الأردن يواجه تردّياً في خدمات المستشفيات الحكومية

03 يوليو 2021
المنظومة الصحية تعاني قصوراً في النهوض بأدوارها (Getty)
+ الخط -

تُعاني غالبية المستشفيات الحكومية الأردنية من نقص في الكوادر الطبية والتمريضية، وخصوصاً أطباء الاختصاص. نقصٌ يؤدي إلى الاكتظاظ في بعض المستشفيات، والتي تقصدها أعداد كبيرة المواطنين يومياً، الأمر الذي يتسبّب بإرهاق الكادر الطبي ومعاناة المرضى، بالإضافة إلى تقديم خدمات لا ترقى إلى المستوى المطلوب. وخلال الفترة الماضية، كشفت الأزمة الصحية التي تسبّب فيها فيروس كورونا الجديد والتي أدت إلى وفاة نحو 9750 شخصاً في الأردن، عن حجم تردي خدمات المنظومة الصحية، وقصورها عن النهوض بأدوارها. وتؤكّد فاجعة مستشفى السلط، حيث توفي سبعة مرضى من جرّاء نفاد مخزون الأوكسجين، على ضرورة إعادة تقييم المنظومة الصحية. 
ويفرض الواقع الحالي إعادة تحديد الأولويات الصحية الوطنية المتعلقة بالأمراض المعدية بالتوازي مع الأمراض المزمنة، والاهتمام بالرعاية الصحية الأولية (المراكز الصحية) بالتوازي مع الاهتمام بالرعاية الصحية المقدمة في المستشفيات، بالإضافة إلى توسيع إطار التأمين الصحي الذي يغطي حالياً 67 في المائة من السكان. 
وبحسب تقرير حالة البلاد في القطاع الصحي الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي في نيسان/ إبريل الماضي، فإن تعددية مكونات النظام الصحي، وضعف التنسيق في ما بينها، وعدم وضوح الأدوار لهذه القطاعات، أدت إلى فوضى داخل القطاع الصحي العام وغياب التكامل في تقديم الخدمات، ما انعكس سلباً على الأداء على الرغم من ارتفاع الإنفاق على القطاع الصحي الذي تجاوز 2.5 مليار دينار أردني (نحو 3.5 مليارات دولار)، أي ما نسبته 8.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يستدعي مراجعة النظام الصحي وإعادة هيكلته. 

في هذا السياق، يقول رئيس لجنة التنمية والصحة والتعليم في المركز الوطني لحقوق الإنسان، ورئيس لجنة الصحة النيابية الأسبق، إبراهيم البدور، في حديث لـ "العربي الجديد": "نحتاج إلى ثورة بيضاء في القطاع الصحي والتأمين الصحي. فالخدمات الصحية وتوفيرها بنوعية جيدة هي من أساسيات حقوق الإنسان". يضيف: "هناك مشكلة في القطاع الصحي العام في الأردن، وقد بدأت منذ أكثر من 30 عاماً، وأصبحت تتعمق وتتفاقم تدريجياً في مختلف القطاعات الصحية الحكومية، وقد أدت إلى تدني جودة الخدمات". ويتابع البدور أنّ أزمة كورونا "عمقت أزمة القطاع الصحي، وكشفت بشكل أكبر عن جوانب القصور"، مشيراً إلى أنه خلال بداية الموجة الثانية من الوباء، سجلت إصابة أعداد كبيرة بالفيروس، وحدث اهتزاز في المنظومة الصحية في القطاع العام. إلا أن وجود عدد كبير من الأسرّة في القطاع الخاص ساهم في تجاوز الأزمة". ويقول إن "الموجة الأولى من الوباء في الأردن كانت مقبولة، فيما كانت الموجة الثانية قاسية. ووصلت نسبة إشغال الأسرة في المستشفيات إلى نحو 90 في المائة". 
ويرى البدور أن القطاع الصحي العام يحتاج إلى إعادة ترتيب الأوراق، مشيراً إلى وجود بنية تحتية وتجهيزات جيّدة، إلا أن المشكلة الرئيسية تتعلق بالجوانب الفنية والإدارية. ويوضح أن هناك مراكز صحية مجهزة لكن من دون كوادر طبية كافية، مضيفاً: "من خلال عملي السابق كرئيس للجنة الصحة في مجلس النواب، وحالياً في المركز الوطني لحقوق الإنسان وهما مهمتان رقابيتان، أرى أنه من الضروري أن تعمل جميع المستشفيات العامة، أي مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والخدمات الطبية الملكية (العسكرية) تحت مظلة واحدة، على أن تتوزع الكواد المتخصصة على القطاعات وفق الحاجة. وفي الوقت الحالي، يلاحظ أن عددا من الأطباء من التخصص نفسه يعملون معاً في أحد المستشفيات، في وقت تفقتر له مستشفيات أخرى". ويلفت إلى أنّ معظم أطباء القلب يعملون في مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي في شمال البلاد، في وقت تفتقر غالبية مستشفيات وزارة الصحة لهذا التخصص، مشدداً على ضرورة تبادل الخبرات من أجل خدمة المواطن وتقديم خدمة طبية جيدة. ويؤكد البدور أنّ المشكلة الأساسية في القطاع العام هي جودة الخدمة الطبية، واكتظاظ المراجعين في بعض المستشفيات، مثل مستشفى البشير في العاصمة عمان، ونقص الكوادر الطبية. 

في أحد مستشفيات الأردن (Getty)
في أحد مستشفيات الأردن (Getty)

من جهته، يقول مستشار الطب الشرعي هاني جهشان إنّ احتياجات المجتمع الأردني الصحية مشمولة بالحق بالصحة والحياة والعلاج، مشيراً إلى أن استجابة وزارة الصحة للاحتياجات الصحية المجتمعية وجودة خدماتها غير مرتبطة بشيوع الأمراض المزمنة على حساب الأمراض المعدية مثل كورونا أو العكس، وغير مرتبط بإعطاء أولوية الإنفاق المالي والمشاريع للرعاية الأولية أو الرعاية الثانوية. ويرى أنّ "المخصصات المالية الحالية للصحة من الميزانية العامة للدولة ستكون كافية بالنسبة لعدد السكان إذا أديرت بشفافية ومهنية وعدالة. لكن للأسف، فإنّ تعثر وزارة الصحة مرتبط بالترهل الإداري وهدر المال العام والبيروقراطية والفساد وغياب التخطيط الاستراتيجي بعيد المدة، بالإضافة إلى غياب معايير ضبط الجودة". ويوضح أنّ الحق في الصحة يشمل "توفير المرافق الصحية العامة ومرافق الرعاية الصحية والمستلزمات والخدمات والبرامج، واستفادة الجميع من الوصول إلى المرافق والخدمات الطبية، وفي جميع مناطق الدولة، مع مراعاة الأخلاق الطبية المهنية ومتطلبات الجنسين".

كذلك، يشير جهشان إلى أنه يتوجب على الحكومة أن "تضمن سهولة وصول المواطن لخدمات رعاية صحية وقائية وعلاجية جيدة، بما في ذلك الحق في الحصول على خدمات الرعاية الصحية الطارئة، والرعاية الصحية المتخصصة والمتقدمة في مختلف المؤسسات الصحية ومن دون أي انقطاع. كما يتوجب على الحكومة ضمان حق المريض بالحصول على الأدوية بيسر، ومعرفة القوانين والقواعد والسياسات المتعلقة بالتأمين الصحي وإجراءات العلاج". وفي ما يتعلق بالمشاكل، يتحدث جهشان عن فوضى التأمين الصحي والتي تشكّل أحياناً انتهاكاً صارخاً للحقوق المذكورة سابقاً. ويلفت إلى التغير المستمر في أنظمة التأمين الصحي التي تستهدف غالباً خفض النفقات لصالح ميزانية الحكومة على حساب المريض وصحته وحياته، بما في ذلك عدم مباشرة مؤسسة الضمان الاجتماعي بتنفيذ المادة الواردة في قانونها والمتعلقة بالتأمين الصحي للمنتفعين من الضمان وأسرهم.
ويلفت جهشان إلى ظاهرة استجداء العلاج على أبواب الوزراء والمؤسسات الرسمية والنواب، وعبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وانتظار لمبادرة أو مكرمة من جهة ما، معتبراً ذلك امتهاناً لكرامة الإنسان وحقه بالصحة والعلاج. يضيف أنه "لا يوجد مبرر حقيقي للتأخير بتطبيق التأمين الصحي الشامل للجميع، هو حق يؤدي إلى ضمان الأمن الاجتماعي والذي يوازي الأمن في مواجهة مخاطر الجريمة والعنف والإرهاب، أو ضبط النفقات الحكومية بواسطة التقطير في علاج المواطن الذي يعد انتهاكاً لحق الإنسان بالحياة والصحة والعلاج". كما يتوجب "تحويل التمويل إلى صندوق تأمين صحي موحد كخطوة نحو اعتماد التأمين الصحي للجميع".

المساهمون