يعمد الكثير من الجزائريين إلى استغلال المساحات الزراعية في القرى والغابات في تربية المواشي والدواجن والنحل وإنتاج العسل والزيوت، أو زراعة أشجار الفاكهة، مستفيدة من الدعم الحكومي الذي يشمل بيع المنتجات في الأسواق والمعارض بعد أن بادرت الحكومة إلى تقديم تسهيلات جديدة للأسر.
وأقرّ الرئيس عبد المجيد تبون، خطة لتقديم تسهيلات لصالح الأسر الجزائرية التي تجتهد في زيادة مردودية القطاع الزراعي من خلال استغلال مساحات الغابات لمضاعفة المداخيل بطريقة غير ضارة بالغطاء الغابي أو البيئة، ويرى كثيرون في هذا القرار أملاً جديداً لإحياء هذه المناطق، كما أنه يعيد تطوير برنامج سابق أطلقته الحكومة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة من خلال وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، لإعادة إحياء سكان المناطق الجبلية للنشاط الفلاحي.
ويساهم السماح للأسر باستغلال المساحات الغابية الجبلية في النشاطات الزراعية في تشجيعها على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ودعم السوق المحلي بمنتجات كاللوز والخروب والحمضيات والعسل، بالإضافة إلى تربية الدواجن والمواشي. ويتطلب الأمر مساعدة هذه العائلات في تمهيد الطرقات الجبلية التي تعيق عملية نقل المنتجات والمواد الأولية، وحل مشكلات المياه.
وتؤكد رئيسة مصلحة استغلال وتطوير المساحات الغابية، دريب حياة، لـ "العربي الجديد"، أن الدولة ستطبق برنامجاً يهدف إلى تقديم الدعم الريفي للأسر المنتجة في الريف وتلك التي ترغب في الاستفادة من مساحات للنشاط الزراعي البسيط في الغابات، من خلال منح الأشجار مجاناً وفتح وتهيئة المسالك الجبلية، ومساندة الشباب أصحاب المشاريع الخاصة في تربية المواشي والنحل وتشجير الأراضي بأنواع مختلفة من الفاكهة على مستوى المناطق الجبلية، وتقديم تسهيلات جديدة لتطوير الزراعة الجبلية، وتذليل العقبات والمشكلات أمام الراغبين في الاستثمار.
وفي أعالي منطقة وادي جر بمحافظة البليدة (120 كيلومتراً جنوبي العاصمة الجزائرية) عاد محمد لحول، وهو متقاعد من الجيش، إلى أرض أجداده التي كانت قد هجرتها العائلة بسبب الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر.
ويقول لـ "العربي الجديد": "أعمل على استصلاح الأرض وزراعتها لتصبح منتجة. طلبت من مديرية الغابات السماح لي بقطع الأشجار واستصلاح الأرض من الأحراش، غير أن طلبي قوبل بالرفض، وهو ما ينسحب على جيراني السابقين من أصحاب الأراضي الغابية في المنطقة. ثم جاء القرار الأخير لمجلس الوزراء الذي أعاد أملنا في الحصول على تسهيلات خاصة لإعادة إحياء المنطقة من جديد والمساهمة في الإنتاج وتحسين اقتصاد الأسرة".
وعلى عكس لحول، كان الشاب قاسي مبروك قد استفاد من برنامج سابق أطلق خلال عهد بوتفليقة، وتمكن من زراعة مساحة كانت مهملة بمنطقة الشعيبة بمحافظة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية. ويقول لـ "العربي الجديد": "كانت أرضاً مهملة مليئة بالأحراش والأتربة والنفايات. عمدت إلى استصلاحها بشكل تدريجي وتهيئتها إلى أن أصبحت جاهزة للزراعة. تمكنت خلال العام الأول من غرس 200 شجرة خوخ وتين وبرتقال. بداية، كنت أعاني نقصاً كبيراً في المياه لكنني تمكنت أخيراً من إيجاد حل للمشكلة في ظل دعم مصالح محافظة الغابات. وفي الوقت الحالي، باتت أرضي منتجة وتدعم السوق المحلي بأنواع عدة من الفاكهة والخضار".
ويشجع خبراء العائلات على العودة إلى الإنتاج الذاتي، وخصوصاً تلك التي تقيم في الأرياف على مقربة من الغابات، أو لديها أملاك مهملة، والتوجه نحو تدريب الأسر والشباب لاستغلال الثروات الغابية وصناعة الزيوت الأساسية وتربية النحل والطب الطبيعي وتقنيات تربية الماعز والمواشي.
ويقول الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، لـ "العربي الجديد" إن "الجزائر تمتلك مساحات غابية جيدة، وكان يفترض أن تستغل منذ زمن في توفير بعض المنتجات التي أصبحت مطلوبة بكثرة في السوق المحلي والدولي"، لافتاً إلى أن الأجانب يعرفون قيمة المنتجات الطبيعية وتركيبتها الغنية بالفيتامينات، على غرار إنتاج العسل الذي يعرف بقيمته الغذائية بالإضافة إلى إنتاج اللوز والخروب الذي سيحل محل الكاكاو، علماً أن الأخير يستورد بملايين الدولارات، فضلاً عن تربية المواشي في الوسط الغابي، لما لهذه المناطق من خصوصية في الرعي نظراً للتنوع النباتي.
وكانت قد كثرت المشكلات الصحية نظراً للاستعمال المفرط للإضافات الكيميائية في الأعلاف وغذاء المواشي. يضيف مسدور أن "تقديم التسهيلات الخاصة باستغلال الأراضي الغابية في النشاط الزراعي الأسري سيسد ثغرة مهمة في الاقتصاد الوطني في الأرياف من خلال المساهمة في توفير الأمن الغذائي المحلي وتوفير مناصب شغل وتأمين الغابات من الحرائق وتوفير مداخيل جديدة للعائلات والحد من النزوح الريفي".