السورية وسيلة.. فاجعة أمّ قتل النظام ستة من أبنائها

28 اغسطس 2022
السيدة أم محمد فقدت ستة من أبنائها على يد قوات النظام السوري (فيسبوك)
+ الخط -

مثل جبل أشم، ودعت "وسيلة أم محمد" ابنها خلدون الزعبي، القائد المحلي في مدينة طفس بريف محافظة درعا الغربي في جنوب سورية، ليكون الابن السادس الذي يُقتل على يد قوات النظام السوري منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، بينما قضى أبوهم حسرة على أولاده.

وقُتل خلدون، 39 عاماً، قبل أيام مع خمسة من رفاقه، في كمين لقوات النظام بالضواحي الجنوبية لمدينة درعا، بينما كانوا عائدين إلى مدينة طفس من اجتماع مع مسؤول الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، للتفاوض حول ترتيبات التهدئة في طفس.

وظهرت أم محمد والدة خلدون في شريط مصور تدعو لفقيدها وتطلب منه أن ينقل سلامها لإخوته الذين سبقوه، وتُجدد العهد على مواصلة المسيرة التي ضحوا بحياتهم من أجلها.

 وقال مؤيد الزعبي، ابن عم خلدون، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "عائلة خلدون كانوا معارضين للنظام السوري حتى قبل عام 2011، وتعرض بعضهم للاعتقال والسجن منذ ذلك الوقت". 

وأضاف مؤيد، الذي ما زال مقيماً في طفس، أن "خلدون اعتُقل عدة أشهر في عام 2009، وبعد أن اندلعت الثورة، انخرط وإخوته جميعاً في صفوف الثورة بشقيها السلمي والعسكري، ولخلدون ثمانية إخوة هم (محمد، منيف، نبيل، خلدون، محمود، أدهم، يوسف، عبد المعطي، وزيدان)، استُشهد ستة منهم".

وأول من قضى من أبناء العائلة هو منيف "انتسب لـ"الجيش الحر" في محافظة درعا، وشارك في أول عملية اقتحام لحاجز للنظام، وجرى أسر عناصر من الحاجز، والاستيلاء على سلاحهم، وهو ما ردت عليه قوات النظام باقتحام منزلهم واعتقال والده وشقيقه أدهم، فاضطر إلى مبادلة عناصر النظام بهما، وبعدها بشهرين جرى اغتياله من جانب قوات النظام في بساتين محيطة بمدينة طفس، وأشرف لؤي العلي في حينه على العملية. في تلك الفترة (سبتمبر/أيلول 2011) لم يكن السلاح متوفراً بين أيدي المعارضين للنظام، إلا بشكل محدود جداً".

ويضيف مؤيد أن الشقيق الثاني أدهم قضى في الثاني من أغسطس/آب 2012 "وذلك أثناء تصدي الجيش الحر لقوات النظام التي كانت تحاول اقتحام مدينة طفس، وكان معه شقيقي محمد أحمد الزعبي، ودفنا في القبر نفسه،"، ثم قضى شقيقهم يوسف خلال عملية اقتحام أخرى لقوات النظام لطفس، وتلا ذلك إصابة والدهم بجلطة، وتوفي حزناً على أولاده الثلاثة. 

وأوضح مؤيد أن مجموعات الجيش الحر المنتشرة في ذلك الوقت بمدينة طفس كانت متنوعة وانضم معظمها لـ"كتيبة عباد الرحمن"، ثم "كتائب فجر الإسلام"، والذي حمل لاحقاً اسم "لواء فجر الإسلام" وكان قائده خلدون الزعبي، الذي جرى اغتياله أخيراً.

وأضاف أن الأخ الرابع محمود قضى على يد خلية أمنية تتبع للنظام ضمن طفس في مارس/آذار 2020، تُعرف بخلية "أبو شلبك" التي يديرها مكتب أمن "الفرقة الرابعة"، وقسم آخر منها يتبع للمخابرات الجوية، حيث جرى استدراجه وقتله، وكان ضمن صفوف الجيش الحر.

وفي نهاية يوليو/تموز العام الماضي، قضى شقيقهم الأصغر زيدان، وكان من أشرس المقاتلين في طفس، وذلك خلال معارك الفزعة لمدينة درعا، حيث قضى مع القيادي معاذ الزعبي، على خط المعركة عند محطة الري بين بلدتي اليادودة والمزيريب في الريف الغربي للمحافظة، وظلت جثته مع قوات النظام بالإضافة لجثث قتلى آخرين من الجيش الحر، حتى تمت مبادلتها بضابط من قوات النظام جرى أسره خلال تلك المعركة.

تصفية خلدون

وكانت المحطة الأخيرة في تضحيات هذه العائلة، مقتل خلدون الذي يعتبر كما وصفه مؤيد "العمود الفقري للثورة في حوران ما بعد التسويات"، حيث كان النظام قد حصر التفاوض معه، رافضاً التفاوض مع أي طرف آخر، لعلمه أنه القائد الفعلي للمقاومة ضد النظام في طفس، وهو الذي قاد التصدي لاقتحام قواته للمدينة نهاية يوليو/تموز الماضي، والذي انتهى بفشل النظام في اقتحام المدينة، عبر اتفاق الانسحاب في 13 أغسطس/آب الجاري.

كيف استدرج النظام خلدون؟

وحول جلسات التفاوض، ولماذا وافق خلدون ورفاقه على الذهاب إلى درعا للاجتماع مع لؤي العلي، أوضح مؤيد أن "خلدون (أبو عزام) كان رافضاً فكرة التفاوض مع النظام لعلمه أنه لا عهد له، لكنه اضطر للموافقة على التفاوض تحت ضغط الأهالي الخائفين من الاقتحام والمزارعين المتضررين، حيث كان النظام يعلم مدى حرص خلدون على عدم إلحاق الضرر بأهل مدينته، فاستغل ذلك للضغط عليه واستدراجه للتفاوض، وأصر على حضوره شخصياً إلى درعا. النظام أراد كما يبدو الانتقام من خلدون، لأنه ظهر كمنتصر أمام قوات النظام التي اضطرت لفك حصارها عن طفس بموجب الاتفاق الأخير"، وأشار مؤيد إلى أن لؤي العلي ضغط من خلال الأهالي والمزارعين، ومن خلال الضغط على الوسيط محمد جاد الله الزعبي، من بلدة اليادودة، وكان مع الوفد الذي ذهب إلى درعا، وأُصيب بخمس رصاصات خلال كمين قوات النظام.

وأضاف مؤيد أن عملية الاغتيال جرت بعد جلسة التفاوض الثانية التي تلت انسحاب قوات النظام من محيط طفس، وحاول خلدون التملص من حضور الجلسة الثانية، لعلمه بإمكانية غدر النظام، لكن لؤي العلي هدد الوسيط بأنه هو الكفيل لاستكمال التفاوض، و"بعد الإلحاح والتهديد من طرفه عُقدت الجلسة الثانية التي كانت معدة أساساً للغدر بخلدون ورفاقه".

 

تفاصيل كمين النظام

وقال مؤيد إن التركيز كان على سيارة خلدون بعد تعرضه وصحبه للكمين، حيث قُتل كل من فيها وهم خمسة أشخاص، بينما أصيب 7 آخرون من سيارات الوفد الثلاثة، ونجا بعض الأشخاص بأعجوبة بعد أن استخدموا سلاحهم الفردي للدفاع عن أنفسهم، "جرى تحضير الكمين عند مطب قاس على الطريق، بهدف إبطاء حركة السيارات، واستهداف سيارة خلدون بقذيفة "آر بي جي" أولا، قبل إطلاق وابل من النيران عليها".

ورأى مؤيد الزعبي أن هذه الحادثة، الشبيهة بتصفية القائد أدهم الكراد خلال عودته من جلسة تفاوض مع النظام في دمشق قبل عامين، قد تضع حداً لأية عمليات تفاوض مستقبلية مع النظام، معتبراً أن غياب خلدون الزعبي سيؤثر ولا شك على صمود الأهالي في مواجهة النظام، وهو يشكل ضربة قوية للمقاومين.   

وخلدون متزوج ولديه ثلاثة أولاد ذكور (عزام وأدهم وزيدان)، وابنة واحدة (وسيلة)، وحول معنويات والدته بعد فقدان ستة من أولادها، قال مؤيد إن أم محمد مثل الجبل الراسخ، ولم تمنع أي من أولادها يوماً من الالتحاق بصفوف الثورة، بل كانت تحثهم على ذلك. 

وظهر في درعا العديد من النسوة اللواتي فقدن عدداً من أولادهن وإخوتهن مثل حسنة الحريري التي تحمل لقب "خنساء حوران" والتي قتل ثلاثة من أبنائها وزوجها وإخوتها الأربعة وأزواج بناتها الأربع على يد قوات النظام السوري منذ بداية الثورة السورية عام 2011.

المساهمون