الازدحام المروري مصدر توتر وإرهاق نفسي للعراقيّين

08 ديسمبر 2024
ازدحام مروري في ساحة التحرير. بغداد 19 نوفمبر 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني سكان بغداد من ازدحام مروري شديد يصل إلى 200% في أوقات الذروة، مما يسبب ضغوطاً نفسية لـ60% من السكان وخسائر اقتصادية، ما دفع الحكومة لإطلاق مشاريع بنية تحتية.

- يواجه الموظفون تحديات يومية بسبب الازدحام، مما يؤثر على استقرارهم النفسي وإنتاجيتهم، ويضطر البعض للعمل في وظائف إضافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

- يتأثر سائقو الأجرة بشكل خاص، حيث يسبب الازدحام إجهاداً نفسياً وصحياً، مما يؤدي إلى مشاكل مثل القلق والاكتئاب، ويؤثر على الحياة الأسرية والاجتماعية.

يعاني العراقيون، يومياً، من جراء شدة الازدحام المروري الذي أصبح سمة بارزة في المدن الكبرى، لا سيما العاصمة بغداد، ما ينعكس سلباً على حياتهم اليومية والأسرية وأدائهم في العمل. ويقضي عدد كبير من المواطنين ساعات عدة على الطرقات المزدحمة، في ظل زيادة عدد السيارات بما يفوق قدرة المدن على الاستيعاب، ووجود مراكز العمل والمؤسسات الحكومية داخل المدينة.
ويفيد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، بأن بعض المدن العراقية تعاني من الازدحام المروري الذي يصل في أوقات الذروة إلى 200‌% بالمقارنة مع المؤشرات الطبيعية. ويشير إلى أن طرقات العاصمة بغداد تستوعب 300 ألف سيارة في وقت الذروة، في حين أن عدد السيارات فيها يصل إلى مليون سيارة. يضيف أن 60‌% من العراقيين يعانون من ضغوط نفسية بسبب الازدحام المروري، عدا عن الخسائر الاقتصادية التي يسببها هذا الازدحام. وتشهد العاصمة بغداد حملة واسعة لبناء جسور وأنفاق وتوسعة طرقات وإنشاء أخرى جديدة في إطار خطة الحكومة لمعالجة الأزمة.

ورغم ما تم إنجازه أخيراً، لا تزال أزمة الازدحام المروري تهيمن على بغداد. يقول سعد فواز إن المسافة بين منزله الكائن في أطراف بغداد الشمالية ومقر عمله وسط العاصمة تُقدّر بـ30 كيلومتراً، وهي مسافة تستغرق في الظروف الطبيعية نحو 40 دقيقة. لكن بسبب الازدحامات الشديدة، يضطر فواز إلى قضاء ساعتين على الأقل في الطريق، وأحياناً أكثر. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه يعود إلى المنزل منهكاً تماماً، ويشعر كأنه استنفد كل طاقته في الازدحام، مضيفاً: "حتى التواصل مع عائلتي أو قضاء وقت هادئ أصبح مستحيلاً بسبب المزاج السيئ الناتج عن الإرهاق".
بالنسبة لسعد وغيره من موظفي الدولة، أصبح الازدحام المروري عبئاً يومياً يهدد استقرارهم النفسي ويؤثر سلباً على إنتاجيتهم في العمل وحياتهم الأسرية، ما يجعل تحسين هذه المشكلة أولوية ملحّة. وهذا حال ماجد حسين، الموظف في وزارة الصحة، ويوضح لـ"العربي الجديد" أن المسافة بين مقر عمله ومنزله تتطلب نحو 20 دقيقة في الظروف الطبيعية، لكنه يقضي أكثر من ساعة في الطريق المزدحمة يومياً عند عودته إلى المنزل.

