- الطلاب وأسرهم يواجهون تحديات كبيرة بسبب النزوح والحرب، مع قصص مثل مصطفى الذي اضطر للعمل بائعاً جوالاً وعلي ميرغني الذي نزح مع أسرته، مما يسلط الضوء على الصعوبات الشخصية والأكاديمية.
- المعلمون وأعضاء لجنة المعلمين يعتبرون الظروف الحالية غير مواتية لإجراء الامتحانات، مشددين على الحاجة لإعادة تأهيل الطلاب نفسياً وتعليمياً ومعالجة مشاكل مثل نقص الكتب والمدارس المدمرة قبل التفكير في الامتحانات.
أحدث إعلان وزارة التربية والتعليم في السودان بدء تدابير فنية لإجراء امتحانات الشهادة الثانوية إرباكاً كبيراً في أوساط الممتحنين وأسرهم.
وكان مقررا أن يجري أكثر من 500 ألف طالب وطالبة امتحانات الشهادة الثانية في موعد تحدد في 27 مايو/ أيار 2023، لكن عدم استقرار العام الدراسي، واضطراب الأوضاع السياسية، وتنفيذ المعلمين إضراباً عن العمل استمر أشهراً للمطالبة بزيادة رواتبهم، دفعت وزارة التربية والتعليم إلى تأجيل الامتحانات إلى 10 يونيو/ حزيران الماضي.
وقبل الموعدين، اندلعت الحرب في 15 إبريل/ نيسان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما تسبب في مقتل 15 ألف مدني على الأقل، وتهجير أكثر من 8 ملايين من بؤر التوتر إلى مناطق داخلية أكثر أماناً، أو إلى مغادرة السودان إلى دول مثل مصر وتشاد وجنوب السودان واثيوبيا وأريتريا وغيرها. كما تسببت الحرب في تدمير البنى التحتية وبينها مدارس وجامعات ومؤسسات تعليمية أخرى، علماً أن لا إحصاءات في شأن البنى التعليمية المدمرة حتى الآن.
ووزعت وزارة التربية والتعليم استمارات داخل وخارج السودان ألزمت كل طالب بتعبئتها وإعادة إرسالها إليها تمهيداً لاستكمال الإحصاءات اللازمة التي تسمح لأولئك الموجودين داخل السودان أو خارجه بخوض الامتحانات. وذكر وزير التربية محمود سر الختم الحوري أن موعد الامتحانات سيُحدد لاحقاً.
وشرع الطلاب في ملء الاستمارات وتعبئتها، لكن بعضهم لم يسمع بقرار وزارة التربية والتعليم وإجراءاتها، وأحدهم مصطفى الذي تسجّل العام الماضي لإجراء امتحانات الشهادة الثانوية في منطقة شرق الجزيرة وسط السودان، لكنه نزح مع أسرته إلى ولاية نهر النيل.
ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أتابع أي وسيلة إعلام ولا وسائل التواصل الاجتماعي، وتفرغت للعمل بائعاً جوالاً في سوق عطبرة لمساعدة أسرتي في تحسين ظروف عيشها، وأنا لن أستطيع في أي حال من الأحوال المشاركة في الامتحانات في ظل الحرب الحالية، علماً أن تحصيلي الأكاديمي خلال العام الماضي تبخر بالكامل، ولا أذكر أي شيء منه على الإطلاق بسبب الظروف القاهرة جداً التي أعيش فيها. والحلّ بالنسبة لي هو تكرار تأجيل الامتحانات حتى استقرار الأوضاع في ولايتي الأصلية الجزيرة"، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وشهدت انتهاكات ضد الإنسانية دفعت أسراً كثيرة إلى الهروب.
ويروي علي ميرغني، وهو والد طالبة كان من المقرر أن تخوض الامتحانات، قصته مع النزوح من شمال بحري إلى شمال السودان، حيث يسكن حالياً مع أفراد أسرته داخل مصنع قيد الإنشاء بعدما فشل في استئجار منزل نتيجة ارتفاع الأسعار. ويقول لـ"العربي الجديد": "استجبت لتوجيهات إدارة التعليم في الولاية التي نزحنا إليها، وسجلت ابنتي في أقرب مدرسة حيث وُضعت في فصل منفصل مع نازحات أخريات، وجرى تقليص فترة دراستهن إلى يومين في الأسبوع. ثم باتت المديرة تسمعهن أنهن يدرسن لأسباب إنسانية فقط. وبسبب هذا التنمر والاستفزاز، تركت ابنتي الدراسة، وقررت مراجعة الدروس في المنزل خصوصاً أنها أكملت المقرر في مدرستها الأولى بالخرطوم".
يضيف: "عندما أخبرت ابنتي بقرار وزير التربية والتعليم عن بدء التسجيل للامتحانات، قالت: "أو أن هذا الوزير لا يعيش في السودان أو أنه غير جدي".
وفي إقليم دارفور حيث يعتبر الوضع أسوأ منه في ولايات أخرى، يؤكد بركة الأمين، وهو أب لطالبة من المقرر أن تشارك في الامتحانات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، استحالة إجراء الامتحانات لأن المقررات الدراسية لم تكتمل وبات الوقت ضيقاً لفعل ذلك، كما غادر معظم المعلمين إلى دولة تشاد المجاورة، ما يعني أن الرسوب يكون مصير الطلاب الممتحنين، وسيتعرض طلاب دارفور تحديداً إلى ظلم أكبر مقارنة بآخرين تعتبر أوضاعهم أفضل".
