لا تزال قضية العرض المسرحي لطلاب من مدرسة بلدة عناتا، شمال شرق مدينة القدس، ورغم مرور أكثر من شهرين عليه الأكثر تداولاً، خاصة بعد حملات الدهم الأخيرة التي نفذتها قوات الاحتلال، والتي أدت إلى اعتقال مدير المدرسة وأحد المربين وأحد الطلبة بزعم "التحريض على قتل اليهود".
وأظهر مقطع فيديو تضمن مشاهد من المسرحية الطلاب وهم يوجهون "أسلحة" إلى طلاب آخرين يرتدون زي مستوطنين متدينين معصوبي الأعين وجاثين على ركبهم، بينما يلوح بعض الطلبة الذين انخرطوا في العرض المسرحي بالعلم الفلسطيني، فيما يوجه آخرون ملثمون أسلحة لطلاب آخرين يرتدون زي مستوطنين متدينين، على وقع أغاني فلسطينية حماسية بحضور العشرات من أولياء الأمور الذين كانوا يهتفون ويصفقون.
العرض المسرحي هذا التقطته وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن بينها صحيفة "إسرائيل اليوم" اليمينية لتفرد له مساحة واسعة من التغطية تضمنت تساؤلات لأجهزة الأمن الإسرائيلية حول هذا العرض، ولماذا لم تلاحق من شارك فيه ومن وقف من ورائه، في إشارة إلى إدارة المدرسة التي حملت المسؤولية المباشرة عن هذا العرض المسرحي.
وكانت مدرسة ذكور عناتا الثانوية احتفلت بتخريج طلاب التوجيهي في 20 من شهر مايو/ أيار الماضي، وأطلق على الفوج تسمية " فوج شيرين أبو عاقلة "، بينما حُظرت صفحة "أبناء عائلات عناتا" على تطبيق "تيك توك"، التي نشر فيها مشهد المسرحية عن المسجد الأقصى، بعد أن نشرت القناة 13 العبرية تقريراً عن المسرحية.
أما على صعيد المواقف الحزبية في إسرائيل، فقد اعتبر النائب الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، في تعليق له على تويتر، أن الحادث يشكل "تحريضاً ضده على وجه التحديد"، بحجة الطالب الذي كان يرتدي ملابس دينية تقليدية، بما في ذلك (القبعة) البيضاء، وغالباً ما يُرى بن غفير وهو يرتدي قبعة بيضاء مماثلة.
بينما ذهبت المطالبات لدى تلك الأحزاب ودوائر إسرائيلية أخرى إلى المطالبة بفرض عقوبات مشددة على أهالي بلدة عناتا، من قبيل إغلاق مدخلها الشمالي الرئيس الذي يربطها بالضفة، علماً بأن مدخلها الغربي من ناحية مخيم شعفاط يمنع على أهالي البلدة الوصول للقدس.
وفي هذا الإطار، نشر موقع "كان" العبري أن قوات حرس الحدود والشرطة ستقومان بإغلاق منطقة شرقي القدس، والسيطرة بشكل كامل على مداخل بلدة عناتا في القدس، اعتباراً من الشهر القادم على أثر "تمثيل فيديو يحرض على العنصرية والسامية في دولة الاحتلال".
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الإسرائيلية إنه سيصار إلى محاسبة كل من شارك في هذا التمثيل سواء من بعيد أو من قريب، مضيفًا "إنه لن يستثني من ذلك كل من حاول نشر الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي، وسيكون هناك عقاب جماعي لجميع سكان المنطقة".
بدوره، قال أيوب الرفاعي الوكيل المساعد للشؤون التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية لـ"العربي الجديد": "إن المسرحية قامت بها مجموعة من طلبة مدرسة ذكور عناتا وتحدثت عن اعتداءات المستوطنين وضرورة ردعهم ، لكنّ الجانب الاسرائيلي اعتبرها تحريضاً ضد المستوطنين، وسمعنا بالتهديد ثم بالاعتقال لمدير المدرسة وأحد معلمي المدرسة".
واستبعد الرفاعي قيام الاحتلال بإغلاق المدخل الشمالي الرئيس لبلدة عناتا على هذه الخلفية وقال "بالنسبة لإغلاق الممر الشمالي لا أعتقد أن يتم ذلك لسبب أن معبر مخيم شعفاط سيشكل خطراً عليهم أكثر، لأنه الممر الأصلي وبالتالي سيشهد مواجهات مستمرة، لذا الممر الشمالي هو متنفس لأهالي عناتا ومخيم شعفاط".
وعن موقف وزارة التربية والتعليم الفلسطينية من استهداف مدير المدرسة وأحد معلميها واتهامهما بالتحريض، قال الرفاعي "نحن نبلغ الجهات التي تعمل معنا في مجال الانتهاكات الإسرائيلية وهم بدورهم يتابعون ملف الاعتقال وفي العادة النرويجيون يتولون هذه الأمور".
في حين، قال الناشط المقدسي نزار عليان في تعليقه على حملة التحريض على أهالي بلدة عناتا لـ "العربي الجديد": "هذه سياسة الاحتلال المستمرة منذ احتلال فلسطين 1948، ومنذ احتلال القدس 1967، وهو التضييق على سكان القدس الشرقية في شتى مجالات حياتهم. كما أن جهاز التعليم في المدن المختلطة وخاصة شرقي القدس على وجه الخصوص مستهدف بشكل مباشر منذ احتلال المدينة".
ووفق عليان، فإن أوجه الاستهداف كانت تتعلق بتحديد المناهج وسياسة الإهمال لظروف ومنظومة التعليم ومؤخراً السعي الحثيث لاستبدال المنهاج الفلسطيني بنظام "البجروت"، أي (الثانوية العامة).
يقول عليان "نحن نشاهد ونلمس معاناة طلاب المدارس في القدس الشرقية منذ عشرات السنين، ونرى الفرق بين المدارس والظروف التعليمية في مدارس شرقي القدس وبين المدارس في الجانب الغربي، من ناحية بنى تحتية، وتوفر مدارس وصفوف، وتوفر برامج متنوعة، واكتظاظ للصفوف، فهذه سياسة ممنهجة ومتبعة من البلدية ووزارة المعارف الإسرائيلية ومن خلفهم حكومة الاحتلال باستهداف العلم والتعليم في المناطق العربية".
ويتابع عليان "بالتالي جاءت هذه القضية في عناتا مؤخراً وقد اتخذتها الوزارات الإسرائيلية والأجهزة الأمنية الاحتلالية ذريعة وشماعة لتضييق الخناق على بلدة عناتا وعلى أهلها ومؤسساتها المختلفة، وقد اتخذت طابعاً تحريضياً كبيراً في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، وأصبحت تطرح على طاولة نقاش أجهزة شرطة وأمن الاحتلال".