أهالي درنة يخشون مغادرة فرق الإنقاذ والإغاثة

25 سبتمبر 2023
العودة إلى الحياة في درنة صعبة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

مرّ أسبوعان على الفيضانات التي ضربت مدينة درنة، ولا تزال الحياة غائبة عنها. آثار الدمار في كل مكان تزيد مشاعر اليأس في نفوس ساكنيها الذين نجوا من الكارثة، وسط تساؤلات حول مستقبلهم، وهم الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية فقط.
وما زاد من حجم القلق والمخاوف لدى سكان المدينة أن القيود والإجراءات الأمنية التي تفرضها أجهزة أمن المدينة تشمل المساعدات. ويقول عدد من الأهالي لـ"العربي الجديد" إنهم مُنعوا من الحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية بكميات تكفيهم، على الرغم من أن مخازن الإغاثات استقبلت على مدى الأسبوعين الماضيين أطناناً من المساعدات من داخل البلاد وخارجها. وأوضح أحد الشهود أن عدد سيارات المتطوعين التي كانت تمر داخل الأحياء وتوزع المساعدات الغذائية على البيوت تقلص منذ يوم الأربعاء الماضي، ولم تعد تصل إلى جميع الأحياء الناجية في المدينة. يضيف: "لا نحصل على ما يكفي من قبل مراكز التوزيع، باستثناء مياه الشرب". ويشير إلى أن المتطوعين في مركز توزيع المساعدات أبلغوا السكان بأن كميات المساعدات تتناقص، على أن تصل مساعدات جديدة خلال الأسبوع الجاري". 
ويوضح الناشط علي المجبري الذي شارك في عمليات الإغاثة الأسبوع الماضي، أن "المساعدات متوفرة بشكل كبير في المخازن، والجميع يعرف أن ما يحصل هو تنفيذ لأوامر أمنية، بهدف الضغط على السكان كإجراء ترهيبي حيال خروجهم في تظاهرة طالبت بمحاسبة المسؤولين وقادة الحكومات في البلاد على تقصيرهم في صيانة البنى التحتية بالمدينة، لا سيما سدّيها اللذين تسبب انهيارهما في سقوط آلاف الضحايا والمفقودين والمشردين".
وفي وقت يلفت المجبري إلى أن أهالي المدينة يدركون أن هذه القيود والإجراءات "ستمر وتنتهي"، يقول لـ"العربي الجديد": "جلسنا في خيام العزاء وتحدثنا إلى كثيرين. أعرب جميعهم عن هاجس واحد، وهو كيفية مواصلة الحياة إذا خلت المدينة من المتطوعين وفرق الإغاثة". ولم تفتح المحال التجارية في المدينة أبوابها بعد، باستثناء محال محدودة تبيع الخضار. أما أسواق ومحال المواد الغذائية فلا تزال مقفلة، إما بسبب تضررها أو بسبب انصراف السكان للحصول على المؤن الأساسية من فرق الإغاثة والمساعدات. كما أن محال الملابس والحلاقة والمقاهي لا تزال مقفلة. 
فضّل عبدالله العوكلي، صاحب أحد محال بيع المواد الغذائية في درنة، النزوح مع أسرته إلى بنغازي، خصوصاً أنه لا يستطيع مزاولة عمله في ظرف كهذا في ظل نقص السيولة وتقطّع الطرقات، بالإضافة إلى تضرر وتهدّم غالبية المجال التجارية في وسط المدينة. لم يتدمر محله. لكنه يوضح أن "تنظيف المحل من مخلفات السيل والطمي يتطلب مني جهدا كبيرا وإصلاحات وبضائع. لذلك، فضلت ترك المدينة والإقامة خارجها حتى تستقر الأوضاع".
وبعدما باتت المدينة مقسومة إلى ضفتين بسبب انهيار الجسور التي تربطها ببعضها بعضا، يضطر سكان الضفة الشرقية إلى التبضع من قرية مرتوبة الواقعة على بعد 35 كيلومترا. أما أهالي الضفة الغربية، فيتجهون إلى منطقة القبة التي تبعد 50 كيلومترا، فيما لا يزال العمل جاريا لبناء جسر مؤقت لربط ضفتي المدينة، والذي يتولى تنفيذه جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي.
ويؤكد رئيس اللجنة الإدارية في الجهاز أحمد الديب، على صفحة الجهاز في فيسبوك، البدء في أعمال التشطيب النهائي للجسر المؤقت. ويتمنى سكان المدينة إنهاءه بسرعة، لأنه الوحيد الذي سيربط الضفتين بعد انهيار 5 جسور من جراء الفيضان وانقطاع جناحي المدينة عن بعضهما بعضا.

