أغرقت الأمطار التي يشهدها لبنان والتي اشتدت أول من أمس (السبت)، العديد من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، لا سيما تلك الواقعة في المناطق المنخفضة.
وتسببت غزارة الأمطار التي تساقطت لفترة طويلة في سيول جارفة حوّلت أغلب المخيمات إلى مستنقعات وبحيرات موحلة، وشردت مئات العائلات التي لجأت إلى الأقارب والأصدقاء هرباً من البرد والصقيع، وحتى الآن اقتصرت الأضرار على الماديات من دون تسجيل خسائر في الأرواح.
وكان روّاد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا صوراً ومقاطع فيديو تظهر حجم السيول والفيضانات والدمار اللاحق بالمخيمات، حيث غرّد بعضهم مناشداً التدخل العاجل لإنقاذ اللاجئين السوريين من مأساة إنسانية جديدة، فرضتها الأحوال الجوية القاسية وهشاشة البنى التحتية والمخيمات بحد ذاتها.
شهدت مدينة #عكار اللبنانية هطول #أمطار غزيرة تسببت بفيضانات عارمة أغرقت مخيما لـ #النازحين_السوريين. ولم ترد أنباء عن حدوث خسائر في الأرواح#فانوس #لبنان #آحوال_الطقس #الأمطار #الفيضانات pic.twitter.com/19OLQ2ULM8
— فانوس (@fanoos_news) January 14, 2024
في حين نشط اللاجئون في توثيق معاناتهم وهم يجتازون المياه سيراً على الأقدام، وسط بكاء الأطفال وانعدام سبل الحياة بعدما أودت العاصفة الهوجاء بأبسط مقتنياتهم، من طعام وبطانيات وتدفئة وأثاث وسجاد.
وفي اتصال لـ"العربي الجديد"، لفت العضو الناشط في هيئة المتابعة لشؤون اللاجئين السوريين في عكار (شمال البلاد)، أحمد المحيميد (أبو أدهم)، إلى أن "العاصفة خلّفت أضراراً جسيمة لدى اللبنانيين واللاجئين على حد سواء، وطاولت الأرزاق والممتلكات والمناطق الزراعية. ووصل الضرر الأكبر لغاية بلدة العبودية الحدودية مع سورية، حيث فاض النهر، لكن لم تُسجّل أي حالة وفاة أو غرق".
وقال المحيميد: "لجأ سكان المخيمات في كل بلدة إلى جيرانهم، الذين سارعوا إلى توفير ما تيسّر من مأوى وطعام وتدفئة، رأفة بالأطفال والكبار، وذلك لتخفيف هول الكارثة. حيث ارتفع منسوب المياه أكثر من نصف متر وأدت السيول إلى تلف عدد كبير من الخيم بالكامل، بعد غرق أربعة مخيمات كبيرة في عكار. وفي منطقة حلبا (شمالاً)، سُجّلت أضرار جسيمة في عدد من الخيم وفي مشروع زراعي كبير. أما الكوارث فشهدتها المناطق المجاورة للنهر الكبير (شمال البلاد)، بعدما تسببت الأمطار بفيضانه".
خسائر جسمية في مخيمات اللاجئين السوريين
وكشف اللاجئ السوري في عكار (شمالاً)، باسل العبد الله أن "الطوفان لحق بمخيمات عكار، الكبيرة والصغيرة، لكن لا إحصائيات دقيقة حول عددها لغاية الساعة"، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد": "الأضرار مادية، لكنها جسيمة وتفوق تلك التي اعتدنا عليها من جراء العواصف السابقة. وقد شملت تلف الأثاث والمونة المنزلية والمواشي وتمزق الخيم وانهيار بعضها، ما تسبّب بتشريد مئات اللاجئين الذين قصدوا مخيمات أقاربهم أو منازل أصدقائهم".
من جهته، نبّه رئيس اللجنة الاجتماعية السورية في طرابلس (شمال)، محمد نحلاوي (أبو طه)، إلى أن "الوضع صعب جدّاً، لا سيما في المخيمات الواقعة في سهول عكار أو بجانب الأنهار. هناك مخيمات غرقت بالكامل وتضررت بشكل كبير، وكانت هناك صعوبة في الوصول إلى بعض اللاجئين، أما المخيمات المجاورة للأنهار فقد عانت من سيول جارفة. وبقيت المخيمات المرتفعة عن الوديان والسهول وحدها الأقل تضرّراً".
غرق مخيم لـ اللاجئين السوريين في منطقة عكار شمال #لبنان… اللهم سلم pic.twitter.com/9hONumxnDW
— عمر مدنيه (@Omar_Madaniah) January 13, 2024
وفي بلدة عرسال الحدودية، لفت الناشط الإنساني إبراهيم مسلماني إلى أن "البلدة تضم نحو 60 ألف لاجئ سوري، موزعين على 160 مخيماً، بينها مائة مخيم تقريباً في عداد الأكثر تضرّراً من جراء العاصفة الأخيرة، حيث تقع تلك المخيمات في أراضٍ منخفضة جدّاً".
وأضاف مسلماني متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنه "ومن أصل 9 آلاف خيمة، تضررت نحو 8 آلاف خيمة بعدما غرقت بالسيول والفيضانات. وتنوّعت الأضرار بين تمزّق في الشوادر وطوفان المياه في ممرات المخيمات والشوارع المؤدية إليها، حيث جرفت السيول الأحجار والأتربة واختلطت بمياه الصرف الصحي، ما أدى إلى تسجيل خسائر في الأثاث والسجاد والممتلكات. كما أن شوادر المخيمات بمعظمها ممزقة، وقد شهدنا هذه السنة شحّاً في توزيعها، مع العلم أن العمر الافتراضي للشادر لا يتجاوز السنة".
وتابع الناشط السوري: "قضينا ساعات طويلة في العراء نحاول تثبيت خيامنا ووقف حدة السيول، غير أن الفيضانات تسبّبت بتشريد العائلات. الوضع مأساوي وقد أطلقنا جملة مناشدات للجمعيات المعنية، لكن فقدنا الأمل بأي مساعدة تُذكر، ولم يعد أمامنا سوى تدبير شؤوننا بالتي هي أحسن، وإلا الغرق في مزيد من البؤس"، مشيرا إلى أن "الثلوج تبقى أرحم من السيول الجارفة التي تقضي بلحظات على أبسط ما نملك من مقومات الحياة والصمود".
وشهدت معظم القرى والبلدات اللبنانية انهيارات في الأتربة والصخور وفيضانات عارمة في المنازل والحقول، وتحوّلت أغلب الشوارع إلى أنهار وسيول جارفة عرقلت حركة المواطنين واللاجئين، في حين احتجزت الثلوج على المرتفعات عدداً من الأشخاص داخل سياراتهم.