الأوغوز... أقلية توركية في مولدافيا تميل إلى روسيا الأرثوذكسية

30 مايو 2022
هذا هو علم غاغاوزيا (أندريا كامبيانو/ Getty)
+ الخط -

 

يُعَدّ الأوغوز أو الغزّ من الشعوب التوركية، وهم من المسيحيين الأرثوذكس الذين عاشوا تاريخياً على أراضي مقاطعة بوجاك المقسمة أراضيها حالياً بين مولدافيا وأوكرانيا، ويقدّر عددهم بنحو ربع مليون نسمة يتركّز نحو 130 ألفاً منهم في غاغاوزيا، منطقة حكم ذاتي جنوبي مولدافيا وعاصمتها مدينة كومرات. أمّا الأوغوز الآخرون، فيتوزّعون ما بين روسيا وبلغاريا وتركيا وأوكرانيا وغيرها من الدول.

وتنتمي لغة الأوغوز إلى الفرع الجنوبي الغربي للغات التوركية، وهي بذلك قريبة من اللغة التركية واللهجة الجنوبية لتتار القرم. ومن اللافت أنّ لغة الأوغوز ظلّت حتى منتصف القرن العشرين منطوقة فقط من دون تدوين، إلى أن فرض مرسوم صادر عن رئاسة المجلس الأعلى لجمهورية مولدافيا الاشتراكية السوفييتية الكتابة بلغة الأوغوز على قاعدة الخط الروسي. أمّا اليوم فيعتمد الأوغوز الأحرف اللاتينية في الكتابة.

وبينما يغيب إجماع المؤرّخين على أصول المتحدّرين من قبائل الأوغوز، يميل كثيرون إلى روسيا الأرثوذكسية، وقد عدّوا أنفسهم "الشعب الأكثر سلافية بين كلّ الشعوب غير السلافية". وفي هذا الإطار، يشير رئيس تحرير موقع أفا الإخباري المولدافي، أندريه أندرييسفكي، إلى أنّ "الأوغوز هم الأقرب ثقافياً إلى الأتراك، لكنّهم يعيشون ضمن المجال الإعلامي الروسي ويدعمون أيديولوجياً العالم الروسي". ويقول أندرييفسكي لـ"العربي الجديد" من العاصمة المولدافية شيزيناو: "يشكّل الأوغوز إثنية منفصلة لا علاقة لها بالمولدافيين والسلافيين، وإنّما ينتمون إلى مجموعة الشعوب التوركية، وهم أقرب ثقافياً ولغوياً إلى الأتراك، كما أنّهم يعتمدون على اللغة الروسية كثيراً. ونتيجة اختلاف اللغة، يعيش الأوغوز خارج الفضاء الإعلامي المولدافي".

وعن تأثير ذلك على الهوية السياسية لغاغاوزيا، يشرح أندرييفسكي أنّه "نتيجة للدعاية الروسية المكثفة، صارت اللغة الروسية عندهم مهيمنة، على الرغم من أنّهم لا يعدّون أنفسهم روساً، بل يشدّدون على هويتهم الغاغاوزية والتوركية، لكنّهم يقعون ضمن المجال الإعلامي الروسي ولا يشاهدون سوى القنوات التلفزيونية الروسية، الأمر الذي يؤثّر عليهم تأثيراً كبيراً، فيتعاطفون مع كلّ مشاريع العالم الروسي وما يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أقنعتهم الدعاية بأن يكونوا ممتنّين للروس على إنقاذهم من الأتراك من أمر ما، فصاروا يرون من لا يحبّ روسيا وبوتين خائناً".

