الأردن: الواقع الاجتماعي يبقي العنف الأسري خلف الأبواب الموصدة

09 اغسطس 2022
العنف الأسري يطاول النساء من كلّ الأعمار والفئات الاجتماعية (أرتور فيداك/Getty)
+ الخط -

يفرض الواقع الاجتماعي في الأردن الصمت على نساء كثيرات معنّفات لاعتقادهنّ بعدم جدوى الشكوى في ما يتعلّق بالحماية واسترداد الحقوق، إلى جانب خوفهنّ من ردود فعل المعنّف أو أحد أفراد الأسرة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد المخاطر المتوقعة. أمّا الأطفال، فكثيرون منهم لا يعرفون طريقاً للشكوى إلى الجهات المعنية.

وتحت عنوان "تماسك الأسرة بين التشريعات الناظمة وشبكات الحماية الاجتماعية"، عُقدت جلسة حوارية حول جرائم العنف الأسري في البلاد، يوم الإثنين، من تنظيم "منتدى دعم قطاع العدالة" المنبثق من "منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية" (أرض) بالتعاون مع شركة "درة المنال" للتنمية والتدريب.

وفي سياق الجلسة التي ضمّت متخصصين وجهات معنية، قال أمين عام المجلس الوطني الأردني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي إنّ الأرقام التي ترد إلى إدارة حماية الأسرة تُظهر ارتفاعاً بعدد حالات العنف الأسري، لافتاً إلى أنّ حالات العنف التي لا تصل إلى الجهات المعنية تُقدَّر بثلاثة أضعاف الحالات المسجّلة، باستثتاء جرائم القتل، خوفاً من الوصمة الاجتماعية. ورأى مقدادي أنّ حالات العنف الأسري في الأردن تبقى بمعظمها حبيسة الجدران، مشيراً إلى بحث أعدّه المجلس في عام 2018 بيّن أنّ 42 في المائة من الأردنييين يرون أنّه لا يجب لأيّ كان التدخّل في علاقات الأسرة ما لم يكن من داخلها.

وأوضح مقدادي أنّ لكلّ حالة عنف أسري أسبابها الخاصة، لكنّ ثمّة عوامل مساعدة لازدياد الحالات، من بينها الوضع النفسي أو تعاطي المواد المخدّرة أو البيئة المجتمعية المحيطة بالإضافة إلى الفقر والبطالة. وشدّد على أنّ لا جريمة تقع في داخل الأسرة بشكل مفاجئ، بل تبدأ بمرحلة معيّنة وتتطوّر حتى تصل إلى جريمة القتل.

من جهته، قال مدير إدارة حماية الأسرة والأحداث التابعة للأمن العام في الأردن العقيد بلال العواملة إنّ المديرية تعاملت في النصف الأوّل من العام الجاري مع 17581 حالة عنف أسري مقارنة بـ 15413 حالة في النصف الأوّل من العام الماضي، فيما بلغ مجموع  الحالات التي تعاملت معها الإدارة في العام الماضي 33444 حالة.

وأفاد العواملة بأنّ المديرية تلقّت 28529 بلاغاً عن حالات عنف عبر وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية، فيما راجعها 59480 شخصاً في النصف الأوّل من العام الجاري، أمّا العام الماضي فقد تلقّت 56784 بلاغاً واستقبلت 114321 آخر. أضاف أنّ إدراة حماية الأسرة والأحداث تعمل بالتركيز على المرأة والطفل وعدم انتهاك حقوقهم، لافتاً إلى أنّ ثمّة مؤثّرات تعمل على تفكيك الترابط الأسري وتترافق مع عنف يقع على المرأة والطفل. وأشار العواملة  إلى أنّ الإدارة تركّز على قضايا جنوح الأحداث وكذلك الاعتداءات التي تقع عليهم، سواء أكانت بدنية أو جنسية أو غيرها، والتي تشمل كذلك العنف الواقع على المرأة والخطف وإفساد الرابطة الزوجية.

وشرح العواملة أنّ الإدارة تقدّم خدمات شرطية تتحوّل إلى قانونية عند التحويل إلى القضاء، معتمدة على تشريعات ناظمة تحدّد عمل الإدارة، من بينها قوانين الأحداث والعقوبات والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية والنفسية والصحية الجسدية. وتحدّث عن جانب تصالحي، لافتاً إلى أنّ كلّ حالة تُدرس لوحدها ويكون الاهتمام بشكل أكبر بالجانب الاجتماعي مقارنة بالجانب القانوني، مؤكداً عدم التمييز بل الوقوف بحيادية تجاه المراجعين.

في سياق متصل، شدّدت مديرة "مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان" ليندا كلش على أهمية دراسة كلّ حالة تعنيف وكلّ جريمة أسرية على حدة، لمعرفة ما إذا كانت ثمّة عوامل اقتصادية وراء هذه الجرائم أم لا، وما هو أثر أزمة كورونا الوبائية ونتائجها المتعلقة بالفقر والبطالة على العنف الأسري.

ولفتت كلش إلى أهمية توفير الحماية الاجتماعية وعدم التمييز بين السكان الأردنيين والوافدين والمهاجرين، خصوصاً في ظلّ الاتفاقيات الدولية التي وقّعها الأردن. وتناولت قضية الاتّجار بالبشر وارتباطها بالاستغلال الجنسي الذي يمارسه بعض الأهالي في حقّ بناتهم كنوع من العنف الأسري، مبيّنة أنّه مع الوقت تظهر مشكلة أكبر وهي عدم القدرة على دمج الضحايا في المجتمع، لتلاحقهم الوصمة الاجتماعية. وترى كلش أنّ التشريعات الأردنية جيدة في الحماية من العنف، موضحة أنّ تطبيق التشريعات يبقى أهمّ من وجودها.