الأنشطة البشرية تسبب تجاوز "عتبات بيئية" عدة.. ما الذي يعنيه ذلك؟

14 سبتمبر 2023
إزالة الغابات من بين الحدود البيئية التي جرى تجاوزها بصورة كبيرة (ميكايل دانتاس/فرانس برس)
+ الخط -

ما زال التلوّث واستغلال الموارد الطبيعية من البشر يدفعان الأرض إلى ما هو أبعد من قدرتها على الصمود، إذ جرى حتى الآن تجاوز ستّ عتبات بيئية، وثمّة عتبتان أخريان على وشك التجاوز، بحسب تحذيرات وردت في تحديث جديد للدراسة المرجعية حول مفهوم "الحدود الكوكبية" التسعة.

وأشارت الدراسة، التي أعدّها فريق دولي من 29 عالماً، إلى أنّ الحدود الستة التي جرى تجاوزها بصورة كبيرة هي تغيّر المناخ، وإزالة الغابات، وخسارة التنوّع الحيوي، وكمية المواد الكيميائية الصناعية (من بينها المواد البلاستيكية)، وندرة المياه العذبة، وتوازن دورة النيتروجين.

وثمّة عاملان آخران، هما زيادة حموضة المحيطات وكثافة الجزيئات الدقيقة الملوّثة في الغلاف الجوي، قريبان من عتبات الإنذار. أمّا حالة طبقة الأوزون، فتبقى وحدها تحت العتبة، مع هوامش جيدة.

وفي عام 2009، حدّد مركز استوكهولم للمرونة هذه "الحدود الكوكبية" التي تتمثّل بعتبات لا ينبغي تجاوزها في تسعة مجالات، كي تستطيع النظم البيئية أن تتطوّر في "منطقة أداء آمنة"، من شأنها ضمان قابلية الأرض للسكن.

وتدريجياً، بات مفهوم "الحدود الكوكبية" الذي كان موضع نقاش منذ وضعه، مرجعاً في علم نظام الأرض، ويَرِدُ ذكره في تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ، فيما صار تأثيره يمتدّ إلى المجالين السياسي والاقتصادي.

وفي عام 2019، كانت كلّ من ظاهرة الاحترار المناخي ومعدّل انقراض أنواع معيّنة ودورة النيتروجين، المجالات التي سُجّل فيها تجاوز للعتبات.

وقالت الأستاذة في معهد "غلوب" التابع لجامعة "كوبنهاغن" والمعدّة الرئيسية للدراسة، كاثرين ريتشاردسن، إنّ "مع الحدود الكوكبية، نحدّد العمليات المهمّة التي تحافظ على الأرض في ظروف معيشية سادت في الأعوام العشرة آلاف الماضية، التي تطوّرت في خلالها البشرية والحضارة".

والدراسة التي نُشرت نتائجها، أمس الأربعاء، هي التحديث الرئيسي الثاني بعد تلك الصادرة في عام 2015.

وفي هذا الإطار، قال مدير معهد "بوتسدام" للأبحاث المرتبطة بتأثيرات المناخ، يوهان روكستروم: "ما زلنا نتحرّك في اتّجاه سيئ (...) ولا شيء يشير إلى أنّ أيّاً من هذه العتبات، باستثناء تلك الخاصة بطبقة الأوزون التي تتعافى ببطء منذ حظر مركّبات الكربون الكلورية فلورية، تبدأ في التحرّك بالاتجاه الجيّد".

وأضاف الباحث المشارك في إعداد الدراسة أنّ "هذا يعني أنّنا نعرّض استقرار نظام الأرض للخطر".

بالنسبة إلى التنوّع الحيوي، يتمثّل الحدّ المقبول في معدّل انقراض أنواع أعلى بعشر مرّات من المعدّل المتوسط الذي سُجّل في الأعوام العشرة ملايين الماضية. لكنّ انقراض الأنواع يُسجّل في عصرنا أسرع بمئة مرّة على أقلّ تقدير، أي أكثر بعشر مرّات من العتبة الموصى بها.

أمّا في ما يخصّ تغيّر المناخ، فإنّ الحدّ المعتمد مرتبط بكميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وقد بقيت هذه الكميات قريبة جداً من 280 جزيئاً في المليون لعشرة آلاف عام على أقلّ تقدير، قبل الثورة الصناعية. لكنّ هذا المعدّل وصل، في عام 2022، إلى 417 جزيئاً في المليون، وهو رقم أعلى بكثير من الحدّ الآمن الذي حدّدته الدراسة، والمتمثّل بـ350 جزيئاً في المليون.

وأوضح روكستروم: "نتّجه نحو احترار بـ2.5 أو 2.6 أو 2.7 درجة مئوية، وهي أرقام لم نشهدها منذ أربعة ملايين عام".

وحُدّدت للمرّة الأولى كميات آلاف من المركّبات الكيميائية الصناعية والمواد البلاستيكية الدقيقة والمبيدات الحشرية والنفايات النووية والأدوية الملوّثة للبيئة. وفي هذا المجال كذلك، سُجّل تجاوز كبير للعتبات.

ومن بين أهم استنتاجاتها، أشارت الدراسة إلى أنّ تجاوز العتبات في مختلف المجالات يتأثّر بعضه ببعض، مع صلة رئيسية بين الكميات المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون والضرر اللاحق بالغلاف الجوي.

وقال المسؤول عن تحليل نظام الأرض في معهد بوتسدام للأبحاث المرتبطة بتأثيرات المناخ فولفغانغ لوشت إنّ "بعد تغيّر المناخ، تمثّل سلامة الغلاف الجوي الركيزة الثانية لكوكبنا"، مضيفاً: "نزعزع استقرار الأرض حالياً من خلال استخراج كثير من الكتل الحيوية وتدمير موائل كثيرة والإفراط في إزالة الغابات".

لكنّ الدراسة لفتت إلى أنّ المعدّلات الخاصة بالمجالات التسعة يمكن أن تعود إلى مستويات طبيعية دون العتبات الموصى بها.

وأشار ريتشاردسن إلى أنّ "الحل يتمثّل بوضع حدود لكميات النفايات الملقاة في البيئة وكميات المواد الخام الحيّة أو غير الحيّة التي نستخرجها من الأرض".

(فرانس برس)

المساهمون