من جهته، يرى المعلم أحمد قمبيري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التوقيت الذي أعلنته وزارة التربية والتعليم لبدء إحصاء الطلاب تمهيداً لتنظيم الامتحانات غير مناسب على الإطلاق، إذ يجرى التسجيل في ظل استمرار الحرب وتأثر معظم الولايات بها واعتبارها غير آمنة، وحتى تلك الآمنة مهددة في أي لحظة بوصول الحرب إليها. كما أن الطلاب يفتقرون إلى الاستعدادات الذهنية والنفسية لخوض الامتحانات. ونحن نقدّر باعتبارنا متخصصين في التربية أن الطلاب الذين عاشوا أهوال الحرب يحتاجون إلى سنة كاملة للاستعداد للعودة إلى الدراسة، واستيعاب أجواء الامتحانات".
ويتساءل قمبيري كيف تجرى امتحانات في حين أن نحو 70 في المائة من الأسر في حالات نزوح، وتعتبر أوضاعهم المالية حرجة للغاية، ولا تتوفر للطلاب الكتب التي تركوها في المنازل، وقد تكون نُهبت او جرى إتلافها؟ وأيضاً هل ستجرى الامتحانات فقط في الولايات الآمنة، وتترك شرخاً جديداً في جدار الوحدة الوطنية؟".
ويشير إلى أن "الأوضاع الأمنية نفسها لا تسمح بنقل الامتحانات من مكان إلى آخر، وحتى المدارس التي يفترض أن تنظم فيها الامتحانات، أو تستقبل تحضيرات الطلاب، مدمرة أو يسكنها نازحون. ومن بين العوائق المهمة، عدم تسلّم المعلمين رواتبهم منذ يونيو/ حزيران 2023، علماً أنهم يرفضون تماماً تنفيذ أي أعمال تتعلّق بالامتحانات بينها المراقبة والتصحيح".
ويتفق المعلم حسين كبير مع ما قاله زميله قمبيري، ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "لا امتحانات في ظل الحرب والنزوح، إذ سيجلس الطلاب في كل بقعة لإجراء الامتحانات وهم في حالة خوف ورعب. وحتى لو كانوا في مناطق آمنة، سيعانون من الازدحام وعدم استقرار السكن".
ويذكر أن "معلمين كثيرين رحلوا إلى تشاد أو ليبيا أو أفريقيا الوسطى، ولا يرغبون في العودة، والمطلوب فقط هو فتح ما هو متاح من مدارس لتأهيل التلاميذ من الآثار النفسية للحرب، وترك أمر الامتحانات واستئناف الدراسة حتى وقف الحرب وعبور المساعدات الإنسانية".
من جهته، يقول سامي الباقر، عضو لجنة المعلمين في السودان، لـ"العربي الجديد": "إعلان وزارة التربية والتعليم بدء إحصاء الطلاب خطوة أولى لمعرفة الطلاب وتوزيعهم في الولايات أو في مناطق النزوح أو اللجوء، وليس قراراً ببدء الامتحانات. وقد أعلنت لجنة المعلمين، في أغسطس/ آب الماضي، موقفها من العملية التعليمية، الذي يعكس اعتقادها أن استمرارها بعد الحرب يجب أن يحصل وفق مبادئ اساسية منها الشمول، ويجسّد دورها المهم باعتبارها وسيلة لكبح جماح الحرب".
ويشدد على أن "إجراءات وزارة التربية والتعليم لا يجب أن تقصي الطلاب من العملية التعليمية، وتتجنب نتائجها تقسيم البلاد إلى دار حرب ودار سلام عبر استبعاد طلاب موجودين في مناطق النزاع، لذا سترفض لجنة المعلمين أي خطة تشكل مدخلاً لتقسيم السودان وجدانياً ما يسهل تقسيمه سياسياً".
إلى ذلك، يرى أشرف خليل أن فكرة تنظيم امتحانات الشهادة الثانوية تواجه مشكلات حقيقية، أكبرها ارتفاع الأصوات التي تنادي بضرورة نسيان الامتحانات حتى انتهاء الحرب. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يعرف أحد وقت انتهاء الحرب. وحتى ذلك التاريخ المجهول لا أحد سيُجيب عن سؤال: ماذا سيفعل السودان في المستقبل التعليمي لأبنائه؟".
يضيف: "المشكلات والتحديات المتعلقة بتنظيم الامتحانات واضحة وغير سهلة، لكنها لا يجب أن تمنعنا من مواصلة الجهود لإنجاح الفكرة. وقد اقترح عدد كبير من التربويين إجراء الامتحانات في الولايات الآمنة، وهي البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل وخارج السودان، وحصر وترحيل الطلاب في الولايات المتأثرة بالحرب إلى أخرى آمنة. وهم اقترحوا توفير دعم مادي من جهات إقليمية ودولية مهتمة بالتعليم، وتوفير مجمعات سكنية ومراكز لتجميع الطلاب والطالبات في الولايات الآمنة وتوفير الإعاشة والتأمين والحماية للطلاب والمراقبين والمصححين، وطالبوا باستقطاب المعلمين وتشجيعهم على إنجاح الفكرة. ويتطلب إنجاز هذه الاقتراحات بذل جهود خرافية، لكن إرادة الحياة يجب أن تنتصر وتسود".