أزمة شهادة الدكتوراه في الجزائر مزدوجة، إذ ترتبط بالخريجين من جهة، والمتقدمين للدراسة في برامجها، من جهة أخرى. هؤلاء عاطلون من العمل يطالبون بتوظيفهم، وأولئك يتهمون السلطات بعدم الشفافية في امتحانات القبول
تشهد الجامعات الجزائرية حالة من الغضب، من جراء انتظار أكثر من 12 ألفاً من حاملي شهادة الدكتوراه، الإفراج عن نتائج مباريات التوظيف الخاصة بهم، ما دفعهم لتنظيم وقفات احتجاجية دورية أمام مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وهو غضب ينسحب على طلاب الدكتوراه أيضاً الذين يشعرون أنّ آفاق التوظيف المستقبلي أمامهم مسدودة.
بالنسبة للطلاب، فإنّ الطريقة التي سلكتها الوزارة بفتح امتحانات القبول في الدكتوراه، منذ مارس/ آذار، حتى الأول من إبريل/ نيسان، أثارت جدلاً في البلاد، بعدما منحت الحكومة وبأمر من الرئيس عبد المجيد تبون، الفرصة لجميع الحاصلين على شهادة الماجستير، باجتياز الامتحان، تطبيقاً لمبدأ المساواة بين الجميع، ليبلغ عدد المرشيحن رقماً قياسياً (أكثر من 32 ألف طالب)، لتكون المفارقة بأنّ ما بين 70 و75 في المائة من المرشحين الذين قبلت ملفاتهم تغيّبوا عن الامتحان.
وعلّق الاتحاد الوطني للباحثين والدكاترة (نقابة طلابية تُعنَى بمشاكل العاطلين من العمل) بأنّ الآلاف من الطلاب فقدوا الأمل في اجتياز مسابقة الدكتوراه، إذ يشكّك كثيرون في نزاهة الامتحان من جهة، ومن ضبابية مصير الحاصلين على الدكتوراه مستقبلاً من جهة أخرى خوفاً من ضياع سنوات الدراسة، إسوةً بزملائهم المحتجين.
وقال الطالب وليد بومهني في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة دالي براهيم بالعاصمة الجزائرية (حاصل على شهادة ماستر): "الامتحان بات ينحصر بمقاعد قليلة جداً تصل إلى ثلاثة في كلّ اختصاص، ما يعني أنّ فرصة النجاح ضئيلة، معتبراً أنّ سبب مقاطعته يعود إلى غياب الشفافية. يتساءل بومهني، في حديث إلى "العربي الجديد"، عن جدوى إجراء امتحانات القبول في جامعة معينة وهي محسومة مسبقاً لمتخرجيها بالذات، مُنبِّها إلى ما وصفه بـ"الإجحاف بحق كثير من المتفوقين في دفعات الماستر" وهو ما يبرر تراجع عدد كبير من الطلاب عن تقديم الامتحان الخطي، بعد تقديم طلباتهم لإجرائه.
وتسبّبت بعض الأخطاء المسجّلة في مراكز تصحيح مسابقات الدكتوراه ببعض الجامعات الجزائرية في تراجع الآلاف عن خوض الامتحان. وأثير جدل كبير في تسريب أسئلة المسابقات في عدد من الجامعات، ما دفع كثيرين إلى التساؤل حول أحقية تصحيح الآلاف من الأوراق للطلاب الممتحنين، في مقابل غياب النزاهة في المسابقة.
على صعيد حاملي شهادة الدكتوراه، ذكرت تنسيقية الطلبة الحاصلين على الدكتوراه (نقابة للحاصلين على الدكتوراه من العاطلين من العمل) أنّ الحكومة تحاول امتصاص غضبهم عبر تحضير "مشروع مرسوم تنفيذي يحدد آليات توظيف حاملي شهادة الدكتوراه في المؤسسات والإدارات العمومية وفي القطاع الاقتصادي والاجتماعي" إذ كلّفت وزارة التعليم العالي لجنة لإعداد مشروع قانون أساسي خاص بالحائزين على الدكتوراه. ويهدف المشروع إلى تعزيز فرص التوظيف لحاملي هذه الشهادة بمختلف القطاعات الاقتصادية، بالإضافةً إلى مهن التعليم بالمؤسسات الجامعية. ويوضح المشروع، بحسب ما جاء في بيان الوزارة "كيفية توظيف حاملي شهادة الدكتوراه في منصب مستشار في المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والعلمي والثقافي والمهني، الذي سيتم عن طريق مسابقة على أساس الشهادة للمرشحين الحائزين على الدكتوراه، أو شهادة معادلة لها بحسب المركز الإداري". وكشف مصدر مطلع على المشروع لـ"العربي الجديد" أنّه عقب سريان مفعول المرسوم سيجري دمج الموظفين الحاصلين على شهادة الدكتوراه في الرتب المصنفة بحسب السلم التراتبي لدى القطاع المعني بالتوظيف.
وإلى حين الإفراج عن المرسوم النهائي، فإنّ المشروع "يعزز الفرص أمام حاملي شهادات الدكتوراه غير الموظفين، للاستفادة من مكافأة عن نشاطات البحث المنجزة، ومن بدل شهري يحدد استاداً إلى الراتب التقاعدي الشهري للباحث الدائم في رتبة أستاذ باحث، كما يتيح لهم التوظيف داخل المؤسسات الاقتصادية والجمعيات ذات الطابع العلمي" بحسب المصدر. وفي إطار السعي إلى حلول لحاملي الدكتوراه في الجزائر، يهدف المرسوم أيضاً إلى منح الباحث الزائر المقيم الحامل لشهادة الدكتوراه وغير الأجير (غير الموظف) الفرصة للعمل الأكاديمي في أحد المختبرات بموجب عقود عمل محددة، مدتها سنتان غير قابلة للتجديد، بهدف ممارسة نشاطات في كيانات البحث المنشأة في المؤسسات العمومية، ويمنح لهم إمكانية التوظيف بنفس العقود في مؤسسات اقتصادية أيضاً.
وفي هذا المنحى، تنظر الدكتورة وهيبة عبد اللاوي، من جامعة العلوم والتكنولوجيا بقسنطينة، شرقي الجزائر، بعين الحسرة لما يعيشه حاملو شهادات الدكتوراه في الجزائر، إذ اعتبرت المشروع حلاًّ مؤقتاً لأزمة دائمة، كما تقول لـ" العربي الجديد". تضيف أنّها حلول انتقالية ولفترة محددة، ما يضع الآلاف على حافّة البطالة مجدّدا فور انتهاء عقود العمل، على حدّ قولها.
وفيما ترفض تنسيقية حملة شهادات الدكتوراه في الجزائر، هذه الحلول "المجحفة" في حقّ الباحثين الجزائريين، وتحميلهم عبء البطالة مجدداً بعد عامين من التوظيف، تتساءل عبد اللاوي عن جدوى فتح امتحان القبول بالدكتوراه أمام الآلاف من طلاب الماجستير والماستر، إذ إنّ الواقع يشير إلى أنّ ذلك يعني فتح باب جديد للبطالة.