أطفال خارج المدارس في مناطق الإدارة الذاتية

17 ديسمبر 2020
يعمل في الزراعة لكسب المال (محمد النجار/ Getty)
+ الخط -

تتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال في مناطق الإدارة الذاتية (شمال شرق سورية) بعد ازدياد أعداد التلاميذ المتسربين من المدارس، وقد استولت الإدارة الذاتية على معظم المدارس، وفرضت مناهجها وكوادرها التعليمية، في وقت اكتظت المدارس القليلة التابعة للنظام بالتلاميذ. وتضيق فرص الكثير من الأطفال في الالتحاق بهذه المدارس نتيجة المحسوبيات والفساد، عدا عن حاجة العائلات إلى دخل إضافي في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وبالتالي تدفعهم إلى سوق العمل.
يعمل محمد الديري (15 عاماً) في مقهى في مدينة القامشلي. يقول لـ "العربي الجديد": "نزحت من دير الزور مع عائلتي المؤلفة من والدتي وشقيقاتي الأربع، بعد مقتل والدي على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). اضطررنا إلى مغادرة بيتنا وتركت الدراسة بعد مقتل أبي، ولجأنا إلى القامشلي (شمال شرق سورية على الحدود مع تركيا)، واستأجرنا منزلاً في حي الهلالية الشعبي. حالياً، أتقاضى 3 آلاف ليرة سورية (نحو 4 دولارات بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو دولار واحد بحسب سعر السوق السوداء) من عملي، وقد يرتفع إلى 5 آلاف ليرة بحسب الإكراميات".
من جهته، يعمل الطفل مالك إبراهيم (12 عاماً) في المنطقة الصناعية مع ابن عمه سرخبون إبراهيم (13 عاماً). يقول لـ "العربي الجديد" إنه كان يذهب إلى المدرسة يومياً. لكن بعد الاستيلاء على المدارس واعتماد المنهاج الكردي، نصحه والده بتعلّم "صنعة" (مهنة)، لأنه لم يعد للتعليم مستقبل في المنطقة. خلال حديثه، كان يعمل في إصلاح هيكل سيارة ويتبادل وأطفال آخرون نكاتاً تتضمن ألفاظاً بذيئة.
هنادي المحمود (17 عاماً) تعمل في تحميل سيارات الشحن بالبضائع وتفريغها. غالباً ما تكون هذه البضائع عبارة عن مواد غذائية من زيت وسكر وأرز وشاي. تقول لـ "العربي الجديد": "كنا نقيم في الريف الجنوبي للقامشلي، وتابعت الدراسة حتى الصف السادس، فيما كان أهلي يعملون في الأرض. لكن نتيجة للتوترات الأمنية، تركنا الزراعة وقريتنا، وجئنا إلى المدينة، واستأجرنا بيتاً. والآن، جميع أفراد العائلة يعملون كي نتمكن من العيش وتأمين المصاريف اليومية وقوتنا". تقول إنها تعاني كثيراً، وتتمنى لو أنها أكملت تعليمها: "أحياناً تكون الحمولة ثقيلة، كما أنني أشعر بالخوف لأن العمل يكون عادة في ساعة متأخرة من الليل".

ويعزو بعض الآباء عمالة أبنائهم إلى الظروف التي عاشوها والتي يعيشونها في الوقت الحالي. من بين هؤلاء الستيني فواز الشرابي الذي كان يعمل في الزراعة. يقول لـ "العربي الجديد": "كنت أستثمر 40 دونماً وأزرعها بالقمح أو بالقطن، وأقدم كل ما يلزم لعائلتي. لكن بعد نزوحنا من الريف الجنوبي للقامشلي إلى المدينة، عملت كأجير لأنني لا أجيد القيام بأي عمل غير الزراعة. إلا أن عملي ليس دائماً ولا يمكنني إعالة أسرتي في ظل هذا الغلاء. لذلك، أجبرت على قبول المساعدة من ابني فرج (16 عاماً) والذي ترك المدرسة للعمل في محل تجاري براتب شهري".

عمالة الأطفال مرتبطة بشكل مباشر بنوعية المتابعة ووجود المنظمات


وتعد منطقة شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية من أغنى المناطق السورية بالثروات، فهي غنية بالنفط وتزدهر فيها الزراعة، الأمر الذي يدعو إلى السؤال عن كيفية توزيع هذه الثروة، ومدى جدية الإدارة الذاتية المدعومة من دول عدة، منها الولايات المتحدة الأميركية التي تعد رائدة في مشاريع التنمية هناك، وتدعو دائماً إلى حماية الطفل، في التعامل مع موضوع عمالة الأطفال وإعانة الأسر وتأهيل الأطفال المتسربين من المدارس.
وفي ما يتعلق بعمالة الأطفال في مناطق الإدارة الذاتية وتداعياتها، يوضح الكاتب وأستاذ الفلسفة شفان إبراهيم لـ "العربي الجديد" أن مسألة عمالة الأطفال مرتبطة بشكل مباشر بنوعية المتابعة ووجود المنظمات أو الهيئات التي تهتم بالأطفال. ويكثر عمل الأطفال في المطاعم بالإضافة إلى مهن خطرة أخرى، خصوصاً في المناطق الصناعية، نظراً لما قد يتعرض له الأطفال من أذى جسدي، من جراء الأعمال التي يقومون بها.

يضيف إبراهيم أنه عادة ما تكون عمالة الأطفال نتيجة لجملة من العوامل والأسباب، أهمها حالة الفقر الموجودة. ويرسل الأهالي أبناءهم إلى العمل بغية الاستفادة من المردود المالي الذي يتقاضونه ولو كان قليلاً، الذي يبقى بالنسبة للأهالي أفضل من بقاء أطفالهم بلا عمل، لافتاً إلى أن هذا يعد جرماً بحق أبنائهم. وفي أحيان كثيرة، قد لا يجيدون القراءة والكتابة، ما يؤثر على مستقبلهم وبنية المجتمع والدولة مستقبلاً. يضيف إبراهيم: "عمالة الأطفال تعني انخفاض عدد التلاميذ وابتعادهم عن العملية التعليمية والتربوية". ويركز على عدم ملاحقة التلميذ من الجهات المعنية، باعتبار أن التسرب المدرسي يجب أن يعالج من قبل هذه الجهات نفسها، وأن يكون هناك تنسيق بين المدرسة والجهات المختصة، التي يمكن أن تلاحق وتقاضي آباء هؤلاء الأطفال.

المساهمون