أهالي ضحايا زورق مهاجري لبنان الغارق: الموت على الأرض وفي البحر

25 ابريل 2022
من تشييع ضحايا زورق المهاجرين الغارق في لبنان (فتحي المصري/فرانس برس)
+ الخط -

جدد "زورق الموت" الذي غرق قبالة ساحل طرابلس، شمالي لبنان، مساء السبت، عذابات الأهالي، الذين يدفن بعضهم اليوم الإثنين أحبّاءً تم انتشال جثامينهم من البحر، وينتظر آخرون خبراً عن شبابٍ ونساءٍ وأطفالٍ مفقودين، بينما الشارع يسوده غضب عارم ضد السلطة الحاكمة التي تسببت في البؤس والفقر والجوع والحرمان.

وكان الزورق الغارق يقلّ نحو 60 شخصاً من جنسيات لبنانية وغيرها، حاولوا الهجرة السرية نحو قبرص، واليوم لسان الحال في لبنان عموماً يؤكد أنّه "لا أحد يضع أولاده في قوارب الموت إلّا إذا كان البحر أكثر أمناً من الوطن".

وقال مدير مرفأ طرابلس، أحمد تامر، لـ"العربي الجديد": "من خلال شهادات الأهالي، يمكن القول إنّ المفقودين لا يقلّ عددهم عن 20، وأغلبهم من النساء والأطفال".

ويروي فادي الدندشي (أبو تيمور)، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل مأساة عائلته المنكوبة، قائلا: "فَقَد أخي أبو جواد زوجته وثلاثة أطفال، أحدهم طفل عمره شهر واحد. ابتلعهم البحر، ولا نعرف مصيرهم حتى الآن. أبو جواد كان يعمل في اشتراكات المولّدات، ولم يكن يمتلك منزلاً، بل يعيش بالإيجار، وبعد أن ضاقت أحواله قرّر البحث عن عيشٍ كريمٍ له ولأولاده خارج حدود لبنان".

ويتابع الدندشي: "أخي رائد كان يعمل في تركيب البيوت البلاستيكية الزراعية، ونجا أربعة من أولاده، وعُثر على جثة ابنه بهاء (8 سنوات) الذي سنشيّعه اليوم، وما زالت ابنته غزل (14 سنة) ووالدتها ضمن المفقودين، كما استلمنا جثة ابن عمّي (40 سنة)، وهو أب لخمسة أولاد، كما فقد شقيقي الثالث بلال شابّين لقيا حتفهما في البحر، ونجا هو وابنه الثالث، وما زالت زوجته وابنه الرابع وابنته في عداد المفقودين".

ويضيف: "كان شقيقي بلال يعمل في أحد المطاعم، لكنه أصبح عاطلاً عن العمل، وبعد تفاقم الأوضاع، وعجزه عن تأمين لقمة العيش لعائلته، قرّر مغادرة لبنان، وكان يردّد على مسامعنا: هنا ميّت وبالبحر ميّت. عدد المفقودين من عائلتي ثمانية. إخوتي وأولادهم الشباب يعرفون السباحة، ولذلك تمكّنوا من النجاة، لكنّ الأطفال والنساء كانوا ضحايا".

ويقول بغضب: "لا حياة ولا أمل في هذه البلاد، لا طبابة، ولا تعليم، ولا مقوّمات للعيش الكريم، ولا يوجد سوى السياسيّين الفاسدين الذين سرقوا الشعب، وجوّعوه. ماذا يريدون منّا بعد؟ إنْ نزلنا للمطالبة بحقوقنا يقتلوننا في الشارع، وإن قرّرنا الهجرة يقتلوننا في البحر. سندفن أمواتنا، ومن ثمّ نطلق صرختنا المدوّية".

وأوضح: "أبلغنا رئيس الجمهورية منذ فترةٍ طويلة بما معناه (يلّي مش عاجبوا يهاجر)، وقال أيضا إنّنا (ذاهبون نحو جهنّم)، فليفتحوا لنا المطار، ويتركونا نرحل لنستنشق هواء الحياة، ولنترك هذا البلد للطبقة السياسية الساقطة".

ويكشف اللاجئ السوري عمّار دواليبي، لـ"العربي الجديد"، أنّ شقيقته وأولادها الثلاثة ما زالوا مفقودين، علماً أن خبر وفاتهم متداول عبر موقع "فيسبوك"، غير أنّه لم يتم إبلاغه رسميا من قيادة الجيش اللبناني. يقول: "دخيل عيونك بلغيني إذا عرفت أيّ شيء عنهم".

ويجوب عمّار أرجاء مرفأ طرابلس ومستشفيات المنطقة بحثاً عن أخته (25 سنة) وأولادها ماسة (8 سنوات) ومحمد (6 سنوات) وجاد (4 سنوات)، والذين وصلوا من حلب إلى لبنان في عام 2013، ويعيشون في مدينة جبيل. زوج شقيقته نجا من الغرق، وكان عاطلاً عن العمل منذ نحو ثلاثة أعوام.

ويوضح دواليبي أنّ شقيقته لم تخبره بمغادرتها مع عائلتها إلا قبل 5 دقائق من المغادرة، "لو كنتُ أعلم مسبقاً لما تركتها ترحل بهذه الطريقة. نريد معرفة مصيرهم، أمواتاً أم أحياء، هربنا من الموت في سورية ووقعنا فيه هنا. مأساتنا كبيرة، ويبدو أنّ الموت قدرنا أينما ذهبنا".

وفقد عميد الدندشي ثلاثة من أولاده، وهو يعرب عن امتعاضه من البيانات الرسمية، ويقول لـ"العربي الجديد": "عشتُ مع إخوتي وأولادي هول الحادثة الأليمة على الزورق. لسنا ناجين، وإنّما بقيت أرواحنا في المياه مع أطفالنا ونسائنا الذين لا يزالون في البحر. لقد قُتلنا مرّتين، مرّة على المركب، ومرّة في البيانات والخطابات، ونطالب بتحقيق عادل وشفّاف يعاقب المسؤولين، فطرابلس لن تكون بعد اليوم سوى مقبرة للفاسدين".

الصورة
من تشييع ضحايا زورق المهاجرين الغارق في لبنان (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)

وشيعت مدينة طرابلس الضحايا وسط حضور شعبي كبير، ووسط صيحات استنكار، وإطلاق الأعيرة النارية، حسب "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية، كما اعتصم عدد من المحتجّين، أمس الأحد، في ساحة النور، وقطعوا بعض الطرق بحاويات النفايات، وأطلقوا هتافات مندّدة بنواب ووزراء المدينة، مؤكّدين أنّهم سبب الفقر والحرمان.

وفقدت بلدة قرصيتاـ الضنية (شمال) خمسة من أبنائها، وما زال آخرون مفقودين.

وطالب الأهالي الحكومة بتحمّل مسؤوليتها في انتشال جثامين الضحايا والبحث عن المفقودين في أسرع وقت، وأكّدوا أنّ البيانات الصادرة عن الجيش غير كافية، كما دعوا إلى إجراء تحقيق جدّي.

وأعربت مفوضية شؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة عن أسفهما لـ"الحادث المأساوي"، وأكدتا، في بيان مشترك، على ضرورة "النزول الآمن للأشخاص العالقين في عرض البحر، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية".

المساهمون