استهداف المفكرة القانونية في لبنان: ضربة للتوعية الحقوقية

17 ابريل 2023
المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية (فيسبوك)
+ الخط -

لا تزال قضيّة التعديلات الأخيرة التي أقرّها مجلس نقابة المحامين في لبنان بشأن الظهور الإعلامي للمحامين تتفاعل، ولا سيما مع استدعاء المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية أمام مجلس النقابة للاستماع إليه الخميس المقبل، مع حديث جدي عن احتمال شطبه من الجدول.

واشترطت التعديلات التي نشرت في 17 مارس/ آذار الماضي على المحامين الحصول على إذن مسبق من النقيب ناضر كسبار قبل أي إطلالة إعلامية، وقبل نشر أي تغريدة أو ملصق، وقبل المشاركة بأي ندوة ذات بعد قانوني أو إبداء رأي قانوني.

وتقدّم 12 محامياً بالطعن لإبطال التعديلات أمام محكمة الاستئناف، باعتبار أنها مخالفة لأحكام الدستور والاتفاقيات الدولية وبعض القوانين الداخلية التي تصون الحق في حرية التعبير والرأي، في حين تقدم صاغية بعد تبلغه قرار استدعائه بطعن ثانٍ وبشكل منفرد.

ويثير استدعاء المحامين، وبينهم صاغية، موجة غضب عارمة في صفوف حقوقيين ومحامين وناشطين، ولا سيما للدور الذي يقوم به مع المفكرة القانونية وهي المؤسسة الأكثر متابعة في لبنان للقضايا الحقوقية السياسية والمرتبطة بالفئات المهمشة. 

تأسست المفكرة القانونية في ديسمبر/ كانون الأول 2009 على يد مجموعة من القانونيين والباحثين وناشطي حقوق الإنسان، الذين ضافروا جهودهم لبناء مقاربة نقدية ومتعددة التخصصات للقانون والعدالة في الدول العربية، مع تركيز خاص على الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية.

وتتخذ المفكرة، وفق ما تعرف عن مهمتها، منذ تأسيسها هدفاً أساسياً هو سدّ فجوتين في المجتمعات العربية، الأولى تفصل الدراسات القانونية عن العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، والثانية تفصل بين البحث والنشاط الميداني.

ويقول الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي وسام اللحام، والذي ينشر مع المفكرة القانونية منذ 2013 بشكل دوري مقالات حول الحياة الدستورية وتطور النظام السياسي اللبناني، لـ"العربي الجديد": "دور المفكرة رائد وينطلق من فكرة استخدام القانون للدفاع عن المجتمع وليس السلطة، ويجعل المجتمع والأطراف المهمشين يفرضون جدول أعمال على المنظومة".

وضمن تعريفها، فإن جميع المهام الأساسية للمفكرة تصبّ في الهدف المتمثل في قلب العلاقة التقليدية بين النخب السياسية والاقتصادية في الدول العربية من جهة، وبين القانون من جهة أخرى. فإذا حدث ذلك، وبدلاً من أن يبقى القانون أداةً في أيدي الجهات النافذة المهيمنة لحماية مصالحها الخاصة، يصبح القانون سلاحاً في يد الشرائح الأكثر هشاشة في مجتمعاتنا، فيغذّي الحراكات من أجل العدالة الاجتماعية، الحرية، والمساواة وفق مبادئ ثورات 2011 العربية وانتفاضة 2019 في لبنان.

ويلفت اللحام إلى أن من مزايا المفكرة أنها تغطي مختلف القضايا، وليس قضية واحدة فقط على صعيد الانتخابات، الجندر، والأهم القانون بمعناه الواسع والشامل. وأبرز ما في ذلك المرصد البرلماني، إذ هناك فريق متخصص يراقب عمل مجلس النواب التشريعي والسياسي ويعلق على كل اقتراحات القوانين التي يتقدّم بها النواب ويضيء عليها بنقاطها السلبية والإيجابية، مع تعليق دائم على كل الملفات والاستحقاقات الدستورية.

ويشير اللحام إلى أن المفكرة تقوم بوظيفة توعوية تساعد الناخبين والمواطنين اللبنانيين ليعرفوا فعلياً ماذا يحدث في مجلس النواب، وإعطاء المعلومات الدقيقة والمفصّلة والصحيحة التي لا تعطيها السلطة ولا حتى وسائل الاعلام، لافتاً إلى أن نشاط المفكرة لا يقتصر على لبنان، بل يشمل تونس، مصر، المغرب، الأردن، فلسطين المحتلة، وبلدانا أخرى. لكن نشاطها أوسع في لبنان وقد خفّ في دول عربية نتيجة القمع الحاصل، ومنه ما يحصل أخيراً في تونس والضغوط التي تتعرض لها.

ويعتبر اللحام أن ما يحصل بالمفكرة يخصّ مديرها الذي بدلاً من أن يستخدم وكافة المحامين الحصانة الممنوحة إليهم للدفاع عن المجتمع، باتت وسيلة ليمارس نقيب المحامين رقابته على هؤلاء بمنحهم الإذن بالحديث أم لا، مشيراً إلى أن هذه الممارسات اعتباطية لأن الحرية يجب أن تكون المبدأ والرقابة هي الاستثناء، بينما ما يفعله النقيب هو العكس تماماً إذ قلب المعايير كلّها. وللأسف، تتحول نقابة المحامين إلى ذراع قمعي جديد يضاف إلى وسائل القمع التي طوّرها النظام، وخصوصاً بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية. 

ويرى اللحام أن المعركة اليوم مصيرية. وإذا خسرناها للأسف، فسنكون أمام تراجع للحقوق والحريات في لبنان.

من جهته، يقول المحامي مازن حطيط لـ "العربي الجديد"، إن الأساس هو الاعتراض على التعديلات التي قام بها مجلس نقابة المحامين، والتي تعتبر عملية كمّ أفواه للمحامين المعارضين للنظام. يضيف: "نعتبر أن القرارات التي صدرت عن نقابة المحامين تصبّ في مصلحة النظام السياسي الذي عمل على تطويع القضاء واليوم يحاول تطويع المحامين ولا سيما المعارضين منهم".

ويرى حطيط أن الاستهداف باستدعاء صاغية بصفته المدير التنفيذي للمفكرة القانونية هو دليل أكبر على أن التعديلات هذه تطاول الفئة التي تزعج النظام وتضيء دائماً على الخلل الذي ترتكبه المنظومة بالشق القانوني، والتي لديها حتماً مشكلة في التوعية القانونية الحاصلة والتي تلعب دورها المفكرة.

ويجد حطيط أن الاستهداف هو للمحامين المعارضين وليس كما يحاولون تظهيره بأنه ضبط فوضى الدعايات، فصاغية مثلاً لا علاقة له بالدعاية، ولكن الحقيقة أن هناك نظاماً مزعوجا يحاول تطويع المحامين المعارضين.

إجرائياً، يقول حطيط إنه لا قرار بعد بشطب صاغية عن جدول المحامين، لكن دعوته للمثول أمام مجلس النقابة تحصل عادة عندما يكون هناك قرار بإجراء شطب إداري، وهذا يختلف عن الإجراءات التي تتخذ عندما يتم مخالفة الأنظمة المرتبطة بالمهنة. بالتالي، فإن طريقة الاستدعاء للمثول أمام المجلس من دون تحديد سبب الدعوة وتفاصيلها مثيرة للريبة وتؤكد أنهم يتجهون للسير بإجراء إداري هو الشطب. وهذا خطير جداً بأن تكون المحاسبة على رأي سياسي وليس لمخالفة الأنظمة.

ويشدد حطيط على أن معركتنا اليوم هي حول دور النقابة وتثبيته والذي يجب أن يكون جامعاً للمحامين لا تجييشيا ضد بعضهم البعض ولتفرقتهم.

ويلفت حطيط إلى أن المفكرة هي جزء من تشكيل الوعي المعرفي والقانوني في البلد، وهي المؤسسة الوحيدة التي تقدم هذه الخدمة وبمجانية للناس بملاحقة قضايا الفساد والفئات المهمشة وتضيء على العديد من الخلل الحاصل، ودراسات قانونية سليمة، وبالتالي، فإن أي استهداف للمفكرة وصاغية هو لهذا الدور من منطقة ضرب أي محاولة لإنشاء وعي داخل البلد.

المساهمون