البدو الرحل... موسم هجرة "الكسابة" إلى شمال الجزائر

06 سبتمبر 2022
خيام بدو رحّل في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال فصل الصيف، تعرف مناطق شمالي الجزائر توافداً ملحوظاً لمربي الأغنام والماشية الرحالة القادمين من مناطق وسط البلاد، والذين يطلق عليهم بين السكان المحليين لقب "الكسابة"، بحثاً عن الكلأ والماء لقطعانهم، إذ لا يعرف هؤلاء الحدود الإدارية بين الولايات خلال تنقلاتهم المستمرة.
ورغم الظروف القاسية التي دفعت بهم إلى التخلي عن الاستقرار الاجتماعي، والذي لا يتيح الكثير من الفرص لمستقبل عائلاتهم، إلا أن كثيرا من هؤلاء "الكسابة" يبدون تمسكاً كبيراً بحياة الترحال، ويفضلونها على حياة المدينة أو العيش في الضواحي.
في الجلفة (وسط) التي تبعد عن العاصمة الجزائرية نحو 200 كيلومتر، تنتشر مهنة "الكسابة" التي فضل أصحابها النأي بأنفسهم عن الاستقرار، وممارسة الترحال عبر أنحاء البلاد بحثاً عن مصادر الكلأ.
في منطقة قريبة من بلدة سيدي راشد بمحافظة تيبازة، نصب الجزائري حمدي مصطفى بعض الخيام بمساعدة عائلته. غالبية تلك الخيام البسيطة مصنوعة من وبر الأغنام، وبعضها مصنوع من البلاستيك المقوى، وتستند كل تلك الملاجئ المتنقلة على بعض الأعمدة الخشبية التي يتم غرسها في الأرض لتثبيت الخيمة.
يتقاسم العم مصطفى وعائلته المكان الذي اختاره مع قطعان الماشية، والتي أحاطها بسياج حديدي لحمايتها من الحيوانات المفترسة، وكذا منعها من الهرب.
يقول الرجل الستيني لـ"العربي الجديد"، وقد بدا منهكاً من طول الرحلة: "ظروفنا تكون صعبة في غياب الماء وشح الكلأ، وفي فصل الصيف لا نجد في منطقتنا الجلفة، ما نسد به رمق رؤوس الماشية، وبالتالي تسوء أحوالنا المعيشية، وهذا يفرض علينا التنقل من التل إلى مناطق السهول حيث المراعي، وعلى الرغم من المعاناة اليومية لحياة البدو الرحل التي لا تضاهيها معاناة أخرى، فالواقع أنّ عائلتي لا تمتلك منزلاً لتستقر فيه، وبالتالي يصعب إلحاق الأبناء بالمدارس، وهكذا، فلا مستقبل واضحاً لهم في ظل التحديات الاجتماعية القائمة".
لا تقتصر متاعب البدو الرحل على التنقل طلباً للماء والكلأ، بل تتعداها لترتبط بمصاعب كثيرة أخرى، فكل التضحيات التي يقدمها هؤلاء بالنسبة لكثيرين لا تتجاوز الرغبة في الحصول على رغيف خبز، على اعتبار أنهم ليسوا ملاكاً لتلك الأغنام والماعز، بل هم مجرد رعاة يعملون لدى أناس آخرين غير معروفين، وبعضهم يرفض ترك هذه المهنة الشاقة، ربما لأنه يصعب الحصول على عمل، أو إيجاد مهنة أخرى قادرة على إعالة أفراد العائلة.

خيام البدو الرحل في الجزائر (العربي الجديد)
اعتاد "الكسابة" على حياة الخيام (العربي الجديد)

ويرى البعض أنّ اعتياد حياة البداوة جعلتهم لا يفكرون في تغيير بيئتهم، أو البحث عن مصدر رزق آخر، على غرار الشقيقين مصطفى وعمر، وهما في العقد الرابع من العمر، ويواصلان الترحال بقطعان الأغنام والماعز والماشية من منطقة إلى أخرى، وهما يقومان بالرعي لصالح ملاك الأغنام بمقابل مادي، إضافة إلى نصيب من تلك الأغنام.
يقول الشقيق الأكبر عمر لـ"العربي الجديد"، إنه ورث مهنة الكسابة أباً عن جد، وإنه لم يكد يبلغ سن الدراسة في صغره حتى فرّغه والده لرعي الأغنام لكسب قوت العائلة، وذلك بعد أن علمه كافة تفاصيل هذه المهنة الشاقة، ليواصل ممارستها لاحقاً.
ويضيف: "دأبت رفقة شقيقي على رعي الغنم، لا يملك أي منا رأساً من هذه القطعان، بل هي مملوكة لصاحبها الذي نتفق معه على أجرة الرعي والتكفل بقطعان الماشية، ويختلف الأجر دائماً حسب  الخدمات". 
يطوف البدو الرحل أطراف المحافظات الجزائرية، فمهنة الكسابة لا تعترف بالحدود، وهم يعيشون في خيام بسيطة تضم في داخلها متطلبات النوم، والطهي، ومستلزمات الأكل والشراب، وفي الغالب ترافقهم شاحنة أو أكثر لنقل الأغنام، كما تستخدم في جلب المياه والحاجيات المعيشية.
ويفضل الرحل استخدام الحطب في الطهي على أسطوانات الغاز، وفي الفترة الأخيرة، صار بعض البدو الرحل يتكيفون مع التطورات، فبات بعضهم يملك أجهزة تلفاز، ويقبلون على مشاهدة البرامج والأفلام.

في منطقة سيدي راشد، نصب العم رحمون مدني، والذي ينحدر من ولاية المسيلة (وسط)، خيمته. على مقربة من الخيمة يظهر صهريج الماء، وبضعة أكياس من العلف، فيما كان أبناؤه من الجنسين يراقبون رؤوس الماشية بينما يمارسون ألعاباً تقليدية.
ورغم درجات الحرارة الحارقة التي تتميز بها المنطقة، والتي تظهر بوضوح مدى تحملهم قسوة الظروف الطبيعية والمناخية، يقول مدني لـ"العربي الجديد": "هذه طبيعة حياتنا، ولا نعرف حياة غيرها، وحياة المدينة لا تناسبنا، ولا نطيقها، فقد اعتدنا على البساطة والهدوء رغم ما عليه الأمر من مصاعب".
ويواجه البدو الرحل متاعب عديدة أخرى إضافة إلى قسوة الطقس والظروف المناخية المتقلبة، من بينها خطر الحيوانات المفترسة التي تتربص دوماً برؤوس الماشية، كما باتت عصابات سرقة المواشي خطراً قائماً يقلق الكسابة، ويفرض عليهم التناوب على حراسة القطعان ليلاً، إضافة إلى المعاناة من غلاء الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية وسيارت النقل.

خيام البدو الرحل في الجزائر (العربي الجديد)
يشارك جميع أفراد الأسرة في رعاية الأغنام (العربي الجديد)

غالباً ما يرتبط الحديث عن البدو الرحل بالحديث عن تعليم أبنائهم، وباتت بعض عائلات الكسابة تحرص على تعليم أبنائها، وللتغلب على مشكلة التنقل المتواصل، تقوم بتركهم عند الأقارب المقيمين في المدن والقرى بعد دفع أقساط الدراسة السنوية، على أن يلتحق الأطفال بعائلاتهم بعد انتهاء فترة الدراسة، حتى أن بعضهم بات يرتب تنقلاته للرعي على ضوء مواعيد العطلة المدرسية.
ربما تكون التطورات المجتمعية، وبعض المشكلات القائمة سببا في التناقص الملحوظ لأعداد البدو الرحل، والذين قرر عدد منهم الاستقرار، وتغيير نمط حياتهم بهدف ضمان مستقبل أبنائهم وعائلاتهم، ومحاولة عيش حياة مستقرة داخل المناطق الحضرية، ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل التكاليف الكبيرة التي أصبح يتكبدها الرعاة أثناء نقل قطعانهم من ولاية إلى أخرى.

المساهمون