توفي أول شخص تمّ علاجه وشفاؤه من فيروس نقص المناعة البشرية، تيموثي راي براون، في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب مرض السرطان. وبراون، المعروف أيضاً باسم "مريض برلين"، خضع لعملية زرع نخاع عظمي من متبرّع، كان مقاوماً بشكل طبيعي لفيروس نقص المناعة البشرية في عام 2007. اقترح أطباؤه هذه العملية كأحد الحلول لسرطان براون أولاً، فيما تأمّلوا أن تساعد في علاج "الإيدز". لكنها أدّت نهايةً إلى علاجه من الإيدز، بينما ما انفكت الخلايا السرطانية تعود إلى جسده، بعد شفائه منها مرات عدّة، حتى هزمته نهاية، في آخر عودة لها في إبريل/نيسان الماضي، لينتهي صراعه مع هذا المرض الشهر الماضي.
وبحسب خبراء الصحة، فإنّه بعد إجراء العملية، في فبراير/شباط 2007، لم يعد براون بحاجة إلى الأدوية المضادة للفيروسات، وبقي خالياً من الفيروس الذي يمكن أن يؤدّي إلى مرض الإيدز، لبقية حياته.
وقالت جمعية الإيدز الدولية: "إنّ براون أعطى العالم الأمل في إمكانية علاج فيروس نقص المناعة البشرية".
وبحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية، فقد تمّ تشخيص براون، البالغ من العمر 54 عاماً، بفيروس نقص المناعة البشرية أثناء إقامته في برلين، عام 1995. ثم في عام 2006 أصيب بنوع من سرطان الدم، يسمى سرطان الدم النخاعي الحاد.
وتضمّن علاج براون تدمير النخاع العظمي الذي يُنتج الخلايا السرطانية، ثم إجراء عملية زرع نخاع العظم. جاء النقل من متبرّع لديه طفرة نادرة في جزء من حمضه النووي يسمى الجين CCR5.
CCR5 عبارة عن مجموعة من التعليمات الجينية التي تبني المدخل الذي يمرّ عبره فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) لإصابة الخلايا.
الطفرات في CCR5، تُغلق الباب بشكل أساسي وتمنح الناس مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية. قال براون لشبكة "بي بي سي" في عام 2012، "لقد توقفت عن تناول دوائي في اليوم الذي أجريت فيه عملية الزرع. وبعد ثلاثة أشهر، اختفى فيروس نقص المناعة البشرية من جسدي".
وأضاف: "لقد كنت متحمساً لذلك، لكنني ما زلت أخشى أن يعود الفيروس، لكنه لم يفعل".
وبالرغم من شفائه من فيروس نقص المناعة، لكن سرطان الدم، عاد في وقت لاحق من هذا العام لينتشر في دماغه ونخاعه الشوكي.
وكتب شريكه، تيم هوفجن، على فيسبوك: "ببالغ الحزن أعلن وفاة تيموثي... بعد معركة استمرّت خمسة أشهر مع سرطان الدم".
وأضاف: "براون كرّس حياته المهنية لسرد قصته حول علاجه من فيروس نقص المناعة المكتسبة، وأصبح سفير الأمل".
من هو تيموثي براون ؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً مفصلاً عن براون، ونشأته وإصابته بالمرض. وبحسب التقرير، فقد ولد براون في مدينة سياتل في 11 مارس/آذار 1966، وعاش مع والدته شارون براون.
كان طالباً جامعياً في برلين عندما ثبتت إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية، كما أصيب بمرض اللوكيميا لاحقاً. خضع لعملية، يتم فيها حصاد الخلايا الجذعية من الدم في 16 فبراير/شباط 2007.
تمّ الإبلاغ عنه في مؤتمر الإيدز الدولي لعام 2008، وتصدّر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم باسم "علاج الإيدز".
لكن العملية قوبلت أيضاً ببعض الشكّ في المجتمع العلمي. سعى بعض باحثي الإيدز إلى اختبار عينات دم براون بأنفسهم. وتساءل البعض عمّا إذا كان بالفعل خالياً من فيروس نقص المناعة البشرية، أو يمكن أن يعود الفيروس. وأشار الخبراء أيضاً إلى أنّ عمليات زرع نخاع العظام، كانت محفوفة بالمخاطر ومكلفة، وتنفيذها لم يكن متاحاً على نطاق واسع.
كان يُعرف براون في الأصل باسم مستعار فقط ، وهو "مريض برلين". لكن بعد ثلاث سنوات، أصبح شخصية عامة عندما قرّر الكشف عن هويته.
قال براون لموقع ContagionLive العام الماضي: "في مرحلة ما، قرّرت أنني لا أريد أن أكون الشخص الوحيد في العالم الذي شُفي من فيروس نقص المناعة البشرية، أردت أن يكون هناك المزيد. والطريقة للقيام بذلك هي أن أُظهر للعالم من أنا، وأن أكون مدافعاً عن فيروس نقص المناعة البشرية".
وأضاف: "قصتي مهمة فقط لأنها تثبت أنه يمكن علاج "إتش آي في"، وإذا حدث شيء ما، مرة واحدة في العلوم الطبية، فيمكن أن يحدث مرة أخرى".
في سبتمبر/أيلول 2019، في مؤتمر علمي في سياتل، أعلن الباحثون أنهم عالجوا بنجاح مريضاً ثانياً، "مريض لندن"، باستخدام إجراء زرع مماثل. عرّف هذا المريض عن نفسه في مارس/آذار على أنه، آدم كاستيليجو، وهو مواطن فنزويلي يبلغ من العمر 40 عاماً، هاجر إلى بريطانيا قبل عقدين من الزمن، وقيل له في عام 2003 إنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية.
قال كيفن فروست، الرئيس التنفيذي لمؤسسة أمفار لأبحاث الإيدز، والتي دعمت المزيد من الدراسات المتعلقة بالزرع التجريبي، في مقابلة "إنّ براون كان كريماً بشكل لا يصدق في وقته وجسده".
أقرب إلى العلاج؟
كان علاج براون محفوفاً بالمخاطر وعدوانياً للغاية، إذ لا يمكن استخدامه بشكل روتيني، فهو يبقى في الأساس علاجاً للسرطان. هذا النهج مكلف للغاية بالنسبة لـ 38 مليون شخص، الكثير منهم في أفريقيا، جنوب الصحراء، يُعتقد أنهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية.
ومع ذلك، ألهمت قصة براون العلماء والمرضى والعالم بإمكانية إيجاد علاج في النهاية.
من جهته، اعتبر البروفيسور، أديبا كامارولزامان، رئيس الأكاديمية الدولية للعلوم: "نحن مدينون لتيموثي وطبيبه جيرو هوتر كثيراً، لفتح الباب للعلماء لاستكشاف مفهوم أنّ علاج فيروس نقص المناعة البشرية ممكن".
يقول البروفيسور شارون لوين، مدير معهد دوهرتي في ملبورن، أستراليا: "على الرغم من أن حالتي تيموثي وآدم ليستا استراتيجية قابلة للتطبيق على نطاق واسع للعلاج، إلاّ إنّها تمثّل لحظة حاسمة في البحث عن علاج لفيروس نقص المناعة البشرية".
ويأمل المجتمع العلمي في أن يتمكن من تكريم إرث براون، من خلال استراتيجية آمنة وفعّالة من حيث التكلفة، تمكّن الوصول إلى علاج على نطاق واسع ضدّ فيروس نقص المناعة البشرية، وعلاجه باستخدام تحرير الجينات أو التقنيات التي تعزّز السيطرة على المناعة.