الطيبة.. أرض صامدة في وجه مخططات الاستيطان الإسرائيلية غرب الخليل

30 مارس 2023
يحاول الاحتلال السيطرة على أراضي "الطيبة" (ناصر اشتيه/ Getty)
+ الخط -

منذ سبع سنوات لم يغادر الفلسطيني عبد القادر يحيى أرضه الواقعة في منطقة "الطيبة" التابعة لبلدة ترقوميا غرب الخليل إلى الجنوب من الضفة الغربية، إلا إذا اضطر لقضاء أمرٍ ضروري، إثر تخوفه من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على أرضه، التي ألقى المستوطنون فيها مؤخرا خرائط  تشير إلى سعيهم للاستيلاء عليها وضمّها لمستوطنتي "أدورا" و"تيلم" المقامتين على أراضي غرب الخليل.

تفصل أراضي "الطيبة" بين مستوطنتي "أدورا" و"تيلم"، ولا يكاد يمر يوم إلا ويواجه فيه أصحاب هذه الأراضي اعتداءات المستوطنين بحماية جيش الاحتلال، تمهيدا لتنفيذ سياسة الاحتلال الاستيطانية بالسيطرة على المناطق الجبلية والمرتفعة في مختلف أنحاء الضفة الغربية.

الأطماع الاستيطانية لم تتوقف

يعيد التاريخ نفسه، إذ يحاول الاحتلال السيطرة على أراضي "الطيبة"، التي تضم "خلّة سلامة، وجبل الهردش، وخلّة المصري"، ما يعيد إلى أذهان أصحاب الأراضي قرار الاحتلال الإسرائيلي الذي يقضي بالسيطرة على 21 ألف دونمٍ من بلدات سخنين، وعرابة، ودير حنا، وعرب السواعد، فاندلعت الهبّة الشعبية في الأراضي المحتلة عام 1948، التي تُعرف إلى يومنا هذا بـ"يوم الأرض"، الذي يوافق ذكراه السابع والأربعين هذا العام.

وتعود أراضي "الطيبة" لعائلات عديدة، أبرزها الجعافرة، والفطافطة، وغريب وذباينة، وتبلغ مساحة أراضيها ما يقارب 1500 دونم، تحوي شجر زيتون، وكروم عنب، إذ تشكل المنطقة سلّة غذائية لأصحابها الذين أقاموا بيوتًا زراعية، وشبكات ري، وخزانات مياه، وكلها معرّضة بشكلٍ شبه يومي للتخريب من المستوطنين بحماية جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يسعون لتفريغ الأراضي من أصحابها.

ويقول الباحث في مركز أبحاث الأراضي، راجح التلاحمة، لـ"العربي الجديد": "إن منطقة الطيبة باتت من المواقع الساخنة جنوب الضفة الغربية، بعد أن أصدر الاحتلال، العام الماضي، قرارا يقضي بملكيته لجبل الهردش وإحالتها لما يسمى خزينة الدولة الإسرائيلية، بهدف توسيع شارع 35 الالتفافي الذي يفصل بين مستوطني (أدورا) و(تيلم)".

معظم ملّاك أراضي "الطيبة" يحملون أوراقا ثبوتية لـ"الطابو" الفلسطيني أو الأردني، لكن الاحتلال لا يعترف بهم، ولا بالتسوية الفلسطينية، وفق التلاحمة، الذي يشير إلى أن ملّاك الأراضي الذين يحملون أوراق "الطابو" التركي أو البريطاني هم أقوى من "الطابو" الفلسطيني، لكن أوراقهم الثبوتية لا تضم خرائط، إذ كانوا يعتمدون حينها على العلامات الطبيعية، وهذا ما يسهل على الاحتلال محاولة السيطرة على أراضي "الطيبة".

وتمهيدا لهذا القرار، عمل الاحتلال، بحسب التلاحمة، على هدم كل المنشآت في "الطيبة"، من الخيام والحظائر والمساكن الزراعية؛ بهدف الحد من التوسع الزراعي، وكذلك التوسع العمراني للفلسطينيين، تسهيلًا لتوسع المستوطنات بشكل ضخم على حساب أراضي بلدات ترقوميا، وبيت أولا وإذنا، غرب الخليل.

استهداف واعتداءات متكررة

منذ أعوام لم يدخل عبد القادر يحيى منزله في ترقوميا إلا بشكل نادر، حيث بنى بيتاً زراعياً ليبقى في أرضه، ومع ذلك هدم الاحتلال البيت الزراعي قبل ثلاثة أشهر، لكن يحيى أصرّ على إقامة خيمة مكانه، فهدمها الاحتلال مجددًا. ويقول يحيى: "لقد أخبرني ضابط الاحتلال المسؤول عن هدم منزلي بأن الأرض ولو كانت ملكي فلن يُسمح لي البناء فيها، ولا أكثر من الجلوس فيها، وحين أجلس يهاجمني المستوطنون".

ويمنع الاحتلال أصحاب أراضي تلة من البناء فيها؛ بحجة أنها حسب القانون الإسرائيلي "أراضي مهملة"، كما يوضح عضو لجنة الدفاع عن أراضي الطيبة، سليمان الجعافرة، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن كل أصحاب الأراضي في المنطقة يملكون أوراقًا ثبوتية تؤكد ملكيتهم للأراضي، لكن الاحتلال لا يعترف بها، ويهددهم بشكل مستمر، في سعي للاستيلاء على المنطقة.

صمود رغم قلة الإمكانيات

رغم قلة الموارد التي تحيط البيوت الزراعية، فإن الاحتلال يزيد بإجراءاته من صعوبات الصمود، وهو ما يحتاج تعزيزا ودعما شعبيا ورسميا لأصحاب أراضي "الطيبة"، الذين يتناوبون على التواجد الدائم فيها.

يقول عضو لجنة الدفاع عن أراضي الطيبة، سليمان الجعافرة: "إن الدعم الشعبي لأصحاب أراضي (الطيبة) ضعيف، أما الرسمي فهو موجود، لكنه يحتاج إلى تعزيز، نحن لا نريد أن يتعاطف معنا أحد، نريد من يقف إلى جانبنا ويدعمنا، نحن نعيش حياة بدائية لقلة الموارد، لأننا نرفض الخروج من أرضنا".

وبحسب عبد القادر يحيى، صاحب إحدى الأراضي، فإن سلطة الطاقة الفلسطينية زوّدتهم بمحولات كهربائية مرتين؛ الأولى هدمها الاحتلال بشكل كامل مع هدم بيته الزراعي، والأخرى صادرها مع خيمته التي أقامها بدل المنزل، ومن بعدها لم يلق أي دعم من أية جهة.

لكن الأهم هو الصمود في الأرض في وجه مخططات الاحتلال الاستيطانية، إذ يتناوب يحيى وشقيقه وابن عمه على البقاء في الأرض يومًا بعد يوم، حتى لا يصحون في اليوم التالي وقد وضع الاحتلال يده على الأرض، التي يبلغ عمر شجر الزيتون فيها 40 سنة، وهي أقدم من المستوطنات القريبة من الأرض.

المساهمون