في يوم عيد الميلاد المجيد، يقف اللبنانيون حائرين أمام واقع معيشي مرير، بعدما عُلّقت آمالهم وأحلامهم على شجرة ينخر فيها اليباس يوماً بعد يوم، وزُينت بشريط لا يبصر النور إلا نادراً. آباء وأمّهات وأطفال وشباب وشابات يشكون قساوة الحياة، وينشدون فرحة سُرقت منهم على غفلة. فالعيد هذه السنة أشدّ وطأة وسط الأوضاع الاقتصادية والصحية المتأزمة، رغم بعض مشاهد الزينة والأجواء الميلادية في شوارع العاصمة بيروت، والاحتفالات المتنقّلة في قرى ومدن.
تروي الطالبة الجامعية ريتا رحمة بحسرة كيف تبدّلت عادات العيد وطقوسه، وتقول لـ"العربي الجديد": "اعتدت مع عائلتي أن أقضي كل سنة العيد مع جدي وجدتي في بلدتي عيناتا الأرز (البقاع الشمالي)، لكنّنا اليوم غير قادرين على الانتقال من بيروت إلى البلدة بسبب غلاء سعر صفيحة البنزين. ونحن نعلم أيضاً أن عشاء العيد لن يشبه السنوات السابقة، فكيف نشتري اللحوم والدجاج والسمك في ظل ارتفاع أسعارها، وكذلك الخضار لتحضير صحن تبولة".
وبعدما اعتادت أن تشتري ملابس جديدة في العيد، تؤكد ريتا أن هذا الأمر مستحيل هذه السنة، "فالأولويّة لشراء أدوية ومواد غذائية وحاجات أساسية. وبالنسبة إلى الهدايا سأكتفي بمعايدة أهلي برسالة أو ربّما عبر هدية يدوية، فالوضع لا يسمح بشراء هدايا للجميع، ولا يمكنني أن أخصص هدية لشخص دون آخر".
وتستذكر ريتا مغزى العيد وجوهره، وتقول: "صحيح أنه ليس هدايا وألعابا وزينة وملابس جديدة، لكن عائلتي تواجه غصّة معاناة والدتي من مرض مزمن، وحاجتها إلى دواء وعلاج شهرياً، ما يرتّب مسؤوليات كبيرة على والدي الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة. ونحن بالكاد نؤمّن الأساسيات، فكيف حال الكماليات التي يُحرم منها معظم المجتمع اللبناني".
وتلفت رحمة إلى أن عائلتها استخدمت الزينة القديمة لشجرة العيد، وتضيف: "لا سبيل لشراء شريط كهرباء جديد للزينة إذا تعطل الموجود، كما أن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لا يسمح بأن نضيء الشجرة. والحسرة أكبر ترتبط بالعجز عن تقديم هدايا للأطفال أو منحهم فرحة العيد، خصوصاً أنّ الميلاد مناسبة تجمع العائلة، وتحمل معاني عدة".
من جهته، يتحدث أسعد داغر، من بلدة الرميلة بمحافظة جبل لبنان والذي يزاول مهنة حرة، لـ"العربي الجديد"، عن تحضيرات العيد، ويقول: "سنعدّ عشاءً على الخفيف، ولن نقيم وليمة كما اعتدنا بمشاركة أقارب وأصدقاء، ولن نجلب حبش العيد المكلف جداً. وقد أبقينا على الزينة القديمة للشجرة، واستغنينا عن شراء الهدايا للأقارب، وسأكتفي مع زوجتي بشراء هدية متواضعة لابنتنا الصغيرة".
وتختصر ليليان مشعلاني، وهي في العقد الخامس ومتحدرة من بلدة المريجات (البقاع)، حجم المعاناة، بكلمات "لا عيد هذه السنة التي تعتبر أسوأ من سابقاتها". وتتحدث لـ"العربي الجديد" عن أن "لا رونق للعيد في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ونحن لم نستطع شراء أي من مستلزمات الضيافة أو زينة الشجرة التي لا يمكن أن نضيئها أصلاً وسط العتمة الشاملة التي ترافق يومياتنا. أما عشاء العيد فسيقتصر على معجنات محضّرة في المنزل، ومأكولات بسيطة غير مكلفة".
وتأسف ليليان لأنها لن تحتفل بالعيد مع عائلتها هذه السنة، "فالظروف قاسية على الجميع، ولا يمكن أن يتحمّل أحد الكلفة، كما لا تزال جائحة كورونا تلقي بثقلها على الواقع الصحي، ما يحدّ من زيارات التهنئة بالعيد".
وتتحسر ليليان على أن راتب زوجها العسكري المتقاعد بات لا يتجاوز 50 دولاراً شهرياً، وتقول: "تبقى روح العيد في قلوبنا، وعسى أن تحمل السنة الجديدة الخير والفرج للجميع".
من جهته، يسأل إميل معوّض، من بلدة الدامور (جنوب بيروت)، عن كيفية الاستعداد للميلاد في ظلّ الغلاء وعدم عمله منذ مدة طويلة ومسؤوليته عن ولدين. ويقول لـ"العربي الجديد": "سنكتفي باحتفال بسيط، فالوضع صعب على الجميع".
أما آمال جبّور، التي دُمّر منزلها في انفجار مرفأ بيروت، في 4 أغسطس/آب 2020، فتبدي حزنها على الأوضاع، وتقول لـ"العربي الجديد": "تغيّرت الحياة وعادات العيد وسط الغلاء وجائحة كورونا. لم تعد العائلة تجتمع، خوفاً على صحة كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، