تعيش عائلة خالد العزوزي كابوساً منذ وُضِع ابنها في السجن المحلي "العرجات 1" القريب من مدينة سلا في 9 أغسطس/ آب الماضي، بعد اعتقاله احتياطياً في قضية تتعلّق بالنصب والاحتيال، في ظل تأجيل موعد إطلاق الحكم بحقه أكثر من مرة، وبالتالي تمديد الاعتقال الاحتياطي.
وتحوّلت حياة العزوزي وأسرته إلى "جحيم" وسط معاناة نفسية واجتماعية واقتصادية في انتظار انتهاء فصول محاكمته.
"إنّها المرة الثالثة التي يُمدَّد فيها الاعتقال الاحتياطي بحق شقيقي من دون أن يُقدّم للمحاكمة، والأخذ بالاعتبار الضمانات التي قدّمها المحامي لحضوره في الجلسات المقبلة للمحاكمة"، يقول شقيق العزوزي لـ "العربي الجديد ". يتابع: منذ شهرين ونحن على هذا الحال، والمعاناة الأكبر تتحملها الوالدة المتقدمة في السن، خصوصاً أنها تضطرّ إلى التنقّل رغم ظروفها الصحية الصعبة وتفشي فيروس كورونا، لزيارة شقيقي في السجن. كذلك، تزداد معاناتها النفسية والصحية في ظل تأجيل النطق بالحكم في كل مرة".
كثيرة هي العائلات التي تعاني على الصعد النفسية والاجتماعية والاقتصادية في انتظار انتهاء المحاكمات، وتتحوّل حياة متهمين آخرين إلى "جحيم" داخل السجون، خصوصاً أنّ مدة إجراء الاعتقال الاحتياطي قد تصل إلى سنة من دون إصدار الحكم، لتكتمل المأساة في بعض الحالات مع ثبوت براءة المتهم، من دون أن ينال المعنيّ أيّة تعويض عن المدة التي حُرم فيها حريّته.
ويقول محمد بنداود، الذي قضى ستة أشهر رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن، قبل أن يحصل على حريته بعد ظهور أدلة جديدة في قضية تتعلق بـ"الاعتداء بالضرب والتعذيب عمداً في حق موظفين في القطاع العام". يضيف أن "الانعزال عن الأسرة والأصدقاء والعالم الخارجي يؤثر بالأشخاص المعتقلين احتياطياً. الوقت يصير بطيئاً في انتظار مصير مجهول، والمعاناة تزداد في ظل عدم تحديد موعد واضح للنطق بالحكم". ويقول لـ"العربي الجديد" إن مأساة المتهمين الذين تستمر فترات حبسهم الاحتياطي أشهراً عدة تزداد صعوبة في ظلّ الاكتظاظ في سجون المملكة.
في المغرب، يدخل 20 ألف شخص السجون ويغادرونها بعد صدور أحكام بالبراءة بحقهم، بعدما قضوا أشهراً من الاعتقال الاحتياطي، كما يقول المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الدمج، محمد صالح التامك، خلال تقديمه مشروع الميزانية الفرعية للمندوبية أمام أعضاء لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين القضائيّين المغاربة أنّ ترشيد (التوعية حول) اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي موجود ضمن أولويات السياسة الجنائية في المغرب، إلا أن نسبة المعتقلين احتياطياً في البلاد في ارتفاع مطرد، وقد بلغت حتى 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نحو 45,27 في المائة من عدد السجناء البالغ عددهم 84 ألفاً و393 معتقلاً، وهي أعلى نسبة تسجّل منذ عام 2011.
ويقول التامك إنّ هذه الأرقام تكشف حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق المندوبية في الحد من الاكتظاظ، خصوصاً في ظل تفشي جائحة كورونا. وتعدّ هذه الإشكالية أساسية حتّى في الظروف العادية، لافتاً إلى أن الارتفاع الكبير لحالات الاعتقال، وبالتالي الاكتظاظ، يعرقل مساعي المندوبية لجعل ظروف الاعتقال أكثر إنسانية، وتأهيل السجناء لإعادة دمجهم في المجتمع.
وتأتي تصريحات التامك بعد نحو 4 أشهر من كشف تقرير المهمة الاستطلاعية البرلمانية المؤقتة للوقوف على وضعية المؤسسات السجنية، أن في المغرب أعلى نسب للاعتقال الاحتياطي في العالم، رغم "أن أكثر من نصف المعتقلين احتياطياً تَصدر في حقهم أحكامٌ بالبراءة أو بعدم المتابعة أو بعقوبات سجنية موقوفة التنفيذ (مع وقف التنفيذ)". وأكد التقرير أن مشكلة الاكتظاظ أزمة مستمرة في ظل مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي من دون ترشيد، وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنية، وتبلغ نسبة الاكتظاظ في هذه المؤسسات 75 في المائة.
الانعزال عن العالم الخارجي يؤثر في الأشخاص المعتقلين احتياطياً
ويُقصد بالاعتقال الاحتياطي في القانون المغربي أولئك الأشخاص المُودعون في السجون من دون أن يصدر في حقهم حكم قضائي بعد؛ وذلك إما لاستكمال مرحلة التحقيق أو في انتظار استكمال محاكمتهم.
إلى ذلك، يقول الناشط والمحامي نوفل البوعمري إنّ الاعتقال الاحتياطي في المغرب يعدّ إحدى الإشكاليات التي كانت دائماً مطروحة، وترتبط مباشرةً بحقوق الإنسان، خصوصاً في ما يتّصل بالحق في الحرية الذي نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والدستور المغربي، بالإضافة إلى بعض القواعد القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية.
ويرى أنّ المفارقة تكمن في النصوص القانونية، خصوصاً قانون المسطرة الجنائية التي تظل متقدمة وتعتبر أن تدبير الاعتقال الاحتياطي استثنائي، وقد قيدت ممارسته في حدود معينة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن إشكالية الاعتقال الاحتياطي ترتبط بالممارسة.
من جهته، يقول رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، عادل تشكيطو، إن هناك إفراطاً في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، علماً أنه يفترض أن يتحقق ذلك في حالات معدودة تتمثل بعدم وجود ضمانات حضور لدى المتهم، أو التخوف من تأثير اطلاق سراح المتهم على مجريات القضية، أو إن كان يشكّل خطراً على الأمن العام، وهو ما لا يجري العمل به.
يضيف لـ "العربي الجديد": "رغم أن العديد من المسؤولين يؤكدون أنّ إجراء الاعتقال الاحتياطي يؤدي إلى مشاكل خطيرة، كما هو الأمر بالنسبة إلى رئيس النيابة العامة الذي عمّم مذكرة على الوكلاء العامين ووكلاء الملك في محاكم المغرب تحثهم على عقلنة إجراء الاعتقال الاحتياطي، إلا أن تلك النداءات والتعليمات لم تجد لها صدى على أرض الواقع".
ويربط تشكيطو بين هذا الواقع ومنظومة العدالة، التي إن تغيرت تشريعاتها، إلا أنها بقيت كما هي تعتمد منهجية قديمة في التعاطي مع القضايا المعروضة أمامها، مشيراً إلى أن الأسلوب التقليدي ما زال يعطل مسيرتها في الإصلاح.
ويرى أن المطلوب أن يلجأ قضاة التحقيق وقضاة الحكم إلى الإجراءات البديلة بدلاً من الاعتقال الاحتياطي كالكفالة مثلاً، والمساهمة في تثبيت مبدأ النجاعة القضائية لمواجهة البطء في تصريف ملفات المعتقلين وتأخر البت فيها، الذي يؤدي حتماً إلى ارتفاع نسبة التوقيف الاحتياطي.