الاستقبال الأوروبي... وجه آخر مع اللاجئين الأوكرانيين

28 فبراير 2022
شعار واحد للأوروبيين "كلنا أوكرانيون اليوم" (سنغ شو يي/ Getty)
+ الخط -

يتمثل الوجه الآخر للحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ الخميس الماضي، في أنها أكثر قرباً للمجتمعات الأوروبية من تلك التي تشهدها عادة دول خارج القارة. ورغم أن تطور تقنيات الانتقال السريع للأخبار، وانخراط وسائل التواصل الاجتماعي في مناقشة الحروب والمآسي التي ترافقها، ويدفع المدنيون ثمناً باهظاً لها عبر التهجير واللجوء، ظهر نوع آخر من "الكرم الأوروبي" في موضوع اللاجئين المحتملين من أوكرانيا. 
وفيما تتناول نقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية في أوروبا، ما يجب فعله إذا تدفق اللاجئون من أوكرانيا، بالتزامن مع ترجيح تقارير أن يناهز عددهم 5 ملايين، مع اكتمال الاجتياح الروسي للبلاد، تجمع كلها على "ضرورة استقبالهم". 
والحقيقة أن أوروبا فعلت ذلك سابقاً خلال الحرب البوسنية في مطلع تسعينيات القرن العشرين، حين استضافت مئات آلاف البوسنيين، لكن السنوات التي تلت أزمة "اللجوء الكبير" عام 2015، شهدت تشدد أوروبا في فتح أبوابها عبر تطبيق سلسلة قوانين صارمة. 

ترحيب كامل
حالياً، تطغى روح التضامن الشعبي مع الأوكرانيين على غالبية المجتمعات الأوروبية، وتصريحات سياسييها ومسؤوليها المعنيين بشؤون الهجرة واللجوء والقرارات التي يتخذونها. ومنذ بدء الغزو الروسي صباح الخميس الماضي، والذي دفع عشرات الآلاف إلى مغادرة أوكرانيا، ارتفعت الأصوات في أوروبا للمطالبة بـ"فتح الذراعين" لاستقبال اللاجئين. 
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين صرحت أن الاتحاد الأوروبي يأمل في تدفق عدد قليل من اللاجئين من أوكرانيا، لكنه مستعد بالكامل أيضاً لاستقبالهم والترحيب بهم، علماً أن دولاً مجاورة لأوكرانيا، مثل بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا، تتحضر منذ أسابيع لاستقبال مئات الآلاف من الأوكرانيين الهاربين. 
وفور الغزو الروسي الخميس الماضي، أكد وزير الداخلية البولندي ماريوس كامينسكي استعداد بلاده الكامل منذ أسابيع لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين. وقال: "سنفعل كل ما في وسعنا لتوفير ملاذ آمن لكل أوكراني يحتاج إلى مساعدة"، علماً أن هذا الموقف المرحب يتناقض مع مشاهد الصدامات مع لاجئين بعضهم من العراق وسورية وأفغانستان، شهدتها غابات على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا نهاية العام الماضي، حين اتهمت وارسو والاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بتعمد تنظيم رحلات جوية لجلب أشخاص قادمين من الشرق الأوسط من أجل محاولة زعزعة استقرار الاتحاد. وطاولت الاتهامات الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ما جعل أوروبا تتشدد وترفض استقبال هؤلاء اللاجئين. 

عبروا إلى المجر (يانوس كومر/ Getty)
عبروا إلى المجر (يانوس كومر/ Getty)

وحتى الجنود الأميركيون المنتشرون في بولندا انخرطوا في شكل كبيرة في استقبال اللاجئين الأوكرانيين. وأقام مئات من 5500 منهم كانوا وصلوا إلى بولندا في الأسابيع الأخيرة، 8 نقاط عبور ومراكز استقبال قدمت الطعام والرعاية الطبية لأسر أوكرانية هاربة. 
ولم تنحصر استعدادات استقبال الأوكرانيين في بولندا وسلوفاكيا والمجر، بل شملت أيضاً بلغاريا التي أعلن رئيسها رومين راديف ترحيبه بإجلاء أوكرانيين، وبينهم حوالى 4 آلاف من أصول بلغارية.