قساوة الحياة اليومية في بغداد، 19 مارس 2023 (كافيه كاظمي/Getty)
الزحام أزمة يومية في بغداد. 19 مارس 2023 (كافيه كاظمي/Getty)

يضيف: "الوقت الذي أقضيه في الازدحامات أصبح عبئاً كبيراً علي ويجعلني أعود إلى البيت منهكاً تماماً جسدياً ونفسياً". لكن معاناته لا تتوقف هنا؛ فالراتب الذي يتقاضاه من وظيفته لا يغطي احتياجات أسرته الأساسية، ما يضطره إلى الالتزام بعمل إضافي في محل لكيّ وغسل الملابس. هذا العمل الإضافي، إلى جانب التأثير النفسي والجسدي للازدحامات، يزيد من حجم الضغط الذي يتحمله عبد الحسين يومياً، بحسب قوله. يضيف: "الازدحامات تؤثر على صحتي بشكل مباشر. أشعر بإرهاق مستمر. أحتاج إلى وقت للراحة لكن ضغوط الحياة لا تسمح بذلك".
كما أن وجود مقر العمل في منطقة بعيدة عن السكن يعدّ معاناة كبيرة لكثيرين، لا سيما الذين ليس لديهم بديل آخر عن العمل، ولا إمكانية لهم لينقلوا سكنهم قرب موقع العمل، مثل قاسم التميمي، الذي يعمل في بيع المواد الاحتياطية للسيارات في سوق السنك وسط بغداد. يوضح لـ"العربي الجديد" أنه يسكن في منطقة تبعد نحو 50 كيلومتراً عن موقع عمله، ما يضطره للخروج من منزله في وقت مبكر جداً لتفادي الازدحام الصباحي. ورغم ذلك، فإن الوصول إلى سوق السنك غالباً ما يتطلب أكثر من ساعتين بسبب الازدحام المروري. يضيف: "أعود إلى منزلي عند الغروب متعباً تماماً بسبب ساعات العمل الطويلة والازدحام في الطريق. أشعر وكأن يومي يضيع في التنقل، ولا أستطيع قضاء وقت كافٍ مع عائلتي أو حتى الحصول على قسط من الراحة".
ومن بين أكثر المتأثرين من الازدحامات المرورية أولئك الذين يرتبط عملهم بقيادة السيارات، مثل سائقي سيارات الأجرة وسيارات النقل العام والخاص. ومن بين هؤلاء أكرم صبيح، الذي يعمل سائقاً لتوزيع منتجات غذائية. يقول لـ"العربي الجديد": "كل يوم هو صراع جديد على الطريق. أصوات الأبواق، الانتظار الطويل، والشجارات بين السائقين تجعلني أشعر بالإجهاد النفسي حتى قبل أن أنهي عملي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

يضيف: "أفقد كثيراً من قدرتي على التواصل مع الآخرين، حتى مع أسرتي. ظروفي المعيشية تضطرني للاستمرار في هذا العمل الذي تسبب لي بتداعيات صحية". يضيف: "أقود قرابة 12 ساعة يومياً أحياناً. يضطرني عملي إلى السير في المناطق المزدحمة لإيصال البضائع. وهذا يعني أنني أقضي أكثر من نصف وقت عملي في الازدحامات".
ويؤدي قضاء وقت طويل في الازدحامات يومياً، إلى زيادة مستويات التوتر والإجهاد لدى الأفراد، كما يقول الطبيب النفسي حسن الشمري لـ"العربي الجديد". ويوضح أن الازدحام ليس مجرد تأخير عن العمل أو المنزل، بل هو بيئة مليئة بالعوامل الضاغطة مثل الأصوات المرتفعة، والانتظار الطويل، والإحساس بالعجز عن التحكم في الموقف. يضيف: "كل هذا يخلق حالة من التوتر المزمن الذي يمكن أن يتطور إلى مشاكل نفسية مثل القلق أو حتى الاكتئاب".

ويؤكد أن "الازدحامات تؤثر في قدرة الأفراد على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، إذ يعود كثيرون إلى منازلهم مرهقين جسدياً ونفسياً، ما يؤثر على حياتهم الأسرية والاجتماعية". ويشير إلى أن الازدحامات المرورية كانت عاملاً رئيسياً في معاناة الكثير من المرضى من أعراض مثل العصبية الزائدة، ونوبات الغضب، أو اضطرابات النوم، بالإضافة إلى الأمراض العضوية.