الصورة
أوغوز في غاغاوزيا - منطقة الحكم الذاتي في مولدافيا (أندريا كامبيانو/ Getty)
في غاغاوزيا.. منطقة الحكم الذاتي في مولدافيا (أندريا كامبيانو/ Getty)

وفي أحيان كثيرة، تعارض السلطات المحلية في غاغاوزيا مواقف السلطة المركزية في شيزيناو، إذ رفضت غاغاوزيا الحظر المولدافي على شريط خاص بالقديس غيورغي الذي يرمز إلى النصر السوفييتي على النازية، وسمحت الجهة التشريعية المحلية باستخدامه في أثناء الاحتفالات بذكرى النصر على ألمانيا النازية في التاسع من مايو/ أيار الجاري. 

ويعلّق أندرييفسكي على هذا الوضع قائلاً إنّ "شريط القديس غيورغي هو من شعارات الدعاية الروسية التي تعتمد عليها أيديولوجيا العالم الروسي، وصار كلّ شيء في غاغاوزيا يدور حولها. من النادر أن تجد في غاغاوزيا صحافياً يغرّد خارج السرب ويعارض الحرب في أوكرانيا، ويُصار إلى تخوين مثل هؤلاء فوراً".

كذلك قد تنحاز غاغاوزيا كثيراً إلى القيم الأرثوذكسية المحافظة، إذ حظر برلمانها هذا الأسبوع الترويج للمثلية الجنسية، بعدما مُنع نوابه من تنظيم مهرجان مجموعة "مولدافيا برايد" للمثليين، الذين كان من المقرّر أنّ يقام في منتصف يونيو/حزيران المقبل.

الصورة
كنيسة أرثوذكسية في غاغاوزيا - منطقة الحكم الذاتي في مولدافيا (أندريا كامبيانو/ Getty)
الأوغوز هم من المسيحيين الأرثوذكس (أندريا كامبيانو/ Getty)

في نهاية الحقبة السوفييتية، أعلن المؤتمر الطارئ لشعب الأوغوز، في نهاية عام 1989، عن تأسيس جمهورية غاغاوزيا كمنطقة حكم ذاتي من ضمن جمهورية مولدافيا السوفييتية آنذاك، لكنّ شيزيناو عدّت هذه الخطوة غير دستورية. وفي نهاية المطاف، تمكّنت شيزيناو من التوصل إلى اتفاق مع قادة غاغاوزيا لدمج الإقليم بمولدافيا ما بعد السوفييتية كمنطقة ذاتية الحكم. 

وفي عام 2014، أكد الأوغوز، في استفتاء، ميلهم الروحي إلى موسكو بعد أن صوّت 96 في المائة من المشاركين فيه لمصلحة الحقّ في "تقرير المصير الخارجي" والانضمام إلى الاتحاد الجمركي بزعامة روسيا، لكنّ السلطات المولدافية عدّت الاستفتاء غير مشروع.

وفي فترات تولي رؤساء يساريين موالين لروسيا، مثل الرئيس السابق إيغور دودون، زمام السلطة في مولدافيا، كانت حدّة قضية غاغاوزيا تتراجع، لكّن الانقسام عاد من جديد عند انتخاب الرئيسة الحالية الموالية للغرب مايا ساندو في نهاية عام 2020.

ولا تسعى السلطات في شيزيناو إلى التصعيد في العلاقات مع غاغاوزيا، وفي أغلب الأحيان، لا تحتجّ على قرارات البرلمان المحلي حتى ولو كانت تتعارض مع الدستور المولدافي، خصوصاً أنّ 400 كيلومتر فقط تفصل الإقليم عن مقاطعة خيرسون الأوكرانية، التي سيطرت عليها القوات الروسية في بدايات العملية العسكرية على أوكرانيا التي انطلقت في فبراير/ شباط الماضي، وسط مخاوف من انتقال شرارة النزاع إلى مولدافيا المجاورة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الشعوب التوركية هي شعوب أوراسية توطّنت في شمال أوراسيا ووسطها وغربها، وتشترك بنسب متفاوتة في خلفيات تاريخية وثقافية. وهذه الشعوب تعيش في كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وأذربيجان وتركمنستان وتركيا.

المساهمون