أرعب قرار عدة دول تعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بزعم مشاركة عدد من موظفيها في عملية طوفان الأقصى، الفلسطينيين في لبنان، الذين يتكلون على خدمات الوكالة.
بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي طالب إسرائيل "بمنع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين"، في إطار حكمها الابتدائي بشأن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا، اتهمت إسرائيل عدداً من موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى، فسارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إعلان وقف تمويلها الوكالة، تبعتها مجموعة من الدول، الأمر الذي سيؤدي إلى عجز أونروا عن تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، ليس في قطاع غزة فقط، بل في سائر الدول التي لجأ إليها الفلسطينيون.
يقول مصدر في أونروا في لبنان إن خدمات الوكالة تشمل اثني عشر مخيماً في البلاد، بالإضافة إلى فلسطينيين مقيمين خارج المخيمات، ويستفيد حوالي 37 ألف طالب من خدمات التعليم في 62 مدرسة موجودة في مخيمات ومدن لبنان، كما أن هناك 27 عيادة تقدّم خدمات صحية أولية، عدا عن الخدمات التي تقدم من خلال الاستشفاء، إذ تتعاقد أونروا مع مستشفيات لبنانية وفلسطينية خاصة وحكومية لتقديم خدمات الاستشفاء، كما تقدم خدمات إغاثية من خلال شبكة الأمان الاجتماعي للأشخاص الأكثر فقراً، وتبلغ قيمتها خمسين دولاراً لكل شخص من سن صفر وحتى الثمانية عشرة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم فوق الستين وأصحاب الأمراض المزمنة، وذلك من خارج الميزانية العامة في إطار خطة الطوارئ في لبنان.
كما تقدم أونروا في مخيمات لبنان خدمات البنى التحتية، وإزالة النفايات، وتحسين المياه وضخها من الآبار، وتطاول هذه الخدمات أكثر من مائتي ألف فلسطيني في لبنان. وعليه، فإن توقف أونروا عن تقديم هذه الخدمات يعني مصيراً مجهولاً لهؤلاء، وخصوصاً الطلاب. وأبدى عدد من المستفيدين من خدمات أونروا تخوفهم من انقطاع التمويل عن الوكالة التي توفر لهم خدمات كبيرة، وسيتأثر اللاجئون بشكل كبير جراء توقف خدمات التعليم والطبابة والاستشفاء التي لا توفرها لهم الدولة اللبنانية. وفي حال توقف خدمات التعليم، فسيكون مصير الطلاب الشارع، في وقت لن يتمكن المرضى من الحصول على العلاج والدواء، وسيكونون عرضة للخطر.
تتحدر عبير محمد الميعاري، من بلدة عكبرة الواقعة في الجليل الأعلى، وتقيم حالياً في مخيم عين الحلوة لللاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب)، ولديها ثلاثة أولاد. تقول: "أعاني من أمراض مزمنة ولا أعمل. ابنتي تتولى إعالتي لكن الراتب لا يسد احتياجاتنا الحياتية كلها. وبما أنني مصابة بأمراض مزمنة، توفر أونروا الأدوية التي أحتاجها شهرياً. وإذا توقفت هذه الخدمة ولم أعد أحصل على الأدوية، فستتأثر صحتي لأنني لا أستطيع تأمينها بسبب ارتفاع سعرها. أحصل على مساعدة من أونروا بشكل دوري، وهي عبارة عن مال ومساعدات عينية عدا عن خدمات الاستشفاء، إذ إن الوكالة متعاقدة مع أحد المستشفيات، وانقطاع التمويل سيحرمنا من كل هذه الخدمات".
