تكرر الحكومة السودانية وعودها بتوفير مشاريع لتشغيل الشباب والخريجين، لكنها تبدو مجرد سراب لدى الشباب ما يدفع مئات الآلاف منهم إلى الهجرة، أو العمل في مهن هامشية بعيداً من تخصصاتهم الأكاديمية. وتقدّر نسبة البطالة بين الشباب بنحو 34 في المائة، 45 في المائة منهم من خريجي الجامعات والمعاهد العليا.
وفي إطار الاهتمام الحكومي بتنشيط مشاريع تمويل الخريجين، رفعت وزارة العمل إلى مجلس السيادة الانتقالي خططاً وبرامج ووسائل لتنفيذ مشاريع تشغيل. وأكدت أن ملف تشغيل الشباب يعد هاجساً وهمّاً كبيرين في أروقة الوزارة، خصوصاً بعد توسيع تخصصات التعليم العالي، وعدم قدرة مؤسسات القطاع العام على استيعاب كلّ الخريجين.
بالنسبة إلى عبد الإله خضر (23 عاماً) فقد دفعته الظروف إلى امتلاك طاولة صغيرة في شارع بالخرطوم، وضع عليها أنواعاً من علب السجائر التي يبيعها للمارة، ما يوفر قوت يومه ويساعد أسرته. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أهتم بالأحاديث عن مشاريع الشباب، لأنني لا أشعر بجدية المؤسسات في طرح مشاريع حقيقية وآمنة للشبان. وقد حاولت في الماضي تنفيذ مشروع، لكنني لم أجد مساعدة كافية، وتكاليف الإجراءات البيروقراطية نفسها تستهلك زمناً طويلاً وطاقة وأموالاً قد تساوي قيمة مشروع". ويطالب خضر الحكومة بأن تنزل إلى الشوارع والأسواق لتحديد من يستحقون فعلاً الحصول على مشاريع الشباب، لا سيما أولئك الذين يعملون في مهن هامشية". ويشير إلى أنّ بعض الذين حصلوا على دعم لم ينجحوا بسبب شروط تعسفية مرتبطة بالمشاريع.
وتروي ألفيرا كمال لـ"العربي الجديد" أنّها تملك 3 شهادات في تخصصات تصميم الأزياء والإعلام والتجميل، لكنها عاطلة منذ سنوات عن العمل، ولم تحصل على وظيفة. وتقول: "ذهبت مرة إلى بنك أعلن وجود فرص دعم مشاريع للشباب، لكنني صدمت بشرط تقديم ضمانات، مثل رهن منزل أو سيارة لمنح تمويل لمشروع فكرت به يتمثل في فتح مشغل صغير لتصميم فساتين للأطفال". تتابع: "رفض البنك تسلم دراسة جدوى المشروع وأيّ مستندات أخرى قبل تقديم أوراق الضمانات، ما نفى كلّ ما قيل أنّ الدعم مجاني ويرتبط بضمانات المشروع نفسه. وأعتقد أنّه لو تعاملت الحكومة بجدية مع الموضوع لكانت أخذت الوضع الاقتصادي في الاعتبار، وتفهمت واقع تدني مستوى المعيشة وقلة المداخيل، تمهيداً لإدراك أهمية توفير مشاريع حقيقية بشروط ميسرة تساهم في إنهاء البطالة والتحاق الشبان بمهن هامشية، بدلاً من الإفادة من مهاراتهم لتعزيز الإنتاج حتى في الزراعة". وتحذر إلفيرا من أن استمرار الوضع الحالي للشباب في السودان الذي "سيضاعف نسب الفقر، ويؤدي إلى مغامرات تنفيذ رحلات للهجرة السرّة، ويساهم في تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات هرباً من الواقع المؤلم". وترى أن "مشاريع الشباب تساعد في تقليل كلفة الاستيراد، وتحقق الاكتفاء الذاتي للأسر في سلع عدة بينها تلك الضرورية. وكلّ مشروع يمكن أن يوظف أكثر من 20 شاباً وشابة في مساحة لا تزيد عن 200 متر". وتدعو إلفيرا الحكومة والجهات المختصة إلى الاقتداء بتجارب دول العالم في تشغيل الخريجين، وبينها في مصر حيث يموّل الشبان من دون ضمانات، وتدعم مشاريعهم بفرق للتدرب على التسويق وإدارة الأعمال والحسابات.
من جهتها، ترى نجلاء محيي الدين، التي تهتم بقضايا الشباب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفشل واكب معظم مشاريع تشغيل الشباب والخريجين، سواء في عهد الرئيس المعزول عمر البشير أو النظام الحالي، والشباب السوداني لم يستفد منها على الإطلاق، ولم تترك أي أثر على المجتمع لأنّ الدعم مُنح على أساس الولاء والمحاباة، وليس على أسس ومعايير اجتماعية سليمة تحدد الفئات الأكثر حاجة لها". وتشير إلى أنّ "بعض المشاريع فشلت بسبب عدم خبرة الشباب ونقص تدريبهم، ما تسبب في دخول بعضهم السجون، وألحق أضراراً كبيرة بأسرهم التي كانت تعتمد على مساعدتهم قبل أن تنتقل إلى البحث عن وسيلة لإطلاق سراحهم". تضيف: "عدم الاستقرار الاقتصادي، لا سيما على صعيد سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية، يلحق خسائر كبيرة للمشاريع التي يُفاجأ أصحابها بارتفاع أسعار مواد الإنتاج، ويتحوّل همهم إلى إعادة مبلغ التمويل للبنوك". وتشدد على أنّ عدم معالجة قضايا الشباب والبطالة سيقودهم إلى التورط في أعمال غير شرعية مثل تجارة العملة والمخدرات وغيرهما للربح السريع.
في المقابل، يعدد مدير شركة المثال للتمويل نعمان يوسف الفوائد التي جناها المشتركون في مشاريع التمويل الصغيرة للشبان والنساء. ويكشف لـ"العربي الجديد" أن "دراسات حديثة صدرت في الأسابيع الماضية، أكدت أن 86 في المائة من المشتركين أكدوا الأثر الإيجابي للفكرة على حياتهم بعدما زادت مداخيلهم، وبالتالي مساهماتهم في نفقات الأسرة، ما حسّن تعليمهم وعلاجهم ومياه شربهم، وزاد وعيهم وتأثيرهم الاجتماعي". يضيف: "يملك السودان تجربة طويلة في هذه المشاريع طبقا لسياسيات بنك السودان وبنوك أخرى تنشط في مجال دعم الأعمال الصغيرة الرائدة، وقد حصلت مشاريع متخصصة على تمويل من بنوك وصناديق خارجية، قبل أن تتأثر بالتغيرات السياسية والاقتصادية وظروف كورونا".
ويتحدث عن مشروع تمكين الشباب، والجهاز القومي لتشغيل الخريجين الذي خصصت له محفظة دعم برأسمال وصل إلى 6 مليارات جنيه (13 مليون دولار)، ويشدد على وجود خطة استراتيجية لمشاريع التشغيل تضمن تجنب آثار عدم استقرار سعر الصرف، وتطوير أنظمة التحصيل والبيع، وتخفيف البيروقراطية في التسجيل والتدريب، كما يحذر من قلة المشاريع التي لا تزيد عن 22 ألفاً تتوزع على 18 ولاية، و"هذا عدد قليل جداً مقارنة بالأعداد المستهدفة، علماً أنّ الشرط الوحيد لتحقيق مستقبل آمن لمشاريع تشغيل الخريجين هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي".