التوصيفات القانونية غير المحدّدة تحجب حجم الاتّجار بالبشر في الأردن

20 نوفمبر 2024
لاجئة تبيع السجائر في عمّان، الأردن، 20 نوفمبر 2008 (عواد عواد/ فرانس برس)
+ الخط -

تحجب التوصيفات القانونية غير المحدّدة حجم قضايا الاتّجار بالبشر في الأردن، الأمر الذي يتطلّب توافقاً تشريعياً بين قانونَي منع الاتّجار بالبشر والعقوبات. ولعلّ توصيف عدد كبير من قضايا الاتّجار بالبشر، من قبيل العمل الجبري والخطف، وإجبار النساء على ممارسة البغاء، لتصير قضايا إيذاء وهتك عرض وحرمان من الحريّة فحسب، من شأنه أن ينتقص من الأزمة بواقعها الراهن.

وأفادت دراسة تحمل عنوان "تحت المجهر: تحليل تشريعات وقضايا الاتّجار بالبشر في الأردن 2020-2023"، أعلنت جمعية تمكين للمساعدة القانونية في الأردن نتائجها، اليوم الأربعاء، بأنّ وحدة مكافحة الاتّجار بالبشر استقبلت خلال أربعة أعوام 145 حالة اتّجار أو شبهة اتّجار بالبشر، وأنّ ما يقارب 126 قضية حُوّلت مباشرة إلى المدّعي العام من دون المرور بوحدة مكافحة الاتّجار بالبشر. أضافت أنّ ثمّة ارتفاعاً في عدد الأحكام بالإدانة في قضايا الاتّجار بالبشر، على الرغم من أنّ الوصف الجرمي لهذا النوع من الجرائم يُعدَّل في كثير من الأحيان ليصير جرائم أقلّ خطورة، الأمر الذي يعكس تحدّيات في إثبات الجريمة بسبب طبيعتها السريّة.

وبيّنت المستشارة والمحامية المتخصّصة في قضايا الاتّجار بالبشر أسماء عميرة، خلال إطلاق نتائج الدراسة، أنّ عدد أحكام الإدانة في أربعة أعوام بلغ 52 حكماً، أمّا القرارات الصادر فيها تعديل للوصف الجرميّ فبلغ عددها 35 قراراً. ووصفت عميرة الأمر بأنّه مؤشّر خطر، إذ إنّ قرارات الحكم تعدّل الوصف الجرميّ من جريمة الاتّجار بالبشر بالاستغلال الجنسيّ إلى جرم إدارة بيت بغاء أو ممارسة الدعارة. أضافت المحامية الأردنية أنّ ثمّة قرارات تعدّل الوصف الجرميّ من جريمة الاتّجار بالبشر إلى مخالفات عمّاليّة بسيطة، وبسبب خصوصيّة هذه الجريمة مقارنة بغيرها من الجرائم ولأنّها في العادة تُمارس في الخفاء يصعب إثباتها، كلّ ذلك يؤدّي إلى إفلات الجناة من العقوبة.

ويواجه ضحايا الاتّجار بالبشر تحدّيات كبيرة، بحسب الدراسة التي عرضتها جمعية تمكين للمساعدة القانونية في الأردن، خصوصاً في ما يتعلّق ببقاء العمالة المهاجرة في الأردن، والعمل بصورة نظاميّة، إذ يُجبَر الضحايا على دفع رسوم تصاريح العمل بأثر رجعيّ، الأمر الذي يدفعهم إلى العودة إلى بلدانهم من دون أيّ أجر، وهو ما يُعَدّ عودة جبريّة لا طوعيّة.

وأوضحت الدراسة نفسها أنّ طول أمد التقاضي في المحاكم يؤثّر في العدالة وحقوق الأفراد، وقد يؤدّي إلى تأخير حصول الضحيّة على حقوقها وتعويضاتها. وتابعت أنّ من الممكن أن يؤدّي طول الإجراءات القانونيّة إلى سفر الضحيّة إلى بلادها، من دون فرصة للدفاع عن حقوقها في المحكمة.

في الإطار نفسه، قالت المديرة التنفيذيّة لجمعية "تمكين" ليندا كلش لـ"العربي الجديد": "نحن نتابع هذه القضايا منذ عام 2009، وثمّة تطوّر إيجابيّ بالتشريعات والقوانين والأنظمة الخاصّة والملاحقة والتعرّف إلى الضحايا، إلا أنّ ثمّة تحدّياً يتمثّل بالإجراءات التنفيذيّة والممارسات على أرض الواقع، وقصورها في حماية الضحايا وملاحقة الجناة، بالإضافة إلى الافتقار إلى الوقاية المتعلّقة بالقوانين والممارسات، والحماية المتعلّقة بإعادة دمج الضحايا".

وشرحت كلش أنّ "الفئة الأكثر تعرّضاً للاتّجار بالبشر هي العمّال المهاجرون"، مشدّدةً على "أهميّة نشر الوعي للتعرّف إلى الجريمة والإبلاغ عنها، والأهمّ من ذلك تنفيذ التشريعات وإلغاء نظام الكفالة الذي يُعَدّ شكلاً من أشكال العبوديّة الحديثة، بالإضافة إلى الاتّجار الجنسي من الأردن وخارجه". وتابعت كلش أنّ "من غير الممكن إنهاء هذه الجرائم، لكنّ الحدّ منها ممكن بملاحقة مرتكبيها ومن خلال الوقاية والملاحقة ومن ثمّ الحماية"، مشيرةً إلى "ضرورة توفير آليّة سهلة لتقديم الشكاوى، خصوصاً القضايا العمالية". وبيّنت أنّ "التشريعات في الأردن جيّدة، لكن أيّ تشريع لا يُطبَّق يصير بلا قيمة حقيقية".

من جهته، قال مدير بيت العمّال المحامي حمّادة أبو نجمة لـ"العربي الجديد" إنّ "الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن توضح بصورة دقيقة المفاهيم القانونية للاتّجار بالبشر والعمل الجبري والتسوّل المنظّم. من هنا، لا بدّ من الالتزام بهذه التعريفات لمعرفة المشكلة الحقيقيّة في قضايا الاتّجار بالبشر، وإذا لم تُحدَّد التعريفات القانونية تبقى المشكلة مستمرّة". أضاف أبو نجمة أنّ "من غير المنطقي أن تكون ثمّة حالتا اتّجار بالبشر فقط بالتسوّل المنظّم، في وقت تكثر المشاهد اليومية عند إشارات المرور وفي الشوارع وأمام المساجد وغيرها من الأماكن". وتابع أنّ "العمل الجبري نراه كثيراً في الواقع، لكن في المحاكم ثمّة حالات قليلة جداً مقارنة بما يحدث".

وأشار أبو نجمة إلى أنّ "القانون تحدّث عن جريمة كاملة هي الاتّجار بالبشر، لكنّ القضاء يتعامل مع جزئيات هذه الجريمة في أحيان كثيرة ويمنحها وصفاً من قانون العقوبات. فمثلاً قضايا الاعتداء والاستغلال الجنسي في الغالب لا تُصنَّف قضايا اتّجار بالبشر، مع أنّها هي أقرب إلى ذلك. والأحكام المبنية على قانون العقوبات ليست رادعة مثل العقوبات التي يتضمّنها قانون مكافحة الاتّجار بالبشر، وهذا يعني أنّ عدد قضايا الاتّجار بالبشر التي تُصدر المحاكم قرارات بها أقلّ بكثير من الواقع".

المساهمون