بدأ موسم المطر في الأردن لهذا العام بهطول كميات جيدة خاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية، علماً أنه يعوّل كثيراً على الأمطار لتلبية الجزء الأكبر من احتياجاته من المياه، رغم أن معدل الهطول على امتداد 90 في المائة من مساحة البلاد يقل عن 100 ملليمتر سنوياً، وأن كميات غير قليلة تهدر نتيجة التبخر.
كما لا ترتبط أمنيات الأردنيين بشتاء جيد بتوفير احتياجات المياه فقط، بل أيضاً بالرفض الشعبي للتطبيع المائي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما شكل محور اتفاق جرى توقيعه مع الاحتلال على هامش قمة المناخ الدولية التي عقدت أخيراً في مدينة شرم الشيخ المصرية، لإعادة تأهيل نهر الأردن الذي انخفض منسوب مياهه إلى 7 في المائة فقط، في حين ينخفض منسوب البحر الميت بمعدل 3 أقدام سنوياً. كما جرى توقيع مذكرة تفاهم مع الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية وتمويل إماراتي لتوليد كهرباء لصالح إسرائيل من الطاقة الشمسية في صحراء الأردن، بواقع 600 ميغاواط سنوياً، مقابل تحلية المياه لصالح الأردن بمقدار 200 مليون متر مكعب سنوياً.
وبلغت كميات الأمطار التي هطلت حتى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نحو 1.394 مليار متر مكعب، بنسبة 17 في المائة من المعدل السنوي البالغ 8.1 مليارات متر مكعب سنوياً، ما رفع كمية التخزين الكلي في السدود إلى 28.365 مليون متر مكعب، بنسبة 10 في المائة من طاقتها الكلية البالغة 280.760 مليون متر مكعب، وفقاً لبيانات وزارة المياه والري.
يقول مدير إدارة الأرصاد الجوية الأردنية رائد رافد آل خطاب لـ"العربي الجديد": "يصعب التنبؤ بدقة بحال موسم المطر الذي يمتد من 23 سبتمبر/ أيلول حتى 10 مايو/ أيار، ولا يمكن الحكم عليه من خلال بدايته، علماً أنه يمكن توقع كميات الهطول الموسمية لشهر أو شهرين أو فصلياً بالاعتماد على معلومات وجداول توفرها مؤسسات دولية، مثل منظمة الأرصاد الجوية العالمية. وكلما طالت مدة التنبؤ المستقبلي تقل الدقة".
وبالنسبة إلى التوقعات الموسمية الخاصة بهطول الأمطار، يرجح آل خطاب أن "تكون أقل بنسبة بسيطة من معدلاتها السنوية، علماً أن التنبؤات الموسمية تعتمد على نماذج أرقام عالمية، وليس على الطبيعة الجغرافية للأردن، ما يجعلها غير دقيقة أحياناً على المدى الطويل".
يتابع: "هناك اختلاف في معدلات هطول الأمطار من منطقة إلى أخرى، فالعام الماضي كانت الأمطار ضمن المعدل السنوي في وسط البلاد، لكنها لم تتجاوز 45 في المائة في الجنوب، فيما كانت نحو 85 في المائة من معدلها في الشمال".
ويوضح أن "إدارة الأرصاد الجوية الأردنية تنشر عادة تنبؤات لأربعة أيام تكفي لاتخاذ الجهات الحكومية والمواطنين الاحتياطات اللازمة للتعامل مع الظروف الجوية، ومعطيات الغلاف الجوي تختلف وتتغير ما يؤثر في دقة التنبؤات طويلة المدى. وفي الأردن نتأثر بالتغيّر المناخي الواضح من خلال ارتفاع درجات الحرارة التي تتعرض لها البلاد والعالم كله، والذي يؤثر في كميات الأمطار التي تهطل، وتوزيعها الجغرافي، إذ تشهد مناطق فيضانات وتعاني أخرى من الجفاف. وهناك اختلال وتراجع في حجم الأمطار الهاطلة بنسبة تراوح بين 10 و20 في المائة مقارنة بالفترة المرجعية التي تمتد 30 عاماً بين 1960 و1990".
ويقول أستاذ علوم المياه الجوفية وكيمياء المياه في الجامعة الأردنية الدكتور إلياس سلامة لـ"العربي الجديد": "كل المياه في الأردن مصدرها الأمطار، وعندما يهطل جزء منها يجري في السيول ويصل إلى السدود، فيما يستقر جزء آخر تحت سطح الأرض، ويغذي المياه الجوفية".
ويعتبر أن العمل جيد في الأردن على صعيد تجميع المياه، ومحاولة استغلال مياه الأمطار، لكن التغيّر المناخي أصبح يؤثر في حجم وتوزيع مياه الأمطار، ما ينعكس على كميات المياه التي يجري تجميعها في السدود، أو التي تغذي المياه الجوفية، يضيف: "يستخدم الأردن 950 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، لكنه يحتاج إلى كميات أكثر بكثير، لذا يجب أن يتوجه إلى مصادر أخرى للمياه، والوحيد المتوفر حالياً هو تحلية مياه البحر".
وحول مساهمة الاتفاقات مع الاحتلال الإسرائيلي في توفير احتياجات الأردن من المياه، يشير سلامة إلى أن "الكميات حتى الآن غير واضحة بشكل دقيق، لكن أي اتفاق للحصول على كميات مياه إضافية سيساعد في مواجهة أزمة المياه. والحل الأمثل للأردن هو مشروع تحلية المياه في أرضه وتحت إشرافه، مع عدم السماح لدولة أخرى بالسيطرة على الكميات، والتحكم بها".
ويذكّر سلامة بتهديد الاحتلال الإسرائيلي سابقاً بقطع حصة الأردن من مياه بحيرة طبريا، ويسأل: "كيف نضع مصادرنا المائية في أيدي دولة أخرى؟"، داعياً إلى أن تكون المشاريع مع الدول الأخرى إضافية، وليست مصدراً أساسياً للمياه.
ويطالب سلامة برفع كفاءة القطاع الزراعي في استخدام المياه، كي تزيد إنتاجية المتر المكعب، ففي بعض الدول تتضاعف إنتاجية المتر المكعب من الخضار ثلاث مرات عنها في الأردن.
وحول تجميع المياه المرتبط بترخيص المنازل في الأردن، يرى سلامة أن "مخزون المنازل من مياه الأمطار يعود إلى أصحابها، ويمكن أن يجمع بعضهم بين 30 و40 متراً مكعباً سنوياً للاستخدام المنزلي وري الحدائق، ما يخفف نسبياً الضغط على مزودي المياه، لكن بعض البلديات وأمانة عمان تتغاضى عن ذلك لدى دفع مبلغ معين كتأمينات، رغم أنه يذهب إلى مشاريع أخرى غير تجميع المياه".
يذكر أن العجز المائي في الأردن يزيد عن 550 مليون متر مكعب سنوياً لكل الاحتياجات، فيما تقل حصة الفرد عن 80 متراً مكعباً، وفق آخر إحصاء أصدرته وزارة المياه والري.