إدلب: أموال من هدايا غرف الدردشة

22 يونيو 2023
أحد سكان إدلب في دردشة على الإنترنت حول الطبخ (أحمد الأطرش/ فرانس برس)
+ الخط -

يعتمد مئات من العاطلين عن العمل الذين يعيشون في خيام تنتشر في مناطق متفرقة من ريفي إدلب الشمالي والغربي، على برامج عبر الإنترنت كمصدر رزق لتأمين احتياجاتهم الحياتية، وسط معاناتهم من الفقر والنزوح وانعدام الفرص.
ومن أشهر هذه البرامج "يلا شات" و"لودو" و"هلا شات" وغيرها للدردشة الصوتية الجماعية التي ترتكز على التسلية والتعارف، وجمع "كوينز" (عملات مشفّرة) يمكن تحويلها إلى أموال حقيقية يدفعها الموقع مع أخذ حصة نسبية منها، من خلال ألعاب وجلسات ترفيه وإقامة حفلات والمسابقات تتعلق بمعلومات عامة وأمثال شعبية ونهفات ونكات وحكايات وغيرها. وتحتضن جميع هذه النشاطات غرف دردشة ينضم إليها مشاركون.
وغرف الدردشة عبارة عن مجموعات (كروبات) أشبه بتلك التي في "واتساب"، ويتواجد فيها مئات من النساء والرجال الذين ينضمون إلى غرف للدردشة الصوتية تجمع فيها هدايا "كوينز" تحوّل إلى مستخدمين يعيدون بدورهم بيعها، ما يشكل لب العمل لدر أرباح.
وينثر مستخدمون غالبيهم من دول الخليج هدايا على غرف الدردشة الصوتية خاصة تلك التي تضم نساءً، بهدف استقطابهن للتعرف عليهن، والتحدث إليهن. تجتمع أسرة فؤاد البيوش المؤلفة من زوجته وأولاده الأربعة وابنتيه، وجميعهم نزحوا من مدينة كفرنبل إلى مدينة الدانا، حول أجهزة هواتف خليوية لساعات محددة يومياً قد تتجاوز الخمس لمحاولة الحصول على أكبر قدر من "الكوينز"، وتقوية حسابات غرف الدردشة الخاصة بهم، في إطار عمل يومي باتوا يثابرون على تنفيذه لتحقيق مكاسب.

يخبر فؤاد "العربي الجديد" أن العمل في برنامج دردشة "يلا شات" وفر له ولأفراد عائلته فرص عمل تدر عليهم مبلغا يصفه بأنه "جيد، ويكفي لتغطية مصاريف الطعام والشراب، وأجور المنزل وخدمة الإنترنت التي ارتفعت كلها بشكل كبير لدرجة عدم قدرة أي نازح فقير على مجاراتها". ويقول: "العمل عبر تطبيق يلا شات سهل ومربح، ولا يحتاج إلى جهد. يكفي أن ينفّذ المستخدم بضع خطوات يومية عبر الدخول إلى غرف الدردشة أو الغرفة الخاصة بالمشترك لمدة خمس ساعات يومياً، ويمنح خمس علامات إعجاب لمنشورات عامة، ويرسل خمس رسائل إلى أصدقاء، ويشتري ثلاث قبعات بواسطة كريستالات يحتويها رصيد كل حساب لمضاعفة أرباحه التي تزداد أيضاً كلما زادت الحسابات والأجهزة والعاملون عليها".
يتابع: "أملك أكثر من عشرة أجهزة خليوية يتضمن كل منها 80 حسابا أعمل عليها يومياً بالتعاون مع أفراد أسرتي، وأبيع ما أجمعه من كوينز لوسطاء عبر التواصل المباشر معهم، والاتفاق على سعر بالدولار".

العمل على بعض برامج الإنترنت سهل ولا يحتاج إلى جهد (دليل سليمان/ فرانس برس)
العمل على بعض برامج الإنترنت سهل ولا يحتاج إلى جهد (دليل سليمان/ فرانس برس)

وهذا الوسيط هو شخص يقيم في إدلب يصرّف الأموال الرقمية مقابل عملة عالمية والعكس، ويؤمّن للمستخدمين عملية البيع والشراء بأفضل سعر، وبطرق آمنة، وأحدهم خالد العيدو الذي يشتري "كوينز" من المستخدمين، ويقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في هذا المجال منذ عام 2020، وأشتري كوينز من مستخدمين للتطبيقات في مناطق إدلب وريفيها الشمالي والغربي بسعر يحدده تجار عموماً، ويتراوح عادة بين 3.6 و4 دولارات لكل ألف كوينز".
ويشير إلى أنه يشتري أيضاً حسابات قديمة ذات مستوى متقدم بسعر 10 دولارات لكل حساب، ويبيعها مع "كوينز" لمشتركين خليجيين يشترونها بأسعار أعلى ويعيدون نثرها مجدداً في غرف الدردشة، أو عبر إرسال هدايا خاصة لأصدقائهم على التطبيق.
بدورها، تمضي سناء البركة (33 عاما) معظم وقتها في خيمتها للعمل بالتعاون مع زوجها على برنامج "يلا شات" الذي يعتبرانه مصدر رزقهما الوحيد، بعدما نزحا مع أولادهما الأربعة من قرية في جنوب إدلب إلى مخيمات سرمدا شمالي إدلب.
وتقول سناء لـ"العربي الجديد": فشلت كل المحاولات التي بذلها زوجي لإيجاد عمل لأنه لا يملك شهادات أو وساطة، ولا يجيد سوى الأعمال الزراعية في أرضه التي فقدها بعد النزوح، لذا لم نجد إلا حل العمل على الإنترنت، والحصول على أموال من خلال تحويل العملات الإلكترونية إلى أموال حقيقية، والاستعانة بها في تأمين قوت أطفالنا". 

ورغم جاذبية العمل على هذه البرامج التي تفتح آفاقاً جديدة للحالمين بالحصول على مصادر سهلة للرزق، وجني مكاسب من التداول بها، يظهر وجه سلبي آخر يتعلق بتعطيل الشركة المشغلة للتطبيق حسابات في أي وقت، أو سرقتها من أشخاص يستخدمون أرقام هواتف ذاتها. وينتقد المرشد الاجتماعي لؤي فهمي (31 عاما) العمل عبر برامج الربح عبر الإنترنت التي يعتبر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنها تساهم بشكل كبير في جعل الشبان يعتادون على الكسل والاتكالية والخمول وغياب الطموح، ويقلل فاعلية مشاركتهم في المجتمع، ما يضعف إحساس المسؤولية لديهم بشكل كبير، كما أن بعض البرامج، خاصة تلك التي تتعلق بغرف الدردشة، قد تؤدي بالشباب خاصة المراهق إلى الانحراف في ظل غياب رقابة الأهل والانقطاع عن المدارس". يتابع: "تبقى التطبيقات والبرامج ملاذاً للعاطلين عن العمل وأفضل بكثير من امتهان السرقة وتجارة المخدرات، ما يشجع أشخاصاً يئسوا من الحصول على فرص عمل أو عائلات بلا معيل ويعانون من إهمال الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية على العمل فيها".

المساهمون