السيارات القديمة تناضل للبقاء في غزة... رغم مخالفتها القانون

16 مارس 2022
يحاول تفادي حواجز الشرطة وبالتالي الغرامات (محمد الحجار)
+ الخط -

بالقرب من كراج مجمّع الشفاء وسط مدينة غزة، يتابع السائق ماهر أبو حلوة (43 عاماً) سيره متلفتاً يميناً ويساراً لتفادي أيّ حاجز للشرطة التابعة لإدارة المرور التي تعمد إلى توقيف سيارات الأجرة القديمة بهدف التأكد من صلاحية رخصها وأمانها في ما يخصّ الركّاب. ويمارس عناصر الشرطة ضغطاً على السائقين، نظراً إلى أنّه يُمنع العمل بالسيارات القديمة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وكثيرة هي السيارات القديمة التي يعود تصنيعها إلى أكثر من 20 عاماً والتي ما زالت تعمل على طرقات غزة، حتى أنّ بعضها من طُرز تعود إلى أكثر من 40 عاماً، غير أنّ سائقيها يعملون عليها نتيجة عجزهم عن شراء أخرى جديدة نتيجة أوضاعهم المادية المتعثّرة. وعلى الرغم من أنّهم يُعَدّون "ملاحَقين"، فإنّه ما زالوا يجوبون الشوارع بحثاً عن ركّاب في مدينة تعيش الويلات.

وكانت وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية في قطاع غزة قد أعلنت في فبراير/ شباط الماضي أنّ المركبات التي مرّ على تصنيعها أكثر من 20 عاماً هي مركبات قديمة ولا يجوز لها العمل قانونياً، مع العلم أنّ قانون المرور الفلسطيني رقم 5 لعام 2000 ينصّ على أنّه "بعد 18 سنة تُحوَّل السيارة من عمومي إلى ملاكي حتى لو كانت بنيتها جديدة". وقد أوضحت الوزارة أنّه يمكن لأيّ مواطن تقديم طلب لها فتقوم بدراسته، مراعية في ذلك ظروف الناس وأنّ مركباتهم هي مصدر دخل وحيد لهم.

الصورة
سيارات أجرة قديمة في غزة 4 (محمد الحجار)
تكثر المركبات التي مرّ أكثر من 20 عاماً على تصنيعها (محمد الحجار)

يقول أبو حلوة الذي يملك سيارة يعود تصنيعها إلى عام 1993 إنّه يتعرّض بشكل أسبوعي دائم لمضايقات من قبل شرطة المرور ويُصار إلى فحص رخصه. ولا يخفي أنّه تلقّى أربع مخالفات لأنّه يستخدمها سيارة أجرة، في حين أنّه غير قادر على سداد تلك المخالفات. يضيف أبو حلوة لـ"العربي الجديد" أنّ "السيارات القديمة تملأ الشوارع، والعاملين عليها جميعهم يحاولون تأمين لقمة عيشهم وسط غلاء التراخيص وصعوبتها وأسعار البنزين"، لافتاً إلى أنّ "فلسطين تُعَدّ من بين أغلى الدول في العالم في ما يتعلق بأسعار المحروقات. وفوق ذلك، ثمّة من يلاحقك". ويكمل: "أنا في الأساس لا أرغب في أن أكون سائق أجرة، لكنّ لا أعمال أخرى... بالتالي من يطعم أبنائي الخمسة؟".

الصورة
سيارات أجرة قديمة في غزة 3 (محمد الحجار)
يرفع الحصار أسعار المركبات بأضعاف (محمد الحجار)

ويواجه سوق السيارات في غزة عقبات عدّة في ظلّ الحصار الإسرائيلي على القطاع الذي يدخل هذا الصيف عامه السادس عشر، إذ تُفرَض الضرائب من الجانب الإسرائيلي وكذلك من جانب السلطة الفلسطينية وحكومة غزة، وبذلك ترتفع أسعار المركبات بأضعاف، إلى جانب غلاء قطع الغيار التي تدخل بصعوبة إلى قطاع غزة.
تجدر الإشارة إلى أنّ كثيرين من الذين تعطّلت أعمالهم بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، لجأوا إلى العمل سائقي سيارات أجرة لمصلحة أشخاص آخرين. كذلك ثمّة غزيون كثر حصلوا على قروض مصرفية لشراء سيارات بهدف العمل في إطار مكاتب خاصة أو سائقين عموميّين.

الصورة
سيارات أجرة قديمة في غزة 2 (محمد الحجار)
لا مصدر رزق له غير هذه السيارة المتهالكة (محمد الحجار)

من جهته، دخل يوسف عوض (50 عاماً) السجن لمدّة 15 يوماً بعدما نشب شجار بالأيدي بينه وبين شرطي مرور سطّر له مخالفة عندما كان ينقل ركّاباً إلى بوابة مستشفى ناصر الطبي في خان يونس. وعلى الرغم من أنّه وقّع تعهداً بعدم تشغيل سيارته التي يعود تصنيعها إلى عام 1995، فقد عاد إلى العمل عليها إذ لا حلّ أمامه غير ذلك. ويخبر عوض "العربي الجديد" أنّه حصل على السيارة بدلاً من أموال كان استدانها منه أحد أصدقائه قبل خمسة أعوام، "فأنا كنت أعمل في التجارة وخسرت بضاعتي في خلال العدوان الإسرائيلي الثالث على قطاع غزة في عام 2014، ولم أحصل على أيّ تعويض حتى اليوم. بالتالي تحوّلت من تاجر قماش معروف في مدينة خان يونس إلى سائق أجرة، وهذا مصدري الوحيد لتأمين عيشي وعيش أبنائي الخمسة".
ويؤكد عوض أنّ "لا أحد يستطيع منع سائق من العمل في الشارع، طالما أنّه لا يجد كرامة ولا عملاً آخر في بلده، حتى لو اضطرّ إلى نقل الركّاب على عربة وحمار. وهذه هي حياتنا في غزة، في يوم تصبح غنياً في اليوم التالي تصير فقيراً، لكنّني مستمر في عملي حتى لا أضطرّ إلى التسوّل".

قضايا وناس
التحديثات الحية

أمّا سليمان سلامة (61 عاماً) فهو يعمل على سيارة صُنّعت في عام 1989، وهو معروف بلقب "الزعيم" بالقرب من موقف حيّ الشجاعية. ويخبر "العربي الجديد" أنّه يعمل على السيارة نفسها منذ أكثر من 20 عاماً، وقد ربّى أبناءه وزوّج عدداً منهم وما زال على حاله، رافضاً أيّ قرار يصدر من الجهات الرسمية بمنعه العمل على سيارته، علماً أنّه يواجه صعوبات في تجديد ترخيصه نظراً إلى قدم السيارة. ويسأل سلامة: "كم مواطناً أو صاحب مهنة يفهم طبيعة العمل كسائق يمكنه توفير أكثر من 25 ألف دولار أميركي حتى يشتري سيارة يعمل عليها؟". يضيف أنّ "سائقين كثيرين تعرّضوا إلى نكسات كثيرة في حياتهم لأنّهم اشتروا سيارات عبر قروض مصرفية"، لافتاً إلى أنّه "من الأفضل ألا يُمنع أحد من طلب الرزق في غزة".

المساهمون