دنمارك أخرى
ووصل "الكرم الأوروبي" إلى الدول الإسكندنافية التي كانت شددت قوانينها بهدف جعل الوصول إليها من أجل طلب اللجوء أمراً شبه مستحيل، وذلك عبر مجموعة تعديلات اعتمدتها خلال السنوات الأربع الأخيرة. وأقامت بعضها مراكز لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين. ففي الدنمارك أعلن وزير الهجرة ماتياس تيسفاي استعداد بلاده لاستقبال هؤلاء اللاجئين الذين "لا يجب بأي حال من الأحوال أن يرسلوا إلى مراكز استقبال في دول ثالثة"، علماً أن بلاده كانت تخطط لتدشين معسكرات لاستقبال لاجئين تابعة لها في رواندا، حتى حسم طلباتهم. 

يتظاهرون في الدنمارك للمطالبة بوقف الحرب (ليسيلوت سابرو/ فرانس برس)
يتظاهرون في الدنمارك للمطالبة بوقف الحرب (ليسيلوت سابرو/ فرانس برس)

ونهاية العام الماضي، قطعت كوبنهاغن شوطاً كبيراً في مفاوضاتها مع رواندا لإقامة هذه المعسكرات، وكان كل ما تبقى "زيارة وفد رسمي من رواندا لبدء التنفيذ"، بحسب تصريحات أدلى بها تيسفاي نفسه.
وفي تصريحاته الأخيرة، شدد تيسفاي على تمسك بلاده بموقفها العام الذي يدعو إلى مساعدة اللاجئين في مناطق الصراعات ودول الجوار، لكنه استدرك بأن "ذلك لا ينطبق على الأوكرانيين"، علماً أن الانتقال من أوكرانيا إلى دول اسكندنافية بينها الدنمارك والسويد يتطلب المرور ببولندا، والإبحار منها في عبارات. 

وفي محاولتها تفادي الحرج من اتهامها بالتمييز بين اللاجئين من خارج أوروبا وأولئك الأوكرانيين، تزعم كوبنهاغن أنه "لا يمكن تطبيق سياسة إرسال لاجئين قادمين من دول الجوار الأوروبي إلى خارج القارة أثناء درس طلبات لجوئهم"، علماً أن غالبية الأحزاب تؤيد استقبال القادمين المحتملين من أوكرانيا. وأبدى متحدثون باسم لجان الهجرة في الدنمارك تعاطفهم الكبير مع الأوكرانيين المضطرين إلى ترك بلدهم بسبب الغزو الروسي. وشدد وزير خارجيتها السابق مارتن ليدغورد على أن "إرسال لاجئين أوكرانيين إلى مراكز استقبال خارج أوروبا، أمر محرج للغاية". 
وأكد مقرر شؤون الهجرة في حزب المحافظين ماركوس كنوث ضرورة "تفهم الفرق بين اللاجئين من أوكرانيا وأفريقيا أو الشرق الأوسط. فمن المنطقي النظر إلى الأوكرانيين باعتبارهم ينتمون إلى الديمقراطية الأوروبية، وتعرضوا لطرد من الروس". وجاء ذلك رداً على انتقادات وجهها اليسار في الدنمارك للتمييز بين اللاجئين من داخل أوروبا وخارجها، كما أعلنت مقررة شؤون الهجرة في اللائحة الموحدة لليسار روزا لوند. 

الإيطاليون نددوا بالغزو الروسي لأوكرانيا (ستيفانو غيدي/ Getty)
الإيطاليون نددوا بالغزو الروسي لأوكرانيا (ستيفانو غيدي/ Getty)

وفي كل الأحوال، ليس الموقف الدنماركي الرسمي المعلن من معاملة الأوكرانيين في معزل عن التضامن الشعبي معهم. ويقول أحد المعلقين على الأحداث بين كثر انخرطوا في مناقشة سياسة "الذراعين المفتوحتين" الدنماركية لاستقبال الأوكرانيين: "حتى إذا ذهب بعضهم إلى محاولة بث مواقف كراهية من تصرفاتنا ضد القادمين من الشرق الأوسط وسورية، يجب أن نستقبل الأوكرانيين ونعيد السوريين إلى بلدهم، كي يفسحوا في المجال لغيرهم للإفادة من اللجوء".

المساهمون