لا يزال دخول الإناث إلى سوق العمل في الأردن دون المستوى المطلوب، في مؤشر على ضرورة تضافر الجهود لزيادة مشاركتهن، فضلاً عن ضمان تمكينهن. ووفق تقرير دائرة الإحصاءات العامة حول معدل البطالة الصادر في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن 33 في المائة من السكان الأكبر من 15 سنة يشاركون في سوق العمل، ومن بين هؤلاء 13.7 في المائة فقط من الإناث.
وأظهرت نتائج مسح السكان والصحة الأسرية (2017-2018) أن 85.5 في المائة من نساء الأردن اللاتي سبق لهن الزواج، لم يعملن مطلقاً، وكشفت إحصائيات البنك الدولي في عام 2019، أن الأردن يحلّ في المرتبة الـ140 من أصل 142 دولة يضمها المؤشر العالمي للمشاركة الاقتصادية للمرأة.
وتُعَدّ الثقافة المجتمعية من أبرز التحديات التي تواجه عمل المرأة الأردنية، فضلاً عن ضعف المواءمة بين نواتج التعليم ومتطلبات سوق العمل، والعزل المهني للإناث اللاتي يتركز عمل معظمهن في قطاعي التعليم والصحة، إضافة إلى ظروف العمل غير المناسبة، وسوء وسائل النقل، وندرة توافر حضانات الأطفال في أماكن العمل، بالإضافة إلى فجوة الأجور المتعلقة بالنوع الاجتماعي.
وهدفت رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة الأردنية، خلال العام الماضي، إلى رفع نسبة مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية خلال السنوات العشر المقبلة إلى ما يزيد على 37 في المائة، عبر زيادة فرص تمويل المشاريع النسوية، وزيادة فرص عمل النساء في قطاع التجارة والمشاريع المتوسطة والصغيرة، وتحسين بيئة العمل بالتركيز على الأبعاد التشريعية الخاصة بالنساء، لكن تبقى هذه الأهداف مجرد خطط.
وتقول المديرة التنفيذية لمركز "تمكين" للدعم والمساندة القانونية، ليندا كلش، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عوائق كثيرة تواجه عمل المرأة، بعضها يتعلق بالنقل الذي يعتبر من بين أبرز التحديات من حيث الكلفة، وعدم احترام الكرامة، وتوقف المواصلات العامة عند الخامسة أو السادسة مساءً، فيما وقت انتهاء الدوام يكون السادسة أو السابعة، وهناك أيضاً الإشكاليات المجتمعية التي تتعلق بخروج المرأة مبكراً إلى العمل أو عودتها متأخرة، إضافة إلى انتشار العنف والتحرش في أماكن العمل، سواء اللفظي أو الجسدي.
وتضيف كلش أن "هناك إشكاليات تتعلق بالعمل غير المنظم الذي تنقصه الحماية الاجتماعية، كالتأمين الصحي، واشتراك الضمان الاجتماعي، وفرض إجراءات قانونية يمكن أن يرفع نسبة مشاركة المرأة في هذا القطاع يشغل الكثير من النساء". وتلفت إلى أن "الموروث الثقافي يدعم عدم الثقة بمهارات المرأة في العمل، على الرغم من إثبات أن ذلك أمر مغلوط في قطاعات عدة، كذلك إن أجر المرأة في كثير من الأحيان أقل من أجر الرجال، حتى لو كانت طبيعة العمل واحدة. وبينما تقاس البطالة وفق طلبات البحث عن عمل، فإن العوائق الاجتماعية واللوجستية تقف أمام رغبة كثير من النساء في البحث عن العمل، ما يعطي تقييماً غير دقيق لحجم بطالة المرأة".
وتقول مديرة مؤسسة الاقتصاد النسوي، ميادة أبو جابر، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن فجوة في المهارات بين الرجل والمرأة كان ممكناً في عقود ماضية. فالعمل ضرورة لتحسين المهارات، ورغم كل دورات التدريب للإناث لرفع مستوى مهاراتهن، ظلت النسبة شبه ثابتة، ما يعني أن المشكلة ليست في المهارات، بل في النظرة الاجتماعية الرائجة".
وتشير أبو جابر إلى دراسة أجراها البنك الدولي، وكشفت أن 90 في المائة من سكان الأردن يقبلون بعمل المرأة، لكن النسبة تنخفض في حال زواجها، ثم تنخفض مجدداً في حال إنجابها، وتتراجع الأرقام إذا كان هناك اختلاط في مكان العمل، مؤكدة أن "تلك المؤشرات تظهر بوضوح أن هناك أسباباً اجتماعية تعوق عمل النساء".
وترى أن "التغلب على هذه النسب المتدنية يرتبط في الأصل بتوفير فرص العمل، وأن يتم ذلك بالتزامن مع زيادة التوعية المجتمعية، وتقدير عمل المرأة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، وعجز القطاع العام عن توفير فرص عمل. ولا يمكننا تجاهل السياسات، فالمادة الـ69 من قانون العمل الأردني تنص على أن يصدر وزير العمل قراراً بعد استطلاع رأي الجهات الرسمية المختصة، يحدد فيه الصناعات والأعمال والأوقات التي يحظر تشغيل النساء فيها، والحالات المستثناة منها، ويجرى توقيف عمل المرأة بعد الساعة العاشرة ليلاً، في حين أنه ينبغي وضع قوانين تحمي النساء من التحرش والعنف بدلاً من منعهن من العمل".
وتقول الرئيسة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن)، نهى حنا محرز، لـ"العربي الجديد": "هناك عوامل متعددة ساهمت في انخفاض معدل مشاركة المرأة في سوق العمل رغم تفوق الأردنيات في التحصيل العلمي، ومن بينها الثقافة المجتمعية التي تقف عائقاً أمام ارتفاع نسب المشاركة، ورغم أن الفقر يغير أحياناً من تلك الثقافة الرائجة، لكنها لا تزال مسيطرة في المجتمع، وعندما تبحث المرأة عن عمل، فإنها تسعى لأن يكون قريباً من مكان السكن، في حين أن أغلب المحافظات لا توجد فيها فرص عمل حقيقية للنساء". وتلفت إلى أن "معدلات رواتب النساء لا تتجاوز 600 دولار، وهذا المبلغ لا يكفي للمواصلات وتكلفة الحضانات، ورغم وجود قانون ملزم بتوفير الحضانات، لكن أكثرية المؤسسات لا تلتزم به. العمل مهم للمرأة، لكن ذلك يتراجع عادة أمام أولويات الأسرة، وخصوصاً دورها الإنجابي، ما يجعل النساء يتراجعن عن دخول سوق العمل. أما العمل غير المنظم، فإنه يحتاج إلى الكثير من قوانين الحماية الاجتماعية. فالعاملات في الصالونات ومكاتب الأطباء بلا حماية قانونية حقيقية، أو تأمين صحي أو ضمان اجتماعي، والأكثرية بلا عقود عمل". وتؤكد محرز وجود تمييز ضد المرأة في بعض المؤسسات، والبعض لا يرحب بتوظيف السيدات. "ينبغي العمل على تغيير المفاهيم والسلوكيات، فعمل المرأة بات قضية وطن، وعلى الحكومة تجاوز حالة التمثيل النسائي الضعيف في مختلف المؤسسات، لأنه يعزز النظرة السلبية إزاء عمل المرأة".