تشكل القنابل العنقودية والألغام والذخائر غير المنفجرة خطراً حقيقياً على سكان مناطق شمال غربي سورية، وتوقع ضحايا كثيرين، معظمهم من الأطفال، في وقت تبذل فيه هيئات فاعلة على رأسها جهاز الدفاع المدني السوري على الأرض جهوداً لإزالتها، وتجنيب السكان تهديداتها.
في 24 أغسطس/ آب الماضي، قضى الطفلان مصطفى وعمار ياسين في انفجار قنبلة من مخلفات الحرب، حين كانا يلعبان في قرية الصواغية بريف إدلب الشمالي، علماً أنهما نازحان مع عائلتهما من قرية الطليحة في الريف الشرقي لمحافظة إدلب.
وعشية هذه الحادثة، قتل شاب في انفجار لغم خلال عمله في قطف التين ببلدة البارة في الريف الجنوبي للمحافظة.
وتتكرر هذه الحوادث مع وجود عدد كبير من مخلفات الأسلحة غير المنفجرة، علماً أن تقريراً أصدره "مرصد استخدام القنابل العنقودية" التابع للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، أكد أن قوات النظام السوري تواصل منذ عام 2012 استخدام الذخائر العنقودية المحرّمة دولياً، مع إحصاء تنفيذها نحو 687 هجوماً. كما وثق المرصد مقتل 147 شخصاً بسبب مخلفات القنابل العنقودية عام 2020.
في مواجهة الخطر
ويؤكد منسق برنامج مخلفات الأسلحة غير المنفجرة في الدفاع المدني السوري محمد سمامي المحمد، لـ"العربي الجديد"، أن "آلاف الذخائر غير المنفجرة التي خلّفها قصف قوات النظام السوري والجيش الروسي على مدى سنوات في مناطق سكنية وزراعية تمثل خطراً كبيراً طويل الأمد، في وقت تتسبب في سقوط ضحايا أطفال يفتقدون القدرة على تحديد المخاطر".
ويوضح أن "مهمات فرق الدفاع المدني السوري المتخصصة بمسح وإزالة مخلفات الأسلحة غير المنفجرة لا تنحصر في إزالة الألغام، وتشمل التوعية باعتبارها من أهم وسائل مواجهة خطر مخلفات الأسلحة غير المنفجرة، علماً أنها نفذت نحو 704 جلسات توعوية حضرها 7214 شخصاً، وركزت على خطر هذه المخلفات وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني السوري عنها فوراً. كما شملت عمليات التوعية طلاب المدارس وسكان المخيمات والتجمعات".
أيضاً، يشير المحمد إلى "تنفيذ فرق الدفاع المدني السوري عمليات مسح في أرجاء الشمال السوري لتحديد مناطق وجود مخلفات الأسلحة غير المنفجرة تمهيداً لإزالتها. وأجرت الفرق 257 عملية مسح في عام 2021 حددت أكثر من 235 منطقة خطرة". ويكشف أن عملية إتلاف المخلفات تحصل بعد الوصول إلى منطقة وجودها، "وتشمل كل ذخيرة بمفردها عبر إجراءات تتمتع بمهنية وحرفية عالية لتفادي أي مخاطر، والتأكد من زوال خطرها بالكامل، علماً أن 375 ذخيرة أتلفت هذا العام، بينها أكثر من 170 قنبلة عنقودية".
ويتابع : "طوال السنوات الماضية، وثقت فرق المتفجرات غير المنفجرة في الدفاع المدني السوري استخدام 60 نوعاً من الذخائر في قتل مدنيين، منها 11 نوعاً من القنابل العنقودية المحرّمة دولياً، والتي لم يتردد النظام وحلفاؤه الروس في استخدامها ضد المدنيين، ومخالفة كل القوانين الدولية".
ويؤكد أن "الخطر لا يقتصر على التأثير المباشر والآني للعمليات العسكرية التي ينفذها النظام وحلفاؤه الروس، وما قد ينجم عنها من خسائر بشرية وأخرى في الممتلكات والبنى التحتية، بل يمتد إلى ما بعد العمليات ويبقى إلى أمد طويل، ويترك إرثاً ثقيلاً من مخاطر الموت، فالقذائف أو الصواريخ التي لم تنفجر تهدد بكوارث قد تحصل في أي لحظة، ما يستدعي التعامل معها مسبقاً قبل فوات الأوان. والحقيقة أن ملايين المدنيين في سورية يعيشون في مناطق موبوءة بألغام وذخائر غير منفجرة نتيجة سنوات من قصف النظام وروسيا، في حين تركز فرقنا على التعامل مع هذا الواقع المؤلم والحفاظ على أرواح المدنيين، من خلال العمل لإزالة هذه الذخائر، وتوعية المدنيين بشأن خطرها".
بين المنازل والأراضِي زراعية
ويلفت إلى أن "القوة التدميرية الهائلة للترسانة العسكرية التي وجهتها قوات النظام السوري والجيش الروسي إلى أجسام السوريين وممتلكاتهم، في حال عدم انفجارها، قد تفوق لحظة تفجيرها. وقد وثقنا سقوط أكثر من 140702 صاروخ وقذيفة متنوعة بين مطلع عام 2019 ونهاية عام 2020، رغم تطبيق وقف لإطلاق النار خلال معظم 2020".
ويلفت المحمد إلى أن "عدداً كبيراً من مخلفات الأسلحة غير المنفجرة والألغام لا تزال موجودة بين منازل المدنيين وفي أراضٍ زراعية وأماكن للعب الأطفال، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود. واستمرار وجود هذه المخلفات الخطرة وانتشارها في أنحاء سورية يعني أن الخسائر ستمتد لفترة طويلة حتى بعد انتهاء الحرب. وهي توجد في مساحات واسعة على امتداد شمال غربي سورية، ويزداد خطرها خلال مواسم الزراعة، خصوصاً القنابل العنقودية". ويشدد على أن جهاز الدفاع المدني السوري هو الجهة الوحيدة التي تعمل في مجال إزالة مخلفات الأسلحة غير المنفجرة في شمال غربي سورية، ولا تسانده أي جهة في مهماته.