أسرى وشهداء... عائلات فلسطينية بلا منازل

24 يونيو 2023
هدم منزل عائلة الأسير كمال جوري (نضال اشتية/ الأناضول)
+ الخط -

لم يجد عدد من أهالي الشهداء والأسرى الفلسطينيين الذين هدم الاحتلال الإسرائيلي منازلهم، أيّ مأوى، وكان آخرهم منزل عائلة الأسير كمال جوري من مدينة نابلس، الذي هدمت قوات الاحتلال منزل عائلته فجر الخميس الماضي بتهمة مشاركته بعملية إطلاق نار قُتل فيها جندي إسرائيلي. واضطرّ عدد منهم إلى المبيت في منازل أقاربهم، فيما لم يجد البعض الآخر سوى خيمة تؤويه وأسرته. ويتهم الأهالي الجهات الرسمية بعدم مساندتهم، وسط تراجع الدعم الشعبي لتعويضهم عن منازلهم التي فقدوها.
وعلى الرغم مما يعانيه أهالي الشهداء والأسرى من عقوبات جماعية، لا تزال عزيمتهم قوية. ويؤكّد والد الأسير كمال هاني جوري في تصريح لوسائل الإعلام عقب هدم منزله: "إحنا (نحن) بألف خير، وهذا الحجر اللي (الذي) انهد (هُدم) رح نبني بداله (بدلاً منه) ألف، وعزيمتنا ستبقى عالية".

منذ بداية العام الجاري، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي 12 منزلاً في قلب مناطق تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، وتعود لعائلات شهداء أو أسرى نفذوا عمليات مقاومة تجاه أهداف للاحتلال ومستوطنيه. وتنتظر 7 عائلات أخرى هدم منازلها بعد إخطار الاحتلال لها بذلك. والعام الماضي، هدمت قوات الاحتلال 9 منازل وشقق سكنية لشهداء وأسرى نفذوا عمليات مقاومة، ما يظهر ارتفاعاً في عدد المنازل التي هدمت.
وبحسب تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني، هدم الاحتلال ودمر 353 مبنىً سكنياً عام 2022، معظمها في القدس، فيما هدم حوالى 140 منزلاً منذ بداية العام الجاري، عدد منها يعود لعائلات شهداء وأسرى تتهمهم سلطات الاحتلال بتنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية.
وهدمت منازل الشهداء والأسرى الـ 12 منذ مطلع العام الجاري من خلال زراعة متفجرات محدودة المدى، عبر فرق هندسية من جيش الاحتلال، ويستغرق إنجاز المهمة ساعات عدة، وعادة ما تبدأ منتصف الليل وتنتهي فجر اليوم التالي، يتخللها اندلاع مواجهات واشتباكات مسلحة.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، هدمت إسرائيل 171 منشأة فلسطينية، من بينها منازل سكنية كانت تؤوي 244 فلسطينياً منذ بداية العام الحالي. وبحسب مركز معلومات فلسطين "معطى"، بلغ عدد المنازل التي هدمها الاحتلال منذ بداية العام الجاري 51 منزلاً، منها 11 في محافظة أريحا، ومثلها في الخليل، و15 منزلاً بالقدس المحتلة، و3 بمحافظة بيت لحم، و3 في جنين، و7 في نابلس، ومنزل واحد في سلفيت. وتضاف هذه الأرقام إلى 353 مبنىً سكنياً هُدمت خلال عام 2022 وشُردت العائلات التي كانت تسكنها أيضاً.

الصورة
هدم منزل عائلة فادي أبو شخيدم (حازم بادر/ فرانس برس)
هدم منزل عائلة فادي أبو شخيدم (حازم بادر/ فرانس برس)

لا دعم
بعد تفجير منزله في بلدة نعلين غرب رام الله وسط الضفة الغربية في 23 مايو/ أيار الماضي، لجأ صلاح الخواجا، والد الشهيد معتز، وهو منفذ عملية إطلاق النار في ديزنغوف بتل أبيب، التي قُتل خلالها إسرائيلي، فيما يواصل الاحتلال احتجاز جثمانه، إلى المبيت في غرفة بمنزل شقيقه، ثم اضطر إلى تجهيز خيمة مكان منزله المهدّم والإقامة فيها.
والد الشهيد معتز الذي يعيل خمسة أفراد، يؤكد غياب الدور الرسمي الفلسطيني في مواساته أو تعزيته أو تقديم الدعم له بعد هدم منزله. ويقول لـ "العربي الجديد": "لم يتصل بنا أي مسؤول ولم يقدموا لنا أي دعم معنوي أو مادي أو شكلي". يضيف: "لا نريد منّة من أحد، ولن أستجدي السلطة ولا رؤوس الأموال كي يساعدوني". ويوضح أنه يحق للعائلة مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية، إلا أنه يرفض التوجه للدوائر الرسمية وطرق أبوابها، إذ يرى أنّ على السلطة التوجه إلى أهالي الشهداء وتقديم الدعم لها. ويقول: "لدي عزّة نفس ولا أبحث عن المال. ولأن السلطة مسؤولة عن رعيتها يجب أن تتواصل معنا".

الصورة
هدم منزل عائلة الشهيد معتز صلاح الخواجا (عصام ريماوي/ الأناضول)
هدم منزل عائلة الشهيد معتز صلاح الخواجا (عصام ريماوي/ الأناضول)

عقاب
حال عائلة الشهيد الخواجا ينسحب على عائلات أخرى. وواجهت عائلة الشهيد محمد صوف من بلدة حارس شمال غرب سلفيت شماليّ الضفة الغربية، وضعاً مشابهاً. ويقول عمّ الشهيد محمد مصطفى صوف لـ "العربي الجديد": "الأصعب علينا من غياب دعم السلطة، رفض عدد من أهالي البلدة تأجير شقة أو منزل لعائلة شهيد، وكأنه إجراء عقابي".
وتعيش عائلة الشهيد فادي أبو شخيدم من مخيم شعفاط شمال شرقيّ القدس ظروفاً صعبة. لم يكتفِ الاحتلال بهدم منزلها العام الماضي على خلفية عملية إطلاق نار قتل فيها مستوطن قبل نحو عام ونصف عام، بل يواصل الاحتلال احتجاز جثمانه، وقد صدر أمر بمصادرة مكان المنزل. ويقول شقيق الشهيد حسام أبو شخيدم لـ "العربي الجديد": "استشهد شقيقي وهدم منزله، وصدر قرار من محكمة الاحتلال بأن موقع المنزل مصادر من دون تحديد مهلة المصادرة. على الرغم من ذلك، لم يقدم أحد دعماً لنا، ولم تتواصل معنا أي جهة رسمية".
ولم تجد أسرة الشهيد أبو شخيدم المكونة من ستة أفراد، مكاناً يؤويها بعد هدم منزلها، ولم يتواصل معها أحد سوى الصليب الأحمر الدولي بحسب حسام. ويؤكد أن العائلة وفرت لهم جزءاً للعيش فيه مؤقتاً من مساحة منزل جدهم. مع ذلك، حاربنا الاحتلال في أرزاقنا ومنعنا من العمل في مناطق القدس إلا بعد موافقة أمنية يرفض أن يعطينا إياها أصلاً".

دور السلطة الفلسطينية
بعد هدم منزل الأسير إسلام فروخ في مدينة رام الله في الثامن من الشهر الجاري، زار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية المنزل المهدم، وأعلن استعداد السلطة الفلسطينية لبناء كل بيت هدمه الاحتلال، والتعاطي بكل مسؤولية مع احتياجات عائلات الشهداء والأسرى. ويؤكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية مؤيد شعبان، لـ "العربي الجديد"، أن تصريحات اشتية ليست ارتجالية، وسيُعمَل عليها في أقرب وقت. لكنه يؤكد أن "الدعم سيكون ضمن الإمكانات المحدودة، لأن هناك بيوتاً يصعب تغطية تكلفتها، وخصوصاً البيوت الإسمنتية، بالإضافة إلى تراجع الوضع المالي للسلطة نتيجة الحصار المالي وسرقة الاحتلال أموال المقاصة، ولكن القرار حقيقي بإعادة بناء بيوت الشهداء تحديداً".

المساهمون