من جهتها، تقول أم زهير (48 سنة)، وهي من سكان مخيم عين الحلوة ولديها أربعة أولاد، اثنان منهم من الأشخاص ذوي الإعاقة: "نشعر بخطر حقيقي في حال توقف الدعم عن أونروا وبالتالي تأثرت خدماتها. أحصل على خدمات صحية ومادية وبدل شؤون ومدارس. ابنتي، وهي من الأشخاص ذوي الإعاقة، تستفيد من خدمة التعليم في مدرسة خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة. حتى إن الوكالة توفر لها بدل نقل للحافلة التي تقلها إلى المدرسة. وإذا توقفت هذه الخدمات، فلا نعرف ما الذي سيحل بنا. سنعيش مصيراً مجهولاً. لن أتمكن من إرسال ابنتي إلى المدرسة. ابني أيضاً يستفيد من خدمات التعليم. وإذا ما حصل ذلك، فسيصير جميع الطلاب الفلسطينيين خارج المدارس".
وتقول الفلسطينية عواطف محمد الحسين، المقيمة في منطقة صيدا البلد: "نحن ستة أشخاص في البيت، ونستفيد من الوكالة من خلال الخدمات الصحية والأدوية شهرياً. أنا وزوجي نعاني من الضغط، ونحصل على معونة إعاشة شؤون كل ثلاثة أشهر تعيننا في مصروف البيت. ننتظر هذا المبلغ بشكل دوري من أونروا، ونسدد اشتراك المولد الكهربائي وغير ذلك. وفي حال قطعت هذه المساعدة عنا، فلن نتمكن من شراء الدواء. حتى إننا نحصل من عيادة أونروا والصيدلية الموجودة فيها على المسكنات، ونذهب إلى العيادة سيراً على الأقدام لأننا لا نستطيع تحمل أعباء أجرة الطريق. نذهب للحصول على الدواء حتى نوفر على أنفسنا ولأننا لا نستطيع شراءه. قطع خدمات أونروا يعد مصيبة كبيرة لنا. لا نعرف ما الذي سيحل بنا وبالأشخاص الذين يستفيدون من خدماتها".
وتقول أماني عصفور، المتحدرة من مدينة عكا في شمال فلسطين، والمقيمة في مدينة صيدا: "لدي ولدان، الأول يستفيد من خدمة التعليم والثاني، وهو صغير، من اللقاحات والمعاينات الشهرية التي توفرها أونروا مجاناً، والتي لا أستطيع تأمينها لابني على نفقتي الخاصة. ابني الأكبر يستفيد من خدمة التعليم المجاني مع توفير الكتب والقرطاسية، إذ لا أستطيع تسجيله في مدرسة خاصة، ولا يستفيد من خدمة التعليم في المدارس الحكومية في لبنان بحسب قرارات وزارة التربية".
تضيف: "يستفيد ولداي أيضاً من المعونة الطارئة التي تقدمها أونروا كل ثلاثة أشهر وتبلغ قيمتها 50 دولاراً، وتساعدنا في هذه الأزمة الاقتصادية التي نعيشها. كما أنني أستفيد من خدمات الطبابة في المستشفى. عند الحاجة لدخول مستشفى، تؤمن أونروا ذلك. وفي حال قطع التمويل وإيقاف خدماتها، سنعجز حتى عن شراء الأدوية لأنها غالية، وسيحرم أولادنا من التعليم في مدارسها".
وتقول أم حمزة المقيمة في مخيم المية ومية شرق مدينة صيدا: "لدي ولدان في المرحلة الثانوية في مدارس أونروا، والمدرسة قريبة من بيتي. لا يحتاج أولادي إلى سيارة نقل، ويذهبان إليها سيراً على الأقدام. وإذا توقفت خدمات التعليم في الأونروا، فسيصير ابناي في الشارع".
ويقول مدير مكتب أونروا في منطقة صيدا، إبراهيم الخطيب: "ليست لدينا معلومات باستثناء ما نسمع من وسائل الإعلام. لكنني أستطيع تحديد عدد المخيمات التي تستفيد من خدمات أونروا وهي 12. كما أن عدد المستفيدين من خدمات أونروا يزيد عن مائتي ألف شخص". ويوضح أن أونروا تقدم خدمات مماثلة في جميع الدول، تضاف إليها في لبنان الخدمات الصحية، إذ إن فلسطينيي لبنان لا يستطيعون الاستفادة من خدمات الاستشفاء من قبل وزارة الصحة اللبنانية. كما يستفيد الفلسطينيون في لبنان من خدمات التعليم في المدارس، وذلك من الصف الأول أساسي حتى الصف الثالث الثانوي، مع تأمين الكتب والقرطاسية. كما تقدم الوكالة خدمات الشؤون الاجتماعية، علماً أن للبنان خصوصية في هذا الإطار ويحصل على خدمات إضافية". يتابع: "هناك مشاريع غير ثابتة كمشروع المال مقابل العمل، ومشاريع الترميم، والدعم الدراسي، في وقت توقف عدد من البرامج".
ويشير إلى أن خدمات أونروا في لبنان تختلف عن الدول الأخرى، وبالتالي، فإن توقف خدماتها سيؤدي إلى كارثة، لأن الخدمات الأساسية التي يحتاجها اللاجئون هي التعليم والطبابة، كما أن أونروا تقدم خدماتها خارج المخيمات، إذ تعيش عدد من العائلات الفلسطينية في المدن والمناطق اللبنانية.
يضيف: "من الخدمات التي توفرها الوكالة للاجئين الفلسطينيين، خدمة الرعاية الصحية الأولية، وتشمل الطب الوقائي والعلاجي. الطب الوقائي يشمل رعاية الأم والطفل وتقديم اللقاحات اللازمة للأطفال ومتابعة الحوامل. وفي ما يتعلق بالعلاجي، فلدى أونروا عيادات لمتابعة أوضاع المرضى بشكل دائم. وفي حال احتاج أي مريض للاستشفاء في مستشفيات خاصة وحكومية، فلدى أونروا تعاقد مع عدد منها، وذلك عدا عن خدمات التعليم التي تقدمها الوكالة للاجئين".
من جهته، يقول الناطق الإعلامي بإسم أونروا في لبنان فادي الطيار إن "قرارات تعليق تمويل الوكالة تهدد عملنا الإنساني المستمر في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك لبنان، حيث يعتمد ما يقدر بنحو 250,000 لاجئ فلسطيني بشكل شبه حصري على خدمات أونروا الأساسية".
وفي حال توقف التمويل، ستكون لذلك تداعيات جسيمة على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إذ يعيش نحو 80 في المائة منهم في حالة فقر، ونصفهم في مخيمات مكتظة وسط ظروف صعبة في ظل القيود المفروضة على حق العمل وحق التملك.
وفي لبنان، تقدم أونروا خدمات التعليم لـ38,000 طفل في 62 مدرسة، كما توفر التعليم المهني والتقني لحوالي 1000 طالب. وتدير الوكالة 27 مركزاً صحيا تقدم فيها الرعاية الصحية الأولية لنحو 200,000 مريض سنوياً. كما تدعم أونروا الرعاية الصحية من المستوى الثاني والثالث في المستشفيات المتعاقدة مع الوكالة. هذا بالإضافة إلى خدمات الإغاثة وخدمات برنامج البنية التحتية وتحسين المخيمات. وتقدم أونروا مساعدات نقدية لـ65 في المائة من لاجئي فلسطين في لبنان، مع التركيز على أولئك الذين لا يستطيعون العمل، من ضمنهم الأطفال والمسنون والأشخاص المعوقون.
ويشير إلى أن "قرار وقف التمويل لأونروا سيعرض مستقبل 38,000 طالب للخطر، ما يهدد بتفاقم المعاناة، وتعميق الفقر، وزيادة الإحباط واليأس بين صفوف لاجئي فلسطين، وهناك مخاوف من أن يقعوا فريسة التطرف. وقد يكون التأثير الإنساني لذلك كارثياً، ومن المحتمل أن تكون لذلك تداعيات على الاستقرار في لبنان، الذي يعاني أصلاً من أزمات صعبة، وعلى الاستقرار في المنطقة ككل".