لم يمضِ على تحرّر الطفل الفلسطيني رياض طلال العمور (17 عاماً)، من سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من شهر ونصف، لتُعيد قوات الاحتلال اعتقاله، الثلاثاء الماضي، خلال مداهمة كبيرة نفّذتها في مسقط رأسه وبلدته، تقوع، شرقي محافظة بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، بعدما زعمت قوات الاحتلال أنّه تسبّب بإصابة مستوطنة بجروح أثناء مرورها قرب البلدة، وهو ما ينفيه والد الطفل.
يقول الوالد طلال العمور، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ابني رياض كان موجوداً في المنزل عندما أُصيبت المستوطنة على خلفية ادّعاء رشقها بالحجارة، لكن الاحتلال أصرّ على أنّ من فعل ذلك هو رياض، لتقتحم قواته وآلياته البلدة عند الساعة الحادية عشرة صباحاً تقريباً، وتعتقل طفلي حافي القدمين".
رصدت عدسات الصحافيين مشهد اعتقال رياض حافي القدمين من منزله، وسوقه بحقد واضح من قِبل الجنود "الغاضبين" على أرضية الطرقات الإسفلتية، قبل وضعه في أحد الجيبات العسكرية. ولا يزال الطفل رياض العمور حافي القدمين منذ يوم اعتقاله حتى الآن، إذ يرفض الاحتلال إدخال أيّ حاجيات له عبر محاميه أو عائلته. ورغم التنكيل به أثناء الاعتقال، إلّا أنه أبدى عناداً وتحدياً واضحاً لأكثر من عشرة جنود حوله، وبينما أصرّ الجنود على إهانته واستفزازه، ظلّ يردّد: "ولا ع بالي (غير قلق لما تفعلونه)".
يظهر في فيديو الاعتقال جنديان وهما يمسكان رياض بقوة، أحدهما على ما يبدو يحمل سترته الشتوية، فيما انتشر آخرون حوله. وتظهر نساء حزينات على اعتقال الطفل في الخلفية، فيما يهم مُجندٌ ثالث بتناول سترة رياض الزرقاء من زميله. وبينما يستمرّ الجنود الحانقون على الفتى بإجباره على المشي حافياً، يمشي رياض وكأنه ينتعل حذائاً مُريحاً، ويُطمئن أهالي بلدته، كما خاطب أحد شبان قريته، متحدياً الجنود المدجّجين بالسلاح: "تقلقش.. تقلقش".
يستدير رياض إلى الكاميرا في مشهدٍ مثير، ليصنع علامة النصر بإصبعي طفلٍ وصفه والده بـ"النمرود"، أي العنيد والمتمرّد باللهجة الفلسطينية، قبل أن ينتبه الجنود لفعلته ويسارعون إلى حجبه عن الكاميرا وسحبه من جديد.
ويقول والده طلال: "حاولتُ الوصول إلى رياض، أو إرسال بعض المسلتزمات والحاجيات له، من بينها حذاء، لكن سلطات الاحتلال منعت ذلك، وعلمتُ أنها تحتجز طفلي في معتقل (عتصيون) - بين محافظتي الخليل وبيت لحم، جنوبي الضفة الغربية".
ولم يكتفِ جنود الاحتلال باقتحام بلدة تقوع بعدد كبير من المركبات العسكرية، وبقائهم في البلدة لقرابة ثماني ساعات، بل تناوبوا على ضرب رياض، الطفل المعتقل، في الجيبات العسكرية، وأكّد شهود عيان لوالده، أنّ الجنود كانوا يضربون ابنه كلّما رشقهم طفل من البلدة بحجر أثناء المواجهات.
لم يأبه الاحتلال لسنّ رياض الصغيرة، ولا لعدد مرات اعتقاله الثلاث، والتي يصل مجموع مُددها لقرابة العامين ونصف العام، آخرها بلغت ثمانية عشر شهراً، ولا حتى لاحتياجه لعمليتين إحداهما جراحية، لمعالجة مشاكل صحية تسبّب بها تعذيبه في السجن وضربه أثناء التحقيق، بحسب والد العمور.
ويقول طلال العمور: "من المقرر أن نُجري إحدى العمليتين لابني رياض، الأحد المقبل، وهي عملية (الدوالي) التي يشكو منها بسبب ما تعرّض له في السجن، كما أنه يعاني من قُرحة في المعدة، بسبب ضربه على بطنه، أثناء الاعتقال المتكرّر، بسبب الحُجج ذاتها، وهي إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على المستوطنين وجنود الاحتلال".
كما سبّب اعتقال الطفل العمور مشاكل صحية له، إضافة إلى حرمانه من الالتحاق بالمدرسة بشكلٍ مُنتظم. وهو كان، بحسب والده، من المفترض أن يتجاوز مرحلة الثانوية العامة بالكامل لولا اعتقاله.
يُذكر أنّ قوات الاحتلال اعتقلت، خلال الأسبوعين الماضيين، حوالي ثمانية أطفال من بلدة تقوع، التي تُعرف بأنها إحدى مناطق "الاحتكاك" الساخنة مع الاحتلال، منذ قرابة عشر سنوات، بحسب ما يؤكّده رئيس بلدية تقوع سالم أبو مفرح، لـ"العربي الجديد".
يقول أبو مفرح: "بإمكاننا القول إنّ الاحتلال اعتقل عشرات الأطفال خلال الخمس سنوات الأخيرة من البلدة، وكلّ ذلك على خلفية اتهامهم بإلقاء الحجارة على المستوطنين وجنود الاحتلال".
ويواجه سكّان بلدة تقوع تهديد ستّ مستوطنات مُحيطة بالبلدة، ومُقامة على أراضيها، وهي: تقواع "أ"، تقواع "ب"، تقواع "د"، وتقواع "هـ"، بالإضافة لمستوطنة "نكوديم"، و"معالي عاموس"، إذا ما تم غضّ النظر عن مقطع من شارع رقم (60)، الذي يمرّ بجانب البلدة ويسلكه المستوطنون عموماً للوصول إلى مدينة القدس المحتلة، وباقي مدن الداخل الفلسطيني المحتلّ عام 1948. علماً أنّ شارع (60) يبدأ من مدينة الناصرة، شمال فلسطين المحتلة، ويمتدّ حتى بئر السبع، في أقصى جنوب فلسطين.