- خلال الحملة العسكرية على مجمع الشفاء الطبي، تم اعتقال واستشهاد عدد من أفراد الطواقم الطبية، بما في ذلك مدير دائرة الصيدلة ومدير الصيانة، وتعرض العديد للتعذيب.
- انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني من خلال اعتقال وتعذيب الكوادر الطبية، مع تأكيدات على أن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب، ودعوات للتحقيق الدولي في ظل وضوح الأدلة.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي جميع المستشفيات بالمنطقة المحاصرة في محافظتي غزة والشمال، وكرر استهداف مستشفيات مناطق الوسط والجنوب، فضلاً عن اعتقال وتعذيب العديد من أفراد الطواقم الطبية كأسلوب ترهيب. وتشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أنه حتى 31 مارس/آذار الماضي، أدت خسائر القطاع الطبي المسجلة إلى استشهاد أكثر من 484 من أفراد الكادر الصحي، وتدمير 130 سيارة إسعاف، كما تم استهداف 159 مؤسسة صحية، وتدمير 30 مستشفى و55 مركزا صحيا.
وفي الحملة العسكرية الأخيرة على مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، اعتقل جيش الاحتلال عشرات من أفراد الطواقم الطبية الذين كان عددهم قبل اقتحام المجمع أكثر من 300 فرد، استشهد نحو 25 منهم خلال الاقتحام الأخير، منهم مدير دائرة الصيدلة، زاهر النونو، ومدير الصيانة، المهندس بهاء الكيلاني، كما اعتقل نحو 70 أخرين.
وكان من بين شهداء مجمع الشفاء طبيب جراحة التجميل أحمد المقادمة الذي استشهد خلال الاقتحام الأخير مع والدته الطبيبة يسرى المقادمة. يقول الطبيب محمد سميح، وهو أحد زملاء الشهيد المقادمة، إنه كان أحد الأطباء المتميزين الذين أجروا عشرات العمليات الجراحية أثناء العدوان، كما شارك في مئات المهام الطبية الصعبة، وكان ممن رفضوا النزوح من أجل مواصلة إنقاذ المرضى والمصابين الغزيين الذين كان يشرف على حالتهم الطبية.
يقول سميح لـ"العربي الجديد": "أعدم المقادمة بطريقة مروعة، إذ كان يداوم في مبنى الجراحة التخصصي حتى استشهاده هو ووالدته الطبيبة أيضاً، وكانا أثناء الحصار يقدمان الرعاية لعدد من المرضى داخل القسم الذي كان يضم مرضى من جميع التخصصات. لم تشفع لنا صفاتنا الطبية بالمطلق لتفادي انتهاكات الاحتلال، ومقتلهما شكل صدمة لنا، فقد كانا صائمين، وجميعنا لم يكن يتوفر لدينا الطعام طوال أيام".
اعتقل الاحتلال قرابة 310 من أفراد الطواقم الطبية العاملة في قطاع غزة
وحتى نهاية مارس/أذار الشهر الماضي، اعتقل الاحتلال قرابة 310 من أفراد الطواقم الطبية العاملة في قطاع غزة أثناء ممارسة عملهم، من بينهم مديرو مستشفيات، مثل مدير مجمع الشفاء الطبي، محمد أبو سلمية، ومدير مستشفى كمال عدوان، أحمد الكحلوت، ومدير مستشفى العودة، أحمد مهنا، وتؤكد بيانات وشهادات أن اعتقال الطواقم الطبية كان يشمل امتهان كرامتهم، واستجوابهم تحت التعذيب.
ونشر الاحتلال عبر منصاته الناطقة باللغة العربية مقطع فيديو يوثق التحقيق مع مدير مستشفى كمال عدوان، أحمد الكحلوت، والذي قد يكون أجبره الاحتلال تحت التعذيب والترهيب على القول إن المستشفى كان يؤوي عناصر مسلحة، في محاولة لتبرير اعتقاله وارتكاب مجزرة بحق النازحين المدنيين والطواقم الطبية.
وردت وزارة الصحة في غزة، في بيان، مؤكدة أن الاحتلال يواصل تزييف الحقيقة عبر استخدام اعترافات انتزعت تحت التهديد بالقتل، وأن الكحلوت هو أحد كوادر الخدمات الطبية العسكرية، وهي جسم رسمي يتبع وزارة الداخلية الفلسطينية، وضمن المكونات المعتمدة للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وكان مستشفى كمال عدوان منذ تأسيسه في عام 2002، مخصصاً للخدمات الطبية في شمال القطاع، وفي عام 2015، تم نقل الطواقم إلى المستشفى الإندونيسي، ليتحول مستشفى كمال عدوان إلى تقديم الخدمات الطبية العسكرية، ثم عاد خلال العدوان الحالي إلى تقديم الخدمات للعامة مع عدد قليل من المستشفيات العاملة في المنطقة، وكان آخر المستشفيات العاملة بعد أن اقتحم الاحتلال المستشفى الإندونيسي.
ويخبر مصدر من عائلة الكحلوت أن العائلة تعيش حالة من القلق الشديد، فهي ضمن آلاف العائلات النازحة التي لا تعرف طريقة للتواصل مع ابنها المعتقل، ولا يوجد أي تدخل من الصليب الأحمر الدولي لدى جيش الاحتلال لمتابعة أوضاع المعتقلين كما كان يجري سابقاً. ويقول المصدر لـ"العربي الجديد": "كان الطبيب أحمد الكحلوت يعمل على مدار الساعة في مستشفى كمال عدوان، ولم يلتق مع عائلته لأكثر من شهر ونصف الشهر، وكان يشعر بزيادة الخطر، خصوصاً بعد أن طلب الاحتلال إخلاء المستشفى الإندونيسي، لكنه رفض مغادرة المستشفى لأنه كان يضم عشرات من الجرحى الذين يحتاجون إلى متابعة مستمرة لأوضاعهم الصحية".
