آلاف المحاصرين يهددهم الموت في شمالي غزة والقصف متواصل

11 نوفمبر 2023
يستهدف الاحتلال الجميع في قطاع غزة (عبد الرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -

كانت حركة النزوح في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة متقطعة، اعتماداً على إمكانية تأمين وسيلة نقل، لكن بمرور الوقت وجد الجميع أنفسهم مجبرين على النزوح، حتى ولو كان إلى المجهول، فالجميع معرضون للخطر، والاحتلال يقصف جميع مناطق القطاع.
ويقدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة نزوح قرابة 50 ألف غزي داخلياً خلال اليومين الأخيرين، بعد أن بدأ الاحتلال محاولات اقتحام مناطق في مدينة غزة وتشديده القصف في شمالي القطاع، خصوصاً على أماكن وجود النازحين، بما فيها المستشفيات التي كانت تضم عشرات آلاف النازحين.
وقسم الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى شطرين، الأول من أقصى شمالي القطاع حتى وادي غزة، وهو ما تتركز فيه عمليات الاقتحام وصولاً إلى قلب مدينة غزة، والشطر الثاني يبدأ من وسط القطاع حتى جنوبه الذي بات يشهد كثافة سكانية مع وصول آلاف النازحين إليه.

عاد بعض النازحين من المستشفى الإندونيسي إلى منازلهم رغم وجود أضرار فيها بعد تفاقم مخاطر القصف في محيط المستشفى، واعتبر المدير الطبي للمستشفى أن الحصار الخانق الذي تتعرّض له يهدد الجميع، نازحين ومرضى، وأنه اضطرهم إلى التوقف عن العمل رغم وجود 420 مصابا.
وقرر سكان عدد من أحياء مدينة غزة عدم تركها، خصوصاً المناطق المحاذية لحي النصر وحي الرمال، بسبب اشتداد القصف، وعدم ضمان الخروج سالمين، وهم يقيمون داخل الطوابق السفلية، وبالقرب من السلم الرئيسي خشية تعرض منازلهم للقصف.
في أحد المنازل القديمة في مدينة غزة، يحاول مازن الخطيب (42 سنة) تناول قليل من الطعام حتى يوفر لوالدته المسنة (68 سنة) مزيداً من الطعام، وقد تمكن من توفير بعض الأدوية في أول أيام العدوان لما يكفي 3 أشهر. في المنزل ذاته يعيش 20 فرداً، وكان فيه قبل أسبوعين نحو 50 فرداً، لكن معظمهم نزحوا نحو الجنوب، وبقي هو وشقيقتاه وبعض الأقارب الذين رفضوا النزوح.
غادرت زوجة الخطيب وأبناؤه الثلاثة قبل أيام، وهو لا يعلم شيئاً عن مصيرهم مع استمرار العدوان، ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا عازم على البقاء، ولا أخشى أن يحصل لي مكروه، لكن لا ذنب لأطفالي، فلديهم مستقبل وأحلام وأمانٍ. استشهد اثنان من أصدقائي وعائلتاهما خلال محاولتهم النزوح إلى جنوب قطاع غزة، والموت يلاحقنا جميعاً أينما كنا، ووالدتي مسنة وتعاني من الربو، ولو قررنا نقلها قد تواجه أزمة صحية شديدة، وهذا خطر على حياتها، فهي بحاجة إلى أسطوانة أوكسجين، في حين أن غالبية المستشفيات في قطاع غزة خارج الخدمة، والمتبقي منها يعمل تحت ظروف الطوارئ. لن أترك هذا المنزل، فهنا عشت، ولعبت وكبرت، ووالدتي التي ترافقني لم تتركني منذ طفولتي، وقد عشت يتيماً، ورفضت أن تتزوج من أجل تربيتنا. والدتي هي فلسطين، ولا يمكنني تركها، كما لا يمكنني ترك فلسطين".

الصورة
ينتظر بعض النازحين في محيط المستشفى الإندونيسي (فادي الوحيدي/الأناضول)
ينتظر نازحون في محيط المستشفى الإندونيسي (فادي الوحيدي/الأناضول)

ولم يعد النازحون أو الطواقم الطبية والمرضى في مستشفيات المنطقة المحاصرة يملكون أي فرصة للتنقل، إذ قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي صباح السبت الطابق الخامس من مبنى الجراحة في مجمع الشفاء الطبي، وهو أكثر طابق حساس في المبنى، ويعتبر المبنى الذي يعمل على مدار الساعة والأكثر ضغطاً في عمل طواقم المستشفى.
وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أن العديد من الجثث والمصابين في محيط مجمع الشفاء وأن الطواقم الطبية لا تستطيع الوصول إليهم في ظل مواصلة الاحتلال قصف المجمع، وإلقاء القنابل في محيطه، ووجود أفراد من القناصة الذين يهددون كل ما يتحرك، وهناك 39 طفلاً في حاضنات مجمع الشفاء الطبي، أصبحوا ينتظرون الموت بسبب فقدان الطواقم الطبية سبل الحصول على الأوكسجين.
وبالرغم من نزوح الآلاف، صباح الجمعة، من محيط مجمع الشفاء الطبي إلى وسط وجنوبي قطاع غزة، يقدر القدرة بقاء قرابة 10 آلاف نازح في المنطقة، بعد أن كان العدد يتجاوز ضعفي هذا العدد قبل أيام، وأن نحو ثلث هؤلاء هم من الأطفال.

الصورة
القصف يخلف مئات الشهداء يومياً (عبد الرحيم خطيب/الأناضول)
القصف يخلف مئات الشهداء يومياً (عبد الرحيم خطيب/الأناضول)

تعرض مخيم جباليا إلى أبشع المجازر الإسرائيلية خلال العدوان الحالي منذ إنشائه عقب النكبة الفلسطينية في عام 1948، وداخل المخيم تتكافل الأسر لتأمين الحاجيات الأساسية للبقاء على قيد الحياة. تمكن "العربي الجديد" من التواصل مع بعض العائلات التي قررت عدم مغادرة المخيم، والذين أجابوا عبر تسجيلات صوتية كشفوا فيها عما يواجهونه تحت العدوان، وعن أسباب قرار البقاء.
من داخل المخيم، يقول حمزة جمال لـ"العربي الجديد": "سكان المخيم يدعمون بعضهم البعض كما كان الحال طوال سنوات عمري الـ33، وهم حالياً يتكاتفون أكثر تحت الحصار المشدد والعدوان المتواصل. أعيش مع عائلتي في منزل من الصفيح في شارع الهوجا، ومعي والدي (62 سنة)، ووالدتي (52 سنة) و12 فرداً آخرين، أكبرهم 34 سنة وأصغرهم عمره شهر واحد، وقد ولد أثناء العدوان".
يضيف جمال: "الاحتلال يروّج أن مساكن المخيم تم إخلاؤها بالكامل، وهذه رواية كاذبة وعارية من الصحة، وأعتقد أنها مقدمة لعملية عسكرية يمكن أن تحدث خلال الأيام المقبلة، فكثير من العائلات قررت البقاء في المخيم لأن لديهم كبار سن وأطفالاً، والبعض يرفضون المغادرة حتى لا يكرروا مشاهد النكبة، ومصممون على البقاء في المخيم. حقنا الوطني والإنساني أن نبقى في منازلنا، فليس لدينا مكان نذهب إليه، والباقون في المخيم كثيرون، وكل جيراننا موجودون رغم استهداف الحي في بداية الشهر، وحينها تضررت كثير من المنازل، لكننا نجونا من الموت، ومنذ أربعة أيام لا نملك إلا القليل من الطعام، ونحن على أبواب مجاعة حقيقية، والأهالي يتقاسمون ما لديهم لإطعام الأطفال والمرضى وكبار السن، وكل المتاح قليل من البسكويت والتمور".

وانقطع تواصل العائلات المحاصرة مع طواقم الإسعاف والإغاثة، لكن الكارثة الكبرى حالياً تتمثل في نفاد الطعام. يقول عائد شرف (40 سنة) من مخيم جباليا لـ"العربي الجديد": "لجأ عدد من السكان في بداية المجازر إلى البحث عن تأمين ما يمكن من الطعام من المتاجر، وخصوصاً التمور بشكل أساسي، وبعض المعلبات والبقوليات المتوفرة، كما قرّر غالبية سكان المخيم التجمع في المنازل مع أقاربهم، خصوصاً في المنازل البعيدة عن الشوارع الفرعية. التمور أكل الصابرين، وتجعلنا نصبر على الجوع، نعرف أن الموت يحاصرنا، وجميعنا يخشى من مخطط التهجير، لكن غالبية سكان المخيم لا يخافون الموت، ويكررون أنه لا خروج تحت أي ظرف، فلا مكان آمناً، والحصار يطاول كل مكان، والجوع كذلك، وقد عشنا الحصار طوال حياتنا تقريباً".

المساهمون