أنهر الصرف الصحي في تعز اليمنية

10 مارس 2022
يعبرون وسط المجاري والنفايات (أحمد الباشا/ فرانس برس)
+ الخط -

يتكرر يومياً مشهد طفح المجاري وسط شوارع مدينة تعز جنوب غربي اليمن، خصوصاً في مواسم هطول الأمطار. ويتسبب تسرب المياه إلى قنوات الصرف الصحي في فيضانها وانتشارها على مساحات واسعة من الأحياء السكنية والأسواق.
وواجهت شبكة المياه والصرف الصحي في تعز انهياراً وشللاً تاماً طوال أكثر من خمس سنوات من فترة الحرب، حين انقطعت المياه بالكامل عن المدينة، ما عرّض الأطفال لمخاطر صحية، وزاد النزاعات على المياه.
ووصف تقرير أصدرته الأمم المتحدة سابقاً مشكلة طفح المجاري بأنها "إحدى الأكثر تهديداً لأطفال تعز، بسبب المخاطر الصحية المرتبطة بها، خصوصاً على صعيد انتشار الأمراض والأوبئة وأنواع الحمّى الموسمية، مثل الضنك والملاريا والكوليرا".
ويؤكد أطباء وعاملون صحيون أن الأمراض الوبائية المتفشية في تعز، خصوصاً فيروس الكبد الوبائي عند الأطفال، يعود إلى اختلاط المياه بالمجاري، حيث يتسبب تسرّب قنوات الصرف الصحي إلى الآبار الجوفية في حدوث تلوث بيئي يلحق أذى كبيراً بالناس.

وليست مشكلة طفح المجاري في تعز وليدة اللحظة، بل قائمة ومستفحلة منذ عقود طويلة، بسبب انتهاء العمر الافتراضي لشبكة الصرف الصحي التي أنشئت خلال ستينيات القرن العشرين، خصوصاً في مدينة تعز القديمة.
وتقول السلطات الحكومية إن "سبب المشكلة هو الاختناق السكاني الكبير الذي لا يتناسب مع استخدام خطوط تصريف المجاري صغيرة الحجم". وتوضح أنه "لا يمكن معالجة الأزمة جذرياً إلا باستبدال شبكة المجاري بالكامل".
ويكشف مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" أن "سلطات تعز كانت توصلت عام 2014 إلى اتفاق مع البنك الدولي لاستبدال شبكة المجاري بالكامل، في مشروع يجرى تنفيذه على مرحلتين، لكن الحرب التي اندلعت مطلع عام 2015 منعت ذلك، وفاقمت الأزمة".
وتتعاظم كارثة طفح المجاري أحياناً وصولاً إلى الأسواق الشعبية لبيع الخضراوات والفواكه واللحوم، كما الحال في السوق المركزي وسط مدينة تعز، الذي استقبل في الأشهر الأخيرة نهراً من المجاري مصدره شارع 26 سبتمبر.
وتعجز السلطات المحلية عن إيجاد حلول للأزمة، بحسب السكان والباعة المتجولين في سوق الخضراوات المركزي، إذ تقتصر معالجاتها على "الترقيع" عبر إصلاحات للمجاري تنفذ بأي طريقة متاحة، قبل أن تنفجر في اليوم التالي.

الصورة
مواشي ونفايات (أحمد الباشا/ فرانس برس)
مواشي ونفايات (أحمد الباشا/ فرانس برس)

ويقول محمد الورافي الذي يبيع فواكه لـ"العربي الجديد": "أنهار المجاري دائمة، ما يجعلنا نتكبد خسائر فادحة، إذ يرفض بعض الزبائن دخول السوق والشراء خشية الإصابة بأمراض ناتجة من انتشار الأوساخ، لكن بعضهم يضطرون إلى فعل ذلك بسبب عدم قدرتهم على قصد أسواق مماثلة بعيدة للشراء".
ويشير إلى أن الباعة وتجار المواد الغذائية المتضررين فقدوا الأمل بإمكانية معالجة السلطات المحلية المشكلة، وأبدوا استعدادهم للتكفل بنفسهم في حل أزمة شبكة مجاري شارع 26 سبتمبر، والتي تفيض وتتدفق إلى السوق.
ومع تكرار المشهد، تحوّلت المشكلة إلى مادة للتندر، حيث يسمي البعض سوق الخضراوات المركزي الحيوي بـ"شارع النافورة"، نظراً إلى شدة طفح المجاري من شبكات الصرف الصحي المهترئة في شكل يشبه نوافير المياه.
وبخلاف الرائحة المزعجة التي تجبر محلات على الإغلاق أو تعطير الأجواء باستخدام روائح منعشة، تتسبب أزمة طفح المجاري في شارع 26 سبتمبر في تلطيخ ملابس المارة بالمياه الملوثة، خصوصاً عندما تمر السيارات بسرعة.
ويقول محمد القدسي، الذي يسكن في الشارع، لـ"العربي الجديد": "نردم أحياناً موقع الطفح بأتربة للحدّ من تأثير تطاير المياه الملوثة إلى المستودعات التجارية والمارة، في حال مرور سيارات أو دراجات نارية".

ويعزو مدير عام مؤسسة المياه والصرف الصحي في تعز حسن المجاهد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، جذور المشكلة إلى "تلف الأنابيب الخرسانية في الشبكة بسبب الغازات الحمضية التي تنبعث من المجاري، وهو ما حصل في شارع 26 سبتمبر، الذي يضم أحد أهم الأسواق التجارية في المدينة، ويتسوق فيه الآلاف يومياً، فالمجاري تطفح منه وصولاً إلى شوارع أخرى، مثل شارع جمال عبد الناصر. والمشكلة بالغة التعقيد، علماً أن معدات فتح الانسدادات وتنظيف الخطوط جرى العبث بها، ونُهب بعضها خلال الحرب، لكن مشروعاً مشتركاً بين جمعية خيرية والسلطة المحلية سيستبدل الخط الرئيسي للشبكة قريباً".
وفيما يكشف تدخل منظمات دولية لمحاولة حل مشكلة طفح المجاري، يقول المجاهد: "نعمل بحسب الإمكانات المتاحة لحل مشكلة انسدادات شبكة المجاري". لكنه يستبعد وجود علاقة مباشرة لطفح المجاري بالأوبئة وأنواع الحمّى التي تتفشى في مدينة تعز، لافتاً إلى أن "المجاري ربطت حتى بانتشار جائحة كورونا في المدينة، رغم أن الفيروس انتشر في كل دول العالم، وبينها دول لا يلاحظ فيها أي طفح للمجاري".

المساهمون