطيران المدني إيقاف حركة الملاحة الجوية في المطارات لانخفاض نسبة الرؤية.

ووفقاً لوزارة الصحة العراقية، فقد تم التعامل مع المئات من حالات الاختناق متفاوتة الخطورة بمختلف مستشفيات البلاد.

وأحصى العراق حتى الآن وفاة 11 مواطناً والآلاف من حالات الاختناق، فضلاً عن خسائر مادية في قطاعي الزراعة والصناعة والقطاع التجاري الخاص مع تكرار توقف الرحلات الجوية من مطارات البلاد بسبب تلك العواصف، نتيجة انخفاض نسبة الرؤية، فيما أكدت دائرة المرور تسجيل العشرات من الحوادث المرورية أفضى بعضها إلى وفيات وجرحى.

وتقول سهاد نعمان، تعمل موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إن الشبابيك والأبواب المصنوعة من الحديد، لم تعد تنفع في مواجهة الأتربة التي تدخل من حافات الشبابيك وأسفل الأبواب إلى داخل المنزل في كل مرة.

وتضيف: "منازلنا غير مُصممة بشكل يجعلها تصدّ هذه العواصف أو تحمينا منها، كما أن تجريف البساتين حول بغداد زاد الأمر تعقيدا. نقوم بتنظيف المنزل بصعوبة خاصة أن التيار الكهربائي ينقطع مع كل تغير في المناخ سواء كان الطقس ماطرا أو مغبرا، مما يعرقل سير عملنا ويزيد صعوبة إزالة الغبار.

في الموصل التي تبدو أقل تأثراً من بغداد ومدن أخرى بالعواصف، تقول الناشطة تغريد الموصلي، إنّ العواصف ألقت عبئاً جديداً على ربات البيوت، خاصة في المنازل الشرقية التي يكون فيها تصميم البيت مكشوفاً من الوسط وتحيطه غرف المعيشة، فعندما تجتاح مثل هذه العواصف الغبارية المدينة يصبح سكان تلك المنازل وكأنهم يسكنون في العراء".

وتشير الموصلي، إلى أن العراقيات بشكل عام يعتمدن على أنفسهن في تنظيف المنازل. ليس لديهن مساعِدات، كما أن ثقافة استئجار معينات منزليات غير موجودة وهذا ما يجعلهن يبحثن عن حلول للتخفيف من وطأة تلك العواصف وإن كان بتغيير تصميم المنزل، وهذا يتطلب دعماً من الحكومة العراقية لمساعدة العوائل ذات الدخل المحدود على الأقل بتوفير مكيفات هواء بسعر مناسب بدلا من المبردات التي تدخل الغبار إلى البيوت".

حول ذلك يقول المهندس المعماري بشار الجبوري (49 عاما)، لـ"العربي الجديد": "على العراقيين إعادة النظر في بناء منازلهم في الأعوام المقبلة وتصميمها بشكل يتناسب مع الجو الصحراوي، واتخاذ تدابير في بناء المنزل مثل الاعتماد على الطابوق بدل البلوك في البناء أو على ألواح الصاج المجلفن المحشوة بالمادة العازلة المعروف محليا بـ(الساندوتش بنل)، لأنه أكثر برودة وخفة، فضلا عن جعل الشبابيك والأبواب من الألمنيوم والاعتماد على المكيفات الهوائية وترك مساحة لزراعة بعض الأشجار بدل من استغلال جميع المساحة للبناء.

ويشير إلى أنّ مثل هذه التدابير لا يمكن أن تنجح دون دعم حكومي، وفرض بعض القوانين على أصحاب البيوت لزراعة الأشجار، ودعم مواد البناء ليتمكن المواطن من الاعتماد عليها لأنها غالبا ما تكون أكثر تكلفة من المواد العادية.

وتوقع وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي في وقت سابق، أن تتحول العواصف الترابية إلى أمر واقع في السنوات المقبلة، وتتجاوز ثلث أيام السنة، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن ذلك يعتبر "مؤشراً خطيراً، نتج عن ازدياد معدلات التصحر وتقلص المساحات الزراعية وشح المياه والاعتداءات الجائرة على المناطق الخضراء في البلاد".

بدوره، اعتبر الخبير بأحوال الطقس، صادق عطية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا بديل عن مواجهة التحدي الجديد، إلا بزيادة المساحات الخضراء داخل وحول المدن للتقليل من آثار العواصف الترابية المتواصلة على البلاد.

المساهمون