الأفغان في باكستان: كابوس قرار الطرد

07 أكتوبر 2023
بدأ أفغان كثر يتهيأون لمغادرة باكستان قبل انتهاء المهلة المحدّدة لترحيلهم (فرانس برس)
+ الخط -

 

منحت باكستان كلّ من يعيش على أراضيها بطريقة "غير قانونية" مهلة حتى الأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لمغادرتها تحت طائلة الترحيل والاستيلاء على الممتلكات. ولعلّ الأفغان هم المستهدفون بالدرجة الأولى.

لم يتوقّع اللاجئ الأفغاني شاه آغا في يوم من الأيام أن يضطر إلى الخروج من باكستان "بهذه الطريقة وبهذه العجلة"، لكنّ سياسة باكستان الجديدة حيال اللاجئين، أو هؤلاء الذين تدّعي أنّهم "غير قانونيين"، جعلت أسرته تجمع متاعها وتستعدّ للعودة إلى أفغانستان.
ولعلّ أكثر ما يشغل بال الرجل هو أنّ زوجة ابنه باكستانية، ويقول لـ"العربي الجديد": "إمّا أترك ابني عبد السلام وهو شاب في مقتبل عمره لم يتجاوز 23 عاماً في باكستان وأرحل مع بقيّة أفراد أسرتي، وإمّا نصطحب معنا زوجة ابني التي لم تتجاوز 17 عاماً"، مشيراً إلى أنّ "أسرتها متردّدة في السماح لها بالذهاب إلى أفغانستان، وكانت قد اشترطت على ابني أن يعيش معها في باكستان".

ويؤكد شاه آغا أنّ هذه هي "الفترة الأصعب من حياتي. لم تمرّ عليّ أشدّ من هذه الأيام. لقد زوّجت ابني العام الماضي، وكنّا نظن أنّنا باقون هنا وأنّ ابني سوف يحصل على الجنسية الباكستانية. لكن في ظلّ الوضع الراهن، سوف نعود إلى أفغانستان، وابني مصرّ على الأمر كذلك، ومصرّ على أن يصطحب معه زوجته. وهو ما جعلها وأسرتها المتديّنة في حالة صعبة جداً، كما حالنا جميعاً". يضيف: "لا ندري ماذا نفعل وماذا نقرّر. الجميع في حيرة".

لا تختلف حال القارئ محمد مسعود، الذي يعيش في ضواحي مدينة بيشاور القريبة من الحدود مع أفغانستان، عن حال شاه آغا كثيراً. هو مرغم اليوم على إنهاء عمله التجاري الذي استثمر فيه كلّ ما كان يملكه، ثمّ مغادرة باكستان التي عاد إليها قبل أعوام قليلة للمرّة الثانية، ويخبر "العربي الجديد" بأنّه قصد باكستان للمرّة الأولى في خلال الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979-1989)، قبل أن يعود إلى وطنه في عام 2002، ويسلّم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بطاقة اللجوء في مقابل مبلغ مالي. لكنّه توجّه إلى باكستان ثانية في عام 2018 وبدأ يعمل في تجارة الدواجن. يضيف مسعود: "لديّ مزرعة في منطقة قريبة من مخيّم شمشتو، ومحلّ في مدينة بيشاور. لقد صرفت كلّ شيء في هذه التجارة، والآن أنا مضطر إلى مغادرة باكستان لأنّني لا أملك بطاقة لاجئ، والحكومة الباكستانية حدّدت للأفغان الذين يعيشون في البلاد بطريقة غير نظامية فترة لا تصل إلى حدّ شهر للمغادرة".

ويقول مسعود "أُصبت بصدمة كبيرة بعدما بلغني إعلان الحكومة الباكستانية. إنّه مؤسف جداً. لا أدري من أين أبدأ، وكيف أجمع أغراضي وعملي. الحكومة أعلنت أنّه في حال لم نخرج من البلاد بحلول الشهر المقبل، سوف يُصار إلى مصادرة أراضينا وكلّ ما نملكه، من تجارة وغيرها". ويشير مسعود إلى أنّ "باكستان تريد ختم أربعة عقود كاملة من التعامل الحسن بهذه الطريقة غير الإنسانية، إنّه أمر مؤسف. قيل إنّ المهلة تنتهي في الأوّل من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لكنّ الشرطة الباكستانية بدأت عمليات ضدّ الأفغان منذ الآن، وتبحث عنّا في الشوارع كأنّنا مجرمون. وهي لا تفرّق ما بين النساء والرجال والأطفال وكبار السنّ، ولا بين الذين يملكون وثائق رسمية أو الذين لا يملكونها... جميعنا مستهدفون، جميعنا معرّضون للاعتقال منذ الآن، قبل انتهاء المهلة المحدّدة".

وكان الأفغان وكلّ من يراقب تعامل السلطات الباكستانية مع اللاجئين الأفغان، في الأشهر الماضية، يتوقّعون أن تتّخذ إسلام أباد إجراءات صارمة في حقّ هؤلاء، لكنّهم لم يتوقّعوا القرار الذي أعلنه وزير الداخلية سرفراز بكتي، يوم الثلاثاء الماضي، والقاضي بترحيل الأفغان الذين يعيشون في باكستان بطريقة غير نظامية، وعددهم مليون و700 ألف شخص تقريباً، بحلول نوفمبر المقبل، بحجّة أنّهم يتورّطون في أعمال عنف، لافتاً إلى أنّ أكثر من 50 في المائة من العمليات الانتحارية التي شهدتها باكستان منذ مطلع عام 2023 الجاري نفّذها أفغان.

وأفادت السفارة الأفغانية لدى باكستان بأنّه في وقت كثّفت فيه قوات الأمن الباكستانية عملياتها ضدّ اللاجئين الأفغان في العاصمة الباكستانية إسلام أباد وفي مدن أخرى، عُثر على جثث أربعة أشخاص في العاصمة، في مستشفيات وأماكن عامة، قضوا في ظروف غامضة بعدما كانت قوات الأمن قد اعتقلتهم. وذكرت السفارة الأفغانية، في بيان أدرته أوّل من أمس الأربعاء، أنّه في خلال الأسبوعَين الماضيَين اعتقلت الشرطة وقوات الأمن الباكستانية ألف لاجئ في إسلام أباد وحدها، نصف هؤلاء يحملون وثائق رسمية وقد دخلوا إلى باكستان بطريقة نظامية. وأكّدت أنّ العمليات ضدّ اللاجئين الأفغان مستمرّة ليلاً نهاراً، وهي تستهدف جميع الفئات، والذين دخلوا بطريقة نظامية أو غير نظامية، وحتى المرضى الذين قصدوا باكستان لفترة مؤقتة بهدف تلقّي العلاج.

وبيّنت السفارة أنّ الاعتقالات تجري في كلّ المناطق التي يسكن فيها اللاجئون الأفغان، علماً أنّ معظمهم في إقليم خيبربختونخوا في الشمال الغربي وإقليم بلوشستان في الجنوب الغربي، بالإضافة إلى مدن رئيسية مثل كراتشي عاصمة إقليم السند، ومدينة روالبندي المجاورة للعاصمة، وإسلام أباد بحدّ ذاتها.

في هذا الإطار، يقول اللاجئ الأفغاني حاجي محمد فردوس الذي يسكن في مخيّم زاخيل في شمال غرب باكستان لـ"العربي الجديد" إنّ "المشكلة الأساسية هي أنّ ما تدّعيه السلطات الباكستانية يأتي بخلاف ما تمارسه في الواقع. فالاعتقالات بدأت قبل الموعد المحدّد وتطاول الجميع، الأمر الذي جعل الأفغان غير قادرين على الخروج، لا أصحاب الأعمال والعمّال إلى الأسواق حيث أعمالهم التجارية، ولا الطلاب إلى جامعاتهم، ولا سواهم. الجميع معرّضون للاعتقال".

ويرى حاجي فردوس أنّ "عملياً، لا يمكننا أن نجمع حياة امتدّت على أعوام وعقود عشناها في باكستان في خلال شهر واحد. لقد أقمنا، في خلال عيشنا في باكستان، علاقات اجتماعية وأعمالاً تجارية وغير ذلك. كيف يمكن لنا أن نجمعها كلّها في شهر واحد؟ كذلك صارت لنا علاقات قربي مع الباكستانيين وشراكات تجارية. يبدو أنّ الحكومة الباكستانية تنتقم منّا"، مطالباً "المجتمع الدولي بأن يمارس الضغط على الحكومة الباكستانية لكي تعيد النظر في قرارها".

الصورة
لاجئون أفغان في باكستان (رضوان تاباسوم/ فرانس برس)
في أحد مخيمات الأفغان في مدينة كراتشي الباكستانية (رضوان تاباسوم/ فرانس برس)

بالنسبة إلى آخرين كثر، فإنّ الحكومة الباكستانية لم تأخذ في عين الاعتبار أموراً عديدة عند وضعها خطتها واتّخاذها قرارها. ويشير الناشط الأفغاني في باكستان محمد جليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الأفغان في هذه البلاد اشتروا منازل وأراضي، ولهم أثاث ومتاع في المنازل، وتصفية كلّ ذلك ونقل كلّ ما يملكون والتعامل مع أمور تتطلب فترة زمنية". يضيف جليل: "نحن لا نعارض العودة إلى أفغانستان، لكنّنا نريد أن نعود بطريقة مشرّفة ومعقولة. لا نريد أن نخسر ما ربحناه في خلال عقود".

وحول تأثيرات القرار على حياة اللاجئين، يقول المحلل السياسي وخبير الشؤون القبلية طاهر خان لـ"العربي الجديد" 9 إنّ "اللاجئين الأفغان في باكستان يترقّبون المجتمع الدولي وحكومة طالبان، في هذه الفترة العصيبة. ماذا عساهما يفعلان لهم؟". ويتحدّث عن "شكاوى بأنّ السلطات الباكستانية لا تستهدف فقط الأفغان الذين يعيشون في باكستان بطريقة غير نظامية، بل كذلك الذين يحملون بطاقات لجوء معتمدة من قبل الحكومة الباكستانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".

ويلفت طاهر خان إلى أنّ "الأفغان عاشوا في أمان ولهم مساهمة كبيرة في تطوير الوضع في باكستان في خلال العقود الأربعة الماضية في كلّ المجالات؛ في التجارة والتعليم والمجتمع". يضيف أنّ "القلق يسيطر على اللاجئين في ما يخصّ مستقبلهم بعد نقلهم إلى أفغانستان، فإمكانات حكومة طالبان ووسائلها هشّة. وهم يتساءلون عن كيفية إيوائهم واستقبالهم وتعليم أطفالهم، فثمّة أفغان كثيرون آثروا البقاء في باكستان فقط من أجل تعليم أولادهم، خصوصاً الفتيات". ويرى طاهر خان أنّ "كل هذه الأمور تحتاج إلى التنسيق ما بين كابول وإسلام أباد، ولا بدّ من وضع خطة مبرمجة يعود من خلالها اللاجئون بطريقة مشرّفة".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

العفو الدولية: لا ترحّلوا الأفغان

حثّت منظمة العفو الدولية باكستان على الاستمرار في دعمها للاجئين الأفغان من خلال تمكينهم من العيش بكرامة، ليتمتّعوا بالحرية من دون خشية الترحيل إلى أفغانستان حيث يواجهون الاضطهاد على يد حركة طالبان. وشدّدت العفو الدولية على أنّ إعادة اللاجئين القسرية إلى أفغانستان قد تعرّضهم لـ"خطر كبير"، لكنّ باكستان أوضحت أنّ عملياتها المستمرّة ضدّ الهجرة غير النظامية ليست موجّهة تحديداً ضدّ الأفغان.

وقالت نائبة المدير الإقليمي للأبحاث في قسم جنوب آسيا لدى "العفو الدولية" نادية رحمن إنّ "الأفغان يفرّون إلى باكستان من اضطهاد طالبان. إنّهم يعيشون حياة شديدة الشقاء، ويتعيّن عليهم إمّا الخضوع لإجراءات شاقة للتسجيل كلاجئين في باكستان أو يعلقون في عمليات مطوّلة في انتظار إعادة توطينهم في دولة أخرى".

وأتت مناشدة "العفو الدولية" بعد إعلان باكستان شنّ حملة كبرى ضدّ المهاجرين الموجودين على أراضيها بطريقة غير نظامية، ومعظمهم من أفغانستان، مشيرة إلى أنّها سوف تطردهم بدءاً من الشهر المقبل.

المساهمون