في ألماتي، كبرى مدن كازاخستان، يعيش مليونا شخص على 27 فالقاً، وقد أثار الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية، في السادس من فبراير/ شباط الجاري، المخاوف في نفوس هؤلاء من رؤية مدينتهم تنهار يوماً ما. وعزّز مخاوفهم تلك زلزال بقوّة 6.8 درجات على مقياس ريختر ضرب شرق طاجيكستان، صباح اليوم الخميس، عند الحدود مع كلّ من أفغانستان والصين.
كلارا إمانغالييفا من سكان مدينة ألماتي، التي تغطي جبال تيان شان معظم مساحتها، تقول لوكالة "فرانس برس": "نحن كذلك في خطر". وتضيف المرأة الأربعينية التي تعيش في الطبقة السابعة من مبنى يقع في وسط المدينة: "أبحث عن مسكن جديد. أريد الانتقال إلى منزل مؤلّف من طبقة واحدة لأحظى على الأقلّ بفرصة للنجاة في حال وقع زلزال".
وكانت ثلاثة زلازل قد دمّرت ألماتي في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، علماً أنّ أجزاء كبيرة من المدينة شُيّدت (قبل عقود) عندما كانت البلاد من ضمن الاتحاد السوفييتي.
ويقول المهندس المعماري والمخطط العمراني ألماس أورداباييف، الأكثر شهرةً في البلاد، إنّ "المعايير المرتبطة بالزلازل تطوّرت منذ نهاية ثلاثينيات القرن الماضي". ويضيف لوكالة "فرانس برس" أنّه "إذا كانت المباني التي تُبنى حالياً مصمّمة لتحمّل الزلازل الأكثر تدميراً فستصمد"، إلا أنّ الوضع مختلف تماماً بالنسبة إلى المباني القديمة.
ويشير أورداباييف، الذي سوف يبلغ الخامسة والثمانين من عمره قريباً، إلى أنّ كلّ المباني "المشيّدة حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي والتي لم تُدعّم، لن تنجو من زلزال يشبه ذلك الذي ضرب تركيا". وبحسب التقديرات، فإنّ 10 في المائة من مباني ألماتي مُدرجة من ضمن هذه الفئة.
ويستدرك المهندس موضحا أنّ "أحداً لا يعرف فعلياً ما الذي سوف يحلّ بالمباني المبنيّة في خلال الفوضى الاقتصادية والسياسية في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، في بلد تنهشه المحسوبية". بالنسبة إليه، فإنّ "زلزالاً قوياً فقط قادر أن يكشف ما الذي سوف يحلّ بالمباني المشيّدة في تسعينيات القرن الماضي من قبل شركات فاسدة وإجرامية".
ويتابع أورداباييف: "آمل أن يكون الزلزال في تركيا بمثابة درس لسلطاتنا وشركاتنا المتخصّصة في البناء".
40 ألف هزّة أرضية
ويُعَدّ الخطر حقيقياً، ويشرح نورسارن أوزبيكوف، وهو أحد المسؤولين في معهد ألماتي لعلم الزلازل، لوكالة "فرانس برس"، أنّ الأرض تهتزّ بشكل مستمرّ في جنوب شرق كازاخستان وجنوبها. ويقول: "سُجّلت نحو 40 ألف هزّة أرضية في الأعوام الخمسة الأخيرة" في كازاخستان، وفي المعدّل "يشعر السكان بتسع إلى 15 هزّة أرضية في كلّ عام".
ويدرس المعهد بدقّة كلّ حركة للأرض وحتى سلوك الحيوانات من ثعابين وطيور وأرانب وأسماك. ويعمل غريغوري كوتشكاروف زميل أوزبيكوف في محطة لرصد الزلازل تقع في الجبال التي تشرف على ألماتي. أمامه شاشات لرصد تحرّكات الأرض بصورة آنية. ويشرح لوكالة "فرانس برس": "إذا وقعت هزّة أرضية، تظهر لنا فوراً على الشاشة ونتلقّى إشارة صوتية. وفي خلال عشر دقائق كحدّ أقصى ننقل المعلومة".
ويفتح كوتشكاروف باباً ثقيلاً يؤدّي إلى نفق يمتدّ على 300 متر "لا يدخل أحد إليه في العادة"، ويضمّ أدوات قياس حساسة جداً هي نوع من السمّاعات العملاقة ترصد تحرّكات كوكب الأرض.
"دمار"
ويوضح كوتشكاروف أنّ "الأجهزة لا تتوقّف عن العمل قطّ وتستشعر الذبذبات التي تحصل حولها حتى مسافة ثلاثة آلاف كيلومتر". وتشهد على ذلك كيلومترات من أوراق الأرشيف، بعضها يعود تاريخه إلى ثلاثينيات القرن الماضي. أمّا أجهزة قياس الزلازل فيعود تاريخ معظمها إلى حقبة الاتحاد السوفييتي، وهي غير كافية. يُذكر أنّ الحكومة الكازخستانية أفادت بأنّها تريد معالجة الأمر.
في دول آسيا الوسطى، التي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفييتي، يشعر سكان مدن أخرى كذلك بالخوف من وقوع زلزال مدمّر. وعلى سبيل المثال، في قرغيزستان التي تهيمن جبال على معظم مساحتها، وعدت السلطات بتقييم مدى مقاومة المباني للزلازل.
وفي أوزبكستان دُمّرت أجزاء كبيرة من العاصمة طشقند في زلزال وقع في عام 1966. ويخبر المتقاعد نور الدين إبراهيموف وكالة "فرانس برس": "كنت حينها أبلغ من العمر 13 عاماً تقريباً، وكان الدمار يغطّي طشقند، وقد أخفت السلطات (السوفييتية) عدد القتلى".
وكما في أوزبكستان، دُمّرت كذلك عاصمة توركمانستان عشق أباد في عام 1948، في كارثة أدّت إلى مقتل 100 ألف شخص، بحسب التقديرات. ويفيد مصدر حكومي وكالة "فرانس برس" بأنّ بلاده هي من بين أكثر الدول عزلةً في العالم، وهي تتّخذ "الإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة هياكل المباني".
أمّا في طاجيكستان التي شهدت زلزالا اليوم الخميس، فتمثل بحيرة ساريز التي تشكّلت نتيجة زلزال وقع في عام 1911، تهديداً لربع مساحة البلاد في حال انهار السدّ الطبيعي الذي يحتويها.
(فرانس برس)