ويشدد المصدر على أن "الطبيب الكحلوت يحمل رتبة عميد، وهي رتبة وظيفية في جهاز الخدمات الطبية التابع لوزارة الداخلية الفلسطينية، وما ورد على لسانه حول وجود عناصر عسكرية من جهاز وزارة الداخلية هو أمر طبيعي، وضمن نطاق العمل، وكل ذلك جرى تحت التعذيب والترهيب".
وأفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت ثمانية من طواقهما من مركز إسعاف شمالي قطاع غزة، ودمرت مركبات الإسعاف، وجزءا من المبنى الإداري لمركز الإسعاف الذي كان يتواجد فيه 127 شخصاً من المسعفين والمتطوعين والنازحين وعائلاتهم، إضافة إلى عدد من الجرحى.
يقول مدير المركز، محمد صلاح، لـ"العربي الجديد": "وصلت قوات الاحتلال إلى دوار (زمو) شرقي بلدة جباليا، وأبلغت السكان بالإخلاء الفوري، وطلبت خروج كل الذكور فوق 15 سنة بشكلٍ منفرد، وخلعهم الملابس، وكان هناك عدد من المسعفين بصفتهم الطبية، لكنهم تعمدوا إهانتهم، وأجبروهم على خلع الملابس قبل الاقتراب من الآليات العسكرية، واقتيد العشرات نحو منطقة الكاشف، وأجبروهم على الجلوس على الأرض وسط التهديدات والشتائم". يضيف صلاح: "تعرض المعتقلون للتحقيق الميداني، ومن بينهم طاقم الإسعاف، وعشرات من النازحين، وبعد التعرف على هويات الموجودين، تم الإفراج عن غالبية المعتقلين في منتصف الليل، وطلب من المفرج عنهم السير، وعدم الالتفات لرؤية المتبقين، والاحتلال يواصل اعتقال 8 من متطوعي الهلال الأحمر".
واعتقلت قوات الاحتلال مدير مركز إسعاف خانيونس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، عوني الخطاب، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية، واثنين من الطواقم الطبية أثناء عملية إجلاء الجرحى والمرضى من المستشفى، على الرغم من أن العملية كانت تتم بإشراف منظمة الصحة العالمية، لكن لاحقاً افرج الاحتلال الإسرائيلي عن الخطاب، وأبقى الطبيب أبو سلمية رهن الاعتقال وسط تداول أخبار من سجون الاحتلال على أنه تعرض لتعذيب شديد من أجل نزع الاعترافات منه.
اعتقال أفر اد الطواقم الطبية أو الاعتداء عليهم انتهاك للقانون الدولي الإنساني
ويؤكد الحقوقي ناصر ريان أن اعتقال أفراد الطواقم الطبية أو الاعتداء عليهم في ظل الحرب الدائرة هو انتهاك صريح لقوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني، إذ تنص اتفاقية جنيف على توفير حماية خاصة للكوادر الطبية خلال أوقات الحرب، لكن الاحتلال يحاول دس الأسلحة في المستشفيات لتبرير جرائمه، أو يستعين بصور مفبركة تتداولها وسائل الإعلام الموالية له.
ويوضح ريان لـ"العربي الجديد"، أنه "في مايو/أيار 2016، أكد مجلس الأمن الدولي في قراره رقم (2286) حول حماية المدنيين أثناء الصراعات المسلحة والرعاية الصحية في الصراعات، أن الهجمات الموجهة عمداً ضد الطواقم الطبية والمستشفيات التي تحمل الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف، مثل المباني والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد تشكل جرائم حرب".
يتابع أنّ "القوانين الناظمة للتحقيقات الدولية في جرائم الحرب لا تكتفي بتقديم أدلة مثل إجبار الرهائن على حمل السلاح، أو تصويرهم وهم يحملون أسلحة أثناء خروجهم من مستشفيات وغيرها مثلما يفعل الجيش الإسرائيلي لتبرير انتهاكاته العسكرية ضد المنشآت الطبية. الاحتلال يود جمع أدلة مصنوعة، وهذه ليست أدلة كافية، فالمحاكم الدولية تعنى بتقديم أدلة قوية ومنطقية لاستخدام المنشآت. المحاكم الدولية لم تفعل شيئاً تجاه جرائم عام 2014، وعام 2021، وهناك ضغوط خفية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ضعف التمثيل من السلطة الفلسطينية في إتمام إجراءات الوصول إلى المحاكم".
ويرى ريان أنه "سيكون عاراً على منظومة حقوق الإنسان العالمية ألا تحاكم مجرمي الحرب في قطاع غزة، ويجب الإسراع بالتحقيق في تلك الجرائم في ظل وضوح كافة الأدلة وأركان الجريمة الإنسانية، فالاحتلال الإسرائيلي ارتكب جرائم مكتملة الأركان تشمل قتل المدنيين والأطفال، والاعتداء الوحشي على المستشفيات، وعلى الطواقم الطبية، وعلى النازحين، ونبش القبور، وسحق الجثث تحت جنازير الدبابات".