استمع إلى الملخص
- رغم فقدانه لساق وخنصر يده ومعاناته من تبعات الحرب السورية، بما في ذلك فقدان أشقائه وابنه، يحافظ محمد على نظرة إيجابية للحياة، محاولًا التغلب على الصعاب بروح معنوية عالية.
- استمرار محمد في القتال ضمن صفوف المعارضة حتى فقدان ساقه، ومواجهته للمزيد من المصائب بوفاة ابنه وإصابة ابنه الآخر، يعكس قوة إرادته وتمسكه بالأمل في ظل الأزمات المتتالية.
بساق واحدة، يقود محمد نور سيارته الصغيرة ذات ناقل الحركة العادي بمهارة عالية بمساعدة عكازه، ليصل بشكل يومي عند الساعة السابعة صباحًا إلى المنطقة الصناعية في مدينة إدلب شمال غربي سورية. وتعمل سيارته المعدلة كي تناسب ماكينة تحضير القهوة التي يعمل عليها ويحضّر من خلالها المشروبات الساخنة، مستقبلا زبائنه بوجه بشوش وابتسامة عريضة، ترافقها كلمات لا تخلو من اللطف وترسم البهجة على وجوه زبائنه "أسعد الله صباحك" و"تفضل قهوتك يا قلبي".
يقول محمد نور لـ"العربي الجديد": "رغم الآلام والأوجاع التي بداخلي أرميها جميعًا خلف ظهري وأبدأ يومي ببيع القهوة والمشروبات الساخنة والباردة لزبائني في المنطقة الصناعية الذين أحبهم ويحبونني. هذه السيارة مصدر رزقي الوحيد الذي أعيل به نفسي وعائلتي ووالدتي. الحياة قاسية جدًا هنا في إدلب، لكنني أنظر إليها كحياة جميلة كي أتغلب على معاناتي".
من يرى ابتسامة محمد من الزبائن لا يمكنه تخيل حجم المعاناة التي خلفها. في أبسط الأحوال، ينظر إليه كشخص يكافح من أجل حياة كريمة، رغم أنه فاقد لطرفه السفلي وخنصر يده اليمنى التي يقدم بها القهوة، معاناة محمد ومصائبه بدأت مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011. فهو ينحدر من مدينة حماه التي عانت الويلات من نظام بشار الأسد ووالده حافظ، بحسب تعبيره. كان حينها يؤدي خدمة العلم الإلزامية في واحدة من كتائب الجيش السوري بمحافظة درعا جنوبي البلاد. عندما علم بخبر تصفية ثلاثة من أشقائه بإعدامات ميدانية داخل سجون النظام السوري، وبسبب الحزن بُترت ساقا والدته مريضة السكر.
قرر محمد نور حينها الانشقاق عن جيش النظام السوري مع عدد كبير من زملائه والالتحاق بصفوف الجيش السوري الحر والقتال في صفوف المعارضة. ومع مرور سنوات الثورة السورية والتطورات الحاصلة في البلاد، وصل محمد إلى محافظة إدلب وما زال يقاتل في صفوف قوات المعارضة برفقة شقيقه الرابع والأخير قتيبة. لكنهما تعرّضا لصاروخ تاو في واحدة من جبهات القتال عام 2016، ليقتل قتيبة ويفقد محمد ساقه اليمنى وخنصر يده اليمنى.
بعد هذه الحادثة، رزق محمد نور بولدين توأم، أطلق اسم قتيبة على واحد منهما تيمّنًا باسم شقيقه الراحل. لكن قتيبة الابن لم يعش سوى بضعة أشهر، فقد قُتل بقصف لقوات النظام السوري على منزله في مدينة إدلب. يقول محمد: "لم تنتهِ معاناتي ببتر إصبع يدي وساقي، وبتر ساقي والدتي، وخسارة أخي الشهيد وولدي الذي جمعت أشلاءه من منزلي. فقد تعرّض ولدي الثالث جاد لحمّى العام الماضي أفقدته حاسة السمع، وهو بحاجة لعملية زراعة الحلزون كي يستعيد سمعه".
مع جميع هذه الآلام، ما زال محمد نور يقدم فنجان القهوة لزبائنه بابتسامة عريضة، كي يستطيع التغلب على قساوة الحياة في سورية ويعيش حياة كريمة مع من تبقى من عائلته.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
