أسرى غزة... قصص الاضطهاد في السجون الإسرائيلية

02 يوليو 2024
المفرج عنه فرج سموني يظهر بعضاً من آثار التعذيب (حسن جدي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أُفرج عن 55 أسيراً غزياً من السجون الإسرائيلية، بعضهم قضى 20 عاماً ووجدوا عائلاتهم قد استشهدت، مع تعرضهم لتعذيب قاسٍ يشمل الحرمان من الحاجات الأساسية واستخدامهم كدروع بشرية.
- 30 من الأسرى المفرج عنهم نُقلوا إلى مستشفى لفحص آثار التعذيب الجسدي، بما في ذلك الضرب المبرح والتعذيب بالكهرباء، مما يعكس الطرق الممنهجة والقاسية للتعذيب.
- شهادات الأسرى تكشف عن تعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل الحرمان من الطعام والماء والتعرض للحروق، مما يدعو إلى ضرورة التدخل الدولي لحماية حقوق الأسرى الفلسطينيين.

ما تعرض له أسرى غزة الذين أُفرج عنهم مؤخراً في السجون الإسرائيلية يفوق القدرة على الوصف. تعذيب ممنهج بكل الوسائل الممكنة. يروي بعضهم لـ "العربي الجديد" تفاصيل عن معاناتهم اليومية.

أفرج الاحتلال الإسرائيلي، صباح أول من أمس الاثنين، عن 55 أسيراً غزياً، منهم أسرى من أصحاب المحكوميات الطويلة، وقد أمضى بعضهم 20 عاماً في السجون الإسرائيلية وخرجوا من دون أن تستقبلهم عائلاتهم التي استشهد عدد من أفرادها. هؤلاء شهدوا على أساليب التعذيب التي وصلت إلى حد الحرمان من قضاء الحاجة، وابتزاز المرضى وحرمانهم من العلاج.
تعرّض المعتقلون لجميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي بشكلٍ مستمر، وقد مرض البعض خلال الاعتقال، من بينهم مدير مجمع الشفاء الطبي الطبيب محمد أبو سلمية. جميع المعتقلين رووا تفاصيل تعذيبهم التي كانوا يعيشونها في مراكز الاعتقال وإذلالهم من أجل الحصول على دواء أو ماء، عدا عن استخدام بعضهم دروعا بشرية. 
ووصل 30 غزياً من بين الأسرى السابقين المفرج عنهم إلى مستشفى شهداء الأقصى ضمن السياسة التي تتبعها وزارة الصحة في الكشف الطبي عن أحوال المعتقلين وآثار التعذيب على أجسادهم لتقديم تقارير طبية. وكانت آثار التعذيب بادية على جميع الأسرى، باستثناء أربعة منهم، من أسرى سابقين قضوا سنوات طويلة في السجون وتعرضوا للتعذيب في أوقات سابقة.
إسماعيل حرب هو من بين الأسرى الذين اعتقلوا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أثناء تواجده في منزل أقاربه بعد تدمير بيته في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، واضطر إلى النزوح المتكرر وصولاً إلى الحاجز الإسرائيلي عند شارع صلاح الدين حينها، قبل إنشاء الشارع 749 الذي يعزل الطريق شمال قطاع غزة عن جنوبه. 
كان حرب يقف عند الحاجز، لكنه اعتقل بعدما جعلوه يقف على مقربة من أسرته. وحينها، لاحظ اعتقال عدد من المراهقين البالغين 16 عاماً، ثم اعتقل والعشرات ممن تجاوزوا الحاجز. وجميع هؤلاء مواطنون تلقوا تحذيرات بالإخلاء إلى جنوب قطاع غزة من أجل سلامة عائلاتهم كما كان يدعي الجيش الإسرائيلي، وقد اقتادهم إلى محطات عدة، منها منازل مدمرة غزية ثم إلى النقب الفلسطيني المحتل.

كلاب وكهرباء وضرب

عدد كبير من الأسرى تعرف إلى منطقة النقب، وكانوا لا يسمعون غير أصوات مركبات الاحتلال. ويقول حرب لـ "العربي الجديد": "تعرّضنا إلى تعذيب مذل على كرسي حديدي كنا نجلس عليه ونحن مقيدون. كنا نضرب ونُهان وكأنهم يتدربون على أجسادنا، إلى أن أطلقوا الكلاب علينا فوقعنا على رؤوسنا وأغمي على بعضنا". يضيف: "كنت قد خضعت لعملية جراحية بسبب انفجار القولون، وقد تعمد الاحتلال ضربي على البطن. كما فقدنا الأمل، فيومياتنا لا تدل على أنه يمكن أن يُفرج عنا، حتى أن بعضنا طلب أن يقتلونا". 

استشهد رجل يدعى أبو كايد كلوب كما يشير حرب، بعدما منع جيش الاحتلال الإسرائيلي وصول أطباء إسرائيليين لمعالجته. كان الموت في انتظاره جراء المعاناة المستمرة وشعوره بالإرهاق الشديد وعدم تحمله التعذيب الممنهج وانعدام تقديم العلاج، وهو رجل ستيني، عدا أن ساقه مبتورة. كان من المرضى الذين تم اعتقالهم من مجمع الشفاء الطبي بعدما اقتحمه الاحتلال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واستشهد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ركزت بعض قيادات الاحتلال الإسرائيلي على المعتقلين الـ 55 (من بينهم أطباء وعمال وأسرى سابقون)، ووجهت انتقاداً لاذعاً إلى قيادة الجيش على اعتبار أنه يجب عدم الإفراج عنهم، وقد تحدثوا على مواقع التواصل الاجتماعي عن التعذيب الذي تعرضوا له. من بين المفرج عنهم محمد حميد (39 عاماً)، الذي تعرض لتعذيب قاس وحرم من الأدوية التي كان يحصل عليها، واعتُقل وهو يشعر بالجوع والعطش لكنه حرم من المياه. كان في منزل أقاربه في حي الزيتون حين اعتقل معظم الرجال في المنطقة كما يشير، فيما أجبرت النساء على النزوح وتم التحقيق معهن أمام الرجال بطريقة مذلة، كما يصفها.
خلال الاعتقال، حجبت أعينهم وقد جرح البعض من شدة الضغط على الوجه. أجبروا على المشي في طابور عراة للوصول إلى مركبة كبيرة كدسوا فيها. منعوا من الكلام، وحين سأل أحدهم عمن معه، ضربه أحد الجنود بحذائه على ظهره. 
أصيب حميد بأمراض عدة في المعتقل. ويقول إن الاحتلال، ونتيجة تشابه بعض الأسماء، كان يجبر المعتقلين على التحدث عن كافة تفاصيل حياتهم بالإكراه والتعذيب، حتى تلك المتعلقة بحياتهم الخاصة وأقارب زوجاتهم، واتهموا بالمشاركة في أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. 

أحد المفرج عنهم (بشار طالب/ فرانس برس)
مدير مجمع الشفاء الطبي الطبيب محمد أبو سلمية بعد الإفراج عنه (بشار طالب/ فرانس برس)

يتذكر أنه كان طفلاًَ حين أصيب بمرض الجدري (عدوى فيروسية خطيرة ومميتة في أغلب الأحوال)، ولا يعرف إن كان قد أصيب به مجدداً في المعتقل. الأكيد أنه أصيب بمرض جلدي. كان المعتقلون متلاصقين ويمنعون من الاستحمام، ولا يسمح لهم بالكشف الطبي. كنا نرجوهم إحضار الأطباء لكن من دون نتيجة، باستثناء بعض الحالات التي كانوا يشكون أنها ستموت.
يقول حميد لـ "العربي الجديد": "كنا نحصل على وجبة واحدة في اليوم هي عبارة عن خبز ولبن أو خبز وجبنة. في بعض الأحيان تكون الجبنة غير طازجة وخصوصاً أنهم كانوا يحضرونها من مناطق بعيدة. ضربت بالعصي والسلاح والأحذية وأجبرت على الزحف كالأطفال، وتم سكب المياه الساخنة علينا وعذبنا بالكهرباء وأحياناً البقاء في الشمس لساعات". ثم يتوقف عن الحديث محاولاً حبس دموعه.

حروق الأسرى

من جهته، توجه أحد المفرج عنهم إلى المستشفى قبل أن يلتحق بأسرته التي كانت قد نجت من مجازر عدة، آخرها مجزرة مخيم البركسات غرب شمال مدينة رفح في 26 مايو/ أيار الماضي. اختار عدم الكشف عن اسمه لأن شقيقه لا يزال معتقلاً. هو أحد أكثر المعتقلين الذين كانت آثار التعذيب بادية عليهم. أحرق الاحتلال طرف يده، وأجبر على تقديم معلومات عن جميع سكان شرق مدينة غزة حيث كان يسكن، بمن فيهم أفراد عائلته. يقول لـ "العربي الجديد": "تعمد الاحتلال حرق طرف يدي لأنه أراد أن أخبرهم عن كل شيء في حياتي، من بينها تفاصيل متعلقة بحياتي الخاصة. أخبرتهم أنني عامل بناء لا أكثر أتولى إصلاح المنازل. ثم اتهموني بالمشاركة في بناء أنفاق، علماً أنني أشعر بالضيق من الأماكن الضيقة. ثم وضعوني في مكان ضيق جداً ومعتم بهدف تعذيبي".

يضيف: "كانوا يحجبون أعيننا ثم يزيلون الأقمشة ويضعون كشاف الضوء في أعيننا لنصاب بالصداع. ثم يطرحون الأسئلة. لكنني مجرد عامل بناء وكانوا يعرفون ذلك لأنني كنت قد تقدمت بطلب إذن للعمل في الداخل المحتل ما يعني أنني لا أشكل خطراً أمنياً. مع ذلك، أحرقوا جزءاً من جسدي كما فعلوا مع الكثير من المعتقلين. كانوا يطفئون السجائر برقاب بعضنا".  
كان محمد أبو بكر، أحد المحامين التابعين لهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، يحاول الحصول على معلومات عن المعتقلين الغزيين في السجون الإسرائيلية، إلا أن الاحتلال كان يمعن في حجبها بشكلٍ كبير، مع العلم أنه وضع أسرى غزة مع أسرى من الضفة الغربية. 
ما حصل عليه هو معلومات مؤكدة عن تعذيب سجناء غزة في مناطق صحراوية ومعزولة منها عن مراكز المدينة، يعتقد أنها قريبة من معسكرات جيش الاحتلال في الجنوب الفلسطيني المحتل. ويقول أبو بكر لـ "العربي الجديد": "توجهنا إلى عدد من المنظمات الحقوقية الدولية ومكتب الأمم المتحدة بطلب للوصول إلى المعتقلين الغزيين، لكن الاحتلال كان يرفض ذلك تماماً". يضيف: "ما يعيشه سجناء قطاع غزة والضفة الغربية ممن تم اعتقالهم خلال العدوان الإسرائيلي المستمر هو الأخطر في تاريخ حركة الأسرى الفلسطينيين، في ظل حجب المعلومات المتعمد والتعذيب. وأصبحوا يمنعون التواصل مع أسرى الضفة الغربية مؤخراً". 

المساهمون