وداخل أزقة وأحياء المدينة، لا تزال سيارات شركة المياه والصرف الصحي تتولى تسليك وتنظيف شبكات الصرف الصحي لكن بوتيرة بطيئة. وتقول إحدى سكان المدينة آمال بن ناصر، إن أولادها ينتظرون دورهم يوما كاملا أحيانا للحصول على المياه. وتشير في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن "سيارات الشركة هي المصدر الوحيد للمياه حاليا. لذلك، فالازدحام على الطلب كبير وسيارات شركة المياه محدودة. ولذلك، يضطر أولادي إلى الرجوع في اليوم التالي للحصول على كمية من المياه تكفي احتياجات الغسيل في البيت لمدة أسبوع. أما مياه الشرب، فهي متوفرة لدى مراكز الإغاثة في المدينة".
ولا تزال وزارة الصحة في الحكومة المكلفة من مجلس النواب في شرق البلاد تحذّر من استخدام مياه الشبكة العامة أو آبار المنطقة، خشية تلوثها من جراء السيول التي جرفت معها كل شيء. وسجل المركز الوطني لمكافحة الأمراض 155 حالة إسهال ناتجة عن استخدام مياه المدينة.

ليبيا (أبو بكر السوسي/ فرانس برس)
متطوع يأخذ قسطاً من الراحة في درنة (أبو بكر السوسي/ فرانس برس)

وعلى الرغم من أن المركز أكد عبر صفحته الرسمية في "فيسبوك" أخذ عينات مختلفة من مياه المناطق المنكوبة بالفيضانات بهدف تحليلها، إلا أنه لم ينشر أية نتائج، وحذر السكان من شرب واستعمال المياه الجوفية.
من جهة أخرى، يتحدث المجبري عن إشكال آخر يتعلق بعدم قدرة السكان على الوصول إلى أموالهم المودَعة في المصارف المقفلة حتى الآن، مشيراً إلى أن في المدينة فرعا لأحد المصارف فتح أبوابه يوم السبت أمام زبائنه وسمح لهم بالسحب بسقف لا يتجاوز 2000 دينار (الدولار= 4.8 دنانير) لمن يتوفر في حسابه المال. أما من ليس من زبائن هذا الفرع، فعليه أن يسافر أكثر من 100 كم باتجاه مدينة البيضاء ليتمكن من سحب أمواله.
كل هذه الأوضاع تثير القلق لدى قطاع عريض من سكان المدينة. ويسأل الأهالي: "إلى متى الاعتماد على المساعدات؟". وتعلق بن ناصر قائلة: "لا ننتظر نتائج تحليل المياه بقدر انتظار إصلاح الأعطال الكبيرة التي حصلت في شبكات توزيع المياه، ولا ننتظر إعمارا للمدينة بقدر ما ننتظر تنظيف الطرقات ونقل الأتربة منها، حتى يستطيع الناس إعادة جانب من مظاهر الحياة. فمن يريد إعادة تأهيل بيته أو محله بقدراته الذاتية لا يستطيع التنقل والوصول بسبب تهالك الطرقات وانهيار الجسور التي تربط جانبي المدينة".
ويعرب المجبري عن قلقه إزاء حالة الفراغ التي ستنكشف بشكل أكبر عند مغادرة فرق الإنقاذ المحلية والدولية ومتطوعي الإغاثة، مضيفا: "عندها سيواجه السكان صعوبات أكبر، في ظل العجز الكبير للحكومات عن تغطية حملات التطوع والإغاثات الدولية"، مرجحاً أن تزداد عمليات النزوح من المدينة مع مرور الوقت.

وبالعودة إلى آثار القيود والإجراءات التي تفرضها أجهزة أمن المدينة التابعة لقيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يتساءل المجبري عن مصير الكميات الضخمة من المساعدات التي وصلت. ويقول: "هناك حديث متزايد في الأوساط عن وقف نقل المساعدات إلى درنة والإبقاء عليها في مخازن في بنغازي. وإذا صح ذلك، سيضاعف هذا الإجراء من معاناة السكان بشكل كبير، ما يدفعني إلى الاعتقاد بأن عمليات النزوح ستزداد".
ومنذ اليوم التالي لمظاهرة أهالي درنة والتي طالبوا فيها بمحاسبة المسؤولين عن نكبتها، ومنهم مجلس النواب والمجلس البلدي بالمدينة، بدأت العديد من الإجراءات والقيود الأمنية لتطويق حالة الغضب الشعبي مخافة أن تتوسع، ومنها منع وصول المتطوعين القادمين من غرب وجنوب البلاد برفقة المساعدات الإنسانية. وأعلنت قيادة حفتر أن فرق الهلال الأحمر ستتسلم المساعدات القادمة في مدينة سرت الواقعة على بعد أكثر من 800 كيلومتر عن درنة.

المساهمون