أقرّ برلمان الجزائر مقترح قانون تقدّمت به الحكومة، أخيراً، من أجل تشديد العقوبة على المتورّطين في تزوير وثائق ومحررات وأختام واستخدامها للحصول على مساعدات من الدولة وإعانات وإعفاءات ومزايا مالية وغير ذلك.
وكانت الحكومة قد عمدت إلى ذلك للحدّ من تزايد التزوير في الجزائر واستخدام وثائق مزوّرة ومعطيات غير صحيحة، علماً أنّ القانون المقرّ يتضمّن تدابير احترازية عدّة يجب على السلطات الإدارية والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة تفعيلها للحؤول دون وقوع جرائم تزوير واستخدام مزوّر. ومن تلك التدابير وجوب تأمين الوثائق والمحررات عبر استخدام مواصفات تقنية تصعّب عملية تزويرها أو تقليدها، وفرض ضوابط للولوج إلى قواعد البيانات وحماية المعطيات الحساسة، وتفعيل آليات رقابة صحة الوثائق المودعة في أيّ ملف مقدّم إلى الإدارات العامة، وكذلك التعاون ما بين مصالح الدولة المكلّفة الرقابة وتبادل المعلومات بين مختلف الجهات.
وقال وزير العدل في الجزائر، رشيد طبي، في جلسة البرلمان التي عُقدت مساء أمس الأربعاء، للتصديق على مقترح القانون، إنّه يشمل تغليظ العقوبات على كلّ من يدلي بشهادة زور أو يؤدّي يميناً كاذبة. ويقترح القانون عقوبات مشدّدة قد تصل إلى 10 أعوام بالنسبة إلى تزوير المحررات الإدارية من شهادات ورخص وغيرها، وتُرفع إلى 30 عاماً في حال ارتكاب الجريمة من قبل قاضٍ أو موثّق أو قائم بوظيفة عمومية أو في حال تواطؤ هؤلاء، وإلى السجن المؤبد إذا تعلّق الأمر بتزوير المال.
وبحسب نواب في البرلمان، من شأن هذا القانون أن يعزّز الحماية القانونية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية، ويكرّس القيم الأخلاقية، ويدعم التشريعات في مجال مكافحة جريمة التزوير واستخدام المزوّر. ومن أجل التصدّي بحزم لهذه الجريمة الخطرة بمختلف أشكالها، والقضاء على كلّ مظاهر الاحتيال الهادف إلى الحصول على الخدمات والمزايا مهما كان نوعها، لا بدّ من ضمان وصول مساعدات الدولة إلى مستحقّيها الشرعيين.
التزوير حالة متفاقمة في الجزائر
في الإطار نفسه، قالت الخبيرة القانونية خديجة كباش لـ"العربي الجديد" إنّه "كان من الضروري اتّخاذ هذه الخطوة التشريعية والقانونية للحدّ من ظاهرة التزوير التي فاقت كلّ الحدود في المرحلة السابقة، خصوصاً أنّها تمثّل على مستويات عدّة مساساً بالحقوق تخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص. فثمّة من يقدّم ملفاً يتضمّن وثائق مزوّرة للحصول على سكن أو مساعدة أو المشاركة في مسابقة، وقد يحصل بفعل ذلك على امتيازات ليست من حقه في الواقع، لذا نرى أنّ القانون الجديد مهمّ، ويجب أن يغطّي كلّ عملية تلاعب أو تزوير".
وفي شهر يونيو/ حزيران الماضي، كان رئيس الجزائر عبد المجيد تبون قد عبّر صراحة عن استيائه من تزايد التزوير، وكلّف الحكومة صياغة قانون لمكافحة تزوير الوثائق والمعطيات في كلّ المجالات، السياسية والإدارية والاقتصادية، وتطهير الإدارات من كلّ السلوكيات غير القانونية في المعاملات الإدارية والاقتصادية، ووصفها بأنّها "ظاهرة مشينة تشكّل تهديداً لأمن الدولة"، وكذلك لمكافحة كلّ السلوكيات التي كلّفت الخزينة العامة أموالاً طائلة في أعوام سابقة.
وتواجه الجزائر حالة متفاقمة في ما يتعلق بتزوير الوثائق، خصوصاً تلك التي تسمح بالحصول على الإعانات المالية والمساعدات والامتيازات من الدولة، من قبيل شهادات البطالة والإقامة والضريبة وغيرها، سواء عبر تزويرها أو بتواطؤ من قبل أعوان الإدارات الحكومية وموظفيها. ويشمل ذلك حصول مستوردين ورجال أعمال على وثائق تحمل معطيات غير دقيقة عن المسار الجبائي، الأمر الذي سمح لبعض منهم الاستفادة من امتيازات مادية وتسهيلات جبائية ليست من حقهم قانوناً.
وبصورة دائمة، تكشف مصالح الشرطة في الجزائر عن شبكات لتزوير الوثائق وتقليد الأختام الرسمية تعمد إلى إصدار كلّ أنواع الوثائق الرسمية، وهذا ما دفع الحكومة إلى وضع حزمة تدابير جديدة في مقترح قانونها الأخير.
ويسمح القانون المقرّ للمؤسسة العدلية وأجهزة التحقيق باللجوء إلى التفتيش الإلكتروني وأساليب التحري الخاصة من أجل جمع الأدلة، ويقترح وضع قاعدة معطيات وطنية عن أساليب استخدام المزوّر والطرق والتقنيات المستخدمة في ارتكاب ذلك، من أجل السماح بتجنّبها مستقبلاً، علماً أنّ شبكات التزوير واستخدام الوثائق المزوّرة تلجأ إلى أساليب حديثة من خلال وسائط التكنولوجيا الحديثة بطرق يصعب كشفها.