أدركوا النحل!

01 فبراير 2022
اختصّ الخالق النحل دون كلّ المخلوقات بمزايا عديدة (بونيفايس موثوني/ Getty)
+ الخط -

عندما كان عالم الحشرات البروفسور التيجاني علّام، المدير السابق لمتحف التاريخ الطبيعي في جامعة الخرطوم، يحدّثنا في غمرة انفعاله بأنّ "هناك من الحشرات ما هو أفضل من بعض البشر"، لم يكن بالتأكيد يعني مجرّد الخلق، لأنّ الإنسان خُلق "في أحسن تقويم"، لكنّه كان يعني أدوار الخلق. وها هي الجمعية الجغرافية الملكية في لندن تُعلن رسمياً أنّ أهمّ مخلوق على وجه الأرض هو النحل. ذلك بعد أن أثبتت الأبحاث أنّ النحل هو المخلوق الوحيد الذي لا ينقل أيّ عدوى من أيّ نوع، بل يعقّم كلّ ما يلمسه.
اختصّ الخالق النحل دون كلّ المخلوقات بمزايا عديدة، فقد أوحى إليه أن يسكن الجبال والشجر وسقوف المنازل، وأن يأكل من كلّ الثمرات ليخرج لنا شراباً "مختلف ألوانه فيه شفاء للناس". ثم دعانا الله لنتفكر في ذلك.
فسّر بعضهم أنّ في توجيه النحل ليأكل من كلّ الثمرات إشارة إلى مسؤوليته عن الإسهام بنسبة كبيرة في غذاء العالم، إذ إنّ 70 في المائة من المنتجات الزراعية من كلّ الأنواع تعتمد في دورة نموّها بشكل أو آخر على النحل، وليس البشر وحدهم.

موقف
التحديثات الحية

كنت قد كتبت في مقال سابق نُشر بتاريخ 18 إبريل/ نيسان 2018 عن تحذير أينشتاين القائل إنّه "بعد موت آخر نحلة على كوكب الأرض، سيبدأ البشر بالانقراض"، فاستهجن بعضهم القول، بيد أنّ دراسة للجمعية الملكية تضمّنت تحذيراً شديد اللهجة، إذ ذكرت أنّ النحل بدأ فعلاً بالانقراض، وفي بعض المناطق قلّت أعداده بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وبالتأكيد فإنّ للتغيّرات المناخيّة أثراً في ذلك، إذ يؤدّي اضطراب تزامن تفتّح الأزهار وإشباع النحل إلى تناقص الأعداد، مثلما أنّ للأبخرة الكيميائية والأسمدة وإزالة الغابات والحرائق دورها في الأمر. كذلك ثبت أنّ ما يصدر عن الأجهزة الإلكترونية من ذبذبات وتلوّث كهرومغناطيسي يتسبّب في تشتيت تجمّعات النحل والتشويش على عمله الغريزي.
جاء في دراسة نشرتها دورية "ساينس" العلميّة في فبراير/ شباط 2020 أنّه "في خلال ثلاثة عقود انخفضت أعداد النحل الطنّان بمقدار 30 في المائة". والنحل الطنّان هو أفضل أنواع الملقّحات في الطبيعة. لكنّ دراسات أخرى صدرت عن جامعات عدّة أفادت بأنّ النحل الطنّان ليس استثناءً، إذ إنّ أعداد الحشرات في المجمل قد انخفضت بنسبة 45 في المائة منذ ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي يدفع الأرض إلى نقطة اللاعودة. وهو ما يعني أنّ ثمّة ضرورة عاجلة لوضع سياسات وقوانين في كلّ بلدان العالم تساعد في الإبقاء على حياة هذه الحشرات لمساعدة البشريّة على النجاة من الانقراض.
يحمد للبعض الاتّجاه نحو إنتاج عسل النحل (تجارياً)، والشاهد أنّ ثمّة انتشاراً كبيراً للمناحل في مناطق مختلفة، ما يؤدّي إلى زيادة رقعة الوعي بأهمية الحفاظ على التنوّع الأحيائي في الكون.
(متخصّص في شؤون البيئة)

المساهمون