استهداف الباحثين لا يتوقف: السجن ثمن العودة إلى مصر

25 ديسمبر 2021
مظاهرة سابقة تطالب بالإفراج عن الباحث باتريك جورج (اندريا رونتشيني/ نورفوتو/ Getty)
+ الخط -

برزت، على مدار السنوات الماضية، ظاهرة تصيد المعارضين المصريين في الخارج، بمن فيهم الباحثون، من خلال استهدافهم أمنياً، بمجرد عودتهم إلى مصر، بل إن الكثيرين منهم ألقي القبض عليه في قلب مطار القاهرة الدولي.

هذه الظاهرة رصدتها العديد من التقارير الحقوقية والبحثية، وآخرها ورقة موقف بعنوان "لا تتوقف" صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير، عن استهداف الباحثين المصريين بالخارج.

وحسب الورقة، ‏يتعرض الباحثون المصريون من دارسي الماجستير أو الدكتوراه، وكذلك ‏الحاصلون على منح تعليمية مختلفة، والمشاركون في تبادلات وفق بروتوكولات مشتركة مع ‏جامعات أجنبية، لأشكال متعددة من التضييقات والانتهاكات التي لم تتوقف منذ أكثر من خمس سنوات تقريباً.

‏وبحسب تتبع وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير لعدد من النماذج التي تعرضت لتلك الانتهاكات، فإن تلك الانتهاكات تنوعت من حيث طبيعتها، وكذلك من حيث طبيعة القائمين عليها؛ بداية من المراقبة والملاحقة والتتبع، سواء بشكل عام، أو استهداف البعض منذ لحظة مغادرتهم البلاد، مروراً بالتعنت والتهديد الدبلوماسي الذي يتعرض له أولئك الباحثون المقيمون في الخارج لأسباب متعددة، وصولًا إلى القبض عليهم فور وصولهم إلى البلاد، سواءٌ كانت عودتهم نهائية ‏بعد انتهاء مهمتهم التعليمية، أو كانت إجازة قصيرة لرؤية الأهل والأسرة.

وعلى المستوى السياسي، ‏حذرت ‏وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ‏نبيلة مكرم، في يوليو/ تموز الماضي، من أن الدارسين المصريين بالخارج هم أخطر شريحة من المهاجرين، نتيجة عدة عوامل، على رأسها "الأفكار المغلوطة التي يتعرضون لها من أصحاب التوجهات المعادية لمصر".

ولم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها وزيرة الهجرة للمصريين بالخارج من خلال تصريحاتها، التي تشير إلى مراقبة الدولة كلَّ ما يصدر من تصريحات أو أبحاث عن المصريين بالخارج. فقبل عامين قالت إنها اجتمعت مع مغتربين مصريين في كندا، وزعمت أنها طرحت سؤالاً على الحاضرين عمَّا يمكن أن يفعلوه بالشخص الذي يدلي بكلام سلبي عن وطنه، وقالت إن أحد الحاضرين رد بأنهم سيقطعون رقبته، وأضافت أنها ردت عليه بـ"سنفرمه فرماً".

وتمكنت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصد  خمس حالات على الأقل لباحثين مصريين تعرضوا للقبض عليهم عقب عودتهم إلى القاهرة، بينهم اثنان لا يزالان قيد الحبس إلى الآن، حكم عليهما بأحكام مشددة من قبل محاكم استثنائية.

وتستهدف الأجهزة الأمنية الباحثين المصريين بالخارج عند عودتهم لسببين، وفقاً لرصد حرية الفكر والتعبير، السبب الأول يتعلق بتعبير بعض الباحثين المصريين بالخارج عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي الناقدة لسياسات الحكومة، خاصة تلك المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، وهو ما ينطبق على حالة طالب الماجستير المصري أحمد سمير سنطاوي، الذي أصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في 22 يونيو/ حزيران 2021 حكمها القاسي عليه بالسجن 4 سنوات وغرامة 500 جنيه في القضية رقم 774 لسنة 2021 جنح أمن الدولة طوارئ، والمقيدة برقم 877 لسنة 2021 حصر نيابة أمن الدولة العليا.

وفي السياق، أخلت محكمة أمن الدولة طوارئ المنصورة سبيل طالب الماجستير بجامعة بولونيا والباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، باتريك جورج، في ديسمبر/ كانون الأول 2021 على ذمة محاكمة كان قد أحيل إليها في سبتمبر/ أيلول من نفس العام بعد ما يقرب من مرور 19 شهراً على حبس نيابة أمن الدولة له احتياطيّاً على ذمة التحقيق في اتهامه بنشر أخبار كاذبة.

وفي السياق، كانت علياء مسلم الباحثة ‏المختصة في التاريخ الشفاهي نموذجاً عاكساً إلى درجة بعيدة ‏حقيقة المشهد؛ حيث ألقي القبض على مسلم فور وصولها إلى مطار القاهرة يوم 11 يوليو/ تموز 2021، أي بعد يومين فقط من تصريح وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج الشهير ضد الباحثين المصريين بالخارج.

ولا يعد التعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي هو الهاجس الوحيد للأجهزة الأمنية الذي يدفعها إلى استهداف الباحثين المصريين في الخارج عند عودتهم إلى مصر، بل إن مجرد العمل والاشتباك مع مساحات أكاديمية تتوجس السلطات المصرية منها قد يعني أن عودتك إلى مصر خطأ يدفع بك إلى السجن، كما في حالة الباحث المصري المتخصص في شؤون المجتمعات المهمشة، إسماعيل الإسكندراني، الذي تركز نشاطه البحثي قبل القبض عليه على النشاطات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية تضعه على قوائم ترقب الوصول للقبض عليه مباشرة عند وصوله إلى مصر، وهو ما تم بالفعل، حيث ألقت سلطات أمن مطار الغردقة القبض على الإسكندراني فور وصول طائرته القادمة من برلين في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

وفي سياق مشابه، ألقت أجهزة الأمن المصرية، في مايو/ أيار 2018، القبض على باحث الدكتوراه بجامعة واشنطن وليد سالم، أثناء وجوده في مصر، بعد لقاء أجراه الباحث مع أحد أعضاء هيئة التدريس المصريين كجزء من عمله على بحث الدكتوراه الخاص به، والذي يتناول تاريخ القضاء المصري.

وطالبت مؤسسة حرية الفكر والتعبير رئيس الجمهورية المصرية عبد الفتاح السيسي باستعمال ما يخوله له القانون من إلغاء حكم محكمة الطوارئ على الباحث أحمد سمير سنطاوي والإفراج الفوري عنه، والعفو عن الباحث والصحافي إسماعيل الإسكندراني.

كذلك طالبت حرية الفكر والتعبير وزارة الداخلية بالتوقف الفوري عن استهداف الباحثين المصريين في الخارج على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو اختيارهم لمواضيعهم الأكاديمية.

المساهمون