أطلق أساتذة ومعلّمو المدارس الخاصّة في لبنان صرخة تحذيريّة تطالب حكومة تصريف الأعمال وبعض أصحاب المدارس بتلبية مطالبهم المعيشيّة وسط الأزمة الخانقة، بعدما باتوا عاجزين عن الصمود وحتّى عن تحمّل كلفة الوصول إلى المدرسة.
وعلى وقع تهديداتٍ بالتصعيد بدءاً من الأسبوع المقبل في حال لم تلقَ مناشدتهم الآذان الصاغية، نفّذ اليوم (الأربعاء) أساتذة القطاع الخاص إضراباً عامّاً في مختلف المحافظات والمناطق اللبنانية، اقتصر على التجمّع في مراكز نقابة المعلّمين المنتشرة على مستوى البلاد، بعدما حال ارتفاع كلفة الوقود دون تنظيم تظاهرات واعتصامات مركزية.
الإضراب الذي يتزامن مع توقّف التعليم الرسمي للأسبوع الرابع على التوالي، وينذر بخطورة محدقة بالتعليم الخاص على حدّ سواء، كانت قد سبقته إضرابات في بعض المدارس الخاصّة منذ أول من أمس (الإثنين). وبلغت نسبة الالتزام به اليوم 90 في المائة، بحسب نقيب المعلمين في لبنان نعمة محفوض، الذي ربط امتناع بعض الأساتذة عنه بـ"إمّا لتعرّضهم لضغوطات وتهديد بالصرف من قبل إدارات مدارسهم، أو لكونهم يرون أنّ المدرسة غير مقصّرة تجاه حقوقهم".
وفي السياق، كان الاتحاد العمالي العام في لبنان قد أعرب عن "قلقه من ضياع العام الدراسي، بعدما فقد المعلمون الأمل بتحقيق الحد الأدنى من مطالبهم المحقة".
يضمّ قطاع المدارس الخاصة أكثر من ستمائة ألف تلميذ وزهاء عشرين ألف معلم
وأضاف في بيانه: "يعمّ الإضراب في القطاع التربوي، من الرسمي الذي يضمّ أكثر من خمسين ألف معلم وألف وثلاثمائة مدرسة رسمية ونحو أربعمائة ألف طالب، إلى الخاص، الذي يضمّ أكثر من ستمائة ألف تلميذ وزهاء عشرين ألف معلم. فضلاً عن امتناع المدرّبين في الجامعة اللبنانية عن الحضور جزئيّاً وتوصية من رابطة الأساتذة المتفرغين وغيرهم من المتعاقدين بالعودة إلى التعليم عن بعد. هذا إذا لم يكن العودة إلى الإضراب، ما يقضي على آخر أمل للبنانيّين بمستقبل أبنائهم وحقّهم في التعلّم".
وبدا لافتاً امتعاض عددٍ من لجان الأهل من بعض إدارات ومالكي المدارس الخاصّة، "لا سيّما تلك التي تتقاضى الأقساط بالدولار الأميركي جزئيّاً أو كليّاً"، مبدين استياءهم من "الإضرابات وما يقابلها من مقاربات غير مقبولة، من ضمنها التلويح بزيادات جديدة في الأقساط، كما رفضهم التقليل من أيام الدراسة الأسبوعيّة، نظراً لانعكاس ذلك على المستوى التعليمي للتلامذة، الذين لن نقبل بتحوّلهم إلى أداة في أيّ مواجهة أو إلى رهائن ومكسر عصا".
وأوضح مصدر تربوي لـ"العربي الجديد"، أنّه "لا علاقة لتزامن تقديم موازنات المدارس الخاصّة مع الإضراب التحذيري اليوم، إذ إنّ مهلة التقديم تُمدّد كلّ سنة لغاية آخر شهر يناير/كانون الثاني، خصوصاً أنّ وزير التربية مدّد أيضاً مهلة تقديم لوائح أسماء التلامذة في المدارس الخاصّة، نظراً لاستمرار استقبالها تلامذة من التعليم الرسمي لغاية تاريخه"، لافتاً إلى أنّ "بعض المدارس لا تفتح أبوابها أصلاً يوم الأربعاء".
وفي اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، أوضح نقيب المعلمين أنّ "الإضراب اليوم صرخة بوجه بعض أصحاب المدارس الخاصّة الذين أخلّوا بالاتفاق المبرم مع نقابة المعلمين منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، والذي يقضي بزيادة رواتب الأساتذة ثلاثة أضعاف أسوة بزملائهم في التعليم الرسمي، إضافة إلى تخصيصهم بمساعدة مادية بالدولار الأميركي، والمساهمة في دعم صندوق التقاعد".
وناشد "حكومة تصريف الأعمال تخصيص بدل نقل مساوٍ للبدل الذي أقرّته لأساتذة التعليم الرسمي، كما صرف رواتب أساتذة القطاع الخاص المتقاعدين وفق سعر صيرفة، أسوةً بالمتقاعدين من موظّفي الدولة، وبالتالي دعم صندوق التعاضد الخاصّ بالمعلّمين. فالبلاد في حالة انهيار كبير وسعر صرف الدولار وصل إلى حدّ الستين ألف ليرة لبنانية وصفيحة البنزين أصبحت نحو مليون و200 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً أميركيّاً وفق سعر الصرف في السوق الموازية)، وبالتالي لم تعد رواتب الأساتذة تكفي يوماً أو بالكاد يومين".
وكشف محفوض أنّ المعلمين "متّجهون نحو التصعيد ابتداءً من الأسبوع المقبل، في حال لم تستجب الحكومة وأصحاب المدارس لصرختهم"، مضيفاً: "أصبح العام الدراسي في دائرة الخطر، لكنّنا لسنا المسؤولين عن تعطيله أو عن انهيار القطاع التربوي، بل كلّ المعنيّين الذين يتسبّبون بانهيار القطاعات كافّة".
بعض المدارس الخاصّة تتهرّب من التدقيق المالي وتتقاضى الأقساط بطريقة عشوائية
وكان وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي قد أعلن أنّ "مطالب المعلّمين والجامعة اللبنانية أصبحت على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المرتقبة". كما ترافق الإضراب التحذيري مع جولات لنقابة المعلمين على المرجعيات السياسية والمعنيّين بالشأن التربوي في البلاد.
من جهتها، أكّدت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصّة لما الطويل التمسّك بشعار "التدقيق المالي يقرّر قيمة الدفع"، كاشفةً لـ"العربي الجديد"، أنّ "بعض المدارس الخاصّة تتهرّب من التدقيق المالي وتتقاضى الأقساط بطريقة عشوائية، ويتمّ بالتالي انتهاك القوانين. لذلك، نطالب بإخضاع كلّ المدارس للتدقيق والتأكّد من التزامها بالتعميم 33 الصادر عن وزير التربية. وإذ نأبى هدر حقوق الأساتذة، نرفض أخذ أولادنا رهائن، وسنقوم بواجبنا وندفع الحقّ لكلّ مدرسة تُثبت بشفافيّة أنّها متعثّرة".
وختمت بالقول: "كان من المفترض أن تجتمع اليوم لجنة الطوارئ في وزارة التربية، والمؤلّفة من اتحاد لجان الأهل ونقابة المعلمين وإدارات المدارس، غير أنّهم أبلغونا بتأجيل الاجتماع إلى بعد غدٍ (الجمعة). وعلى ضوء المحادثات سنبني على الشيء مقتضاه. فلقد كنّا وسنبقى الأحرص على القطاع التربوي، وستبقى اجتماعاتنا مفتوحة".
بدورها، المعلّمة يانا سمراني تحدّثت عن "مشكلة كبيرة في القطاع الخاص، إذ إنّ إعطاء جزء من رواتب الأساتذة بالعملة الصعبة وتقديم مساعدات محدودة كبدل نقل في ظلّ الارتفاع المخيف في أسعار الوقود لا يحلّ الأزمة، كون هذه المساعدات لا تدخل ضمن عداد احتساب راتب التقاعد والدرجات. لذلك، فإنّ الأولويّة تكمن بزيادة أساس الراتب أسوة بالرسمي والتزاماً بقانون (وحدة التشريع). فلا يمكن الاستمرار براتب أقلّ من الحد الأدنى للأجور، بحيث لا يتجاوز راتب بعض الأساتذة مليوناً ونصف المليون ليرة (نحو 25 دولاراً أميركيّاً وفق سعر الصرف في السوق الموازية) وهو راتب لا يكفي حتّى لتسديد الضرائب التي فرضتها الدولة أخيراً".
وفي حديثها لـ"العربي الجديد"، استنكرت سمراني "ممارسات بعض المدارس الخاصّة التي تتقاضى جزءاً من الأقساط بالدولار وتمعن في إعطاء المعلّمين رواتب زهيدة، كما أنّ تلك المدارس تقمع حريّة الأساتذة في التظاهر أو الإضراب، وتهدّدهم باستخدام صلاحيّتها بصرفهم وعدم تجديد عقدهم السنوي"، قائلةً: "للأسف لسنا متفائلين، فنحن أمام تحدٍ حقيقيّ يمسّ مهنة التعليم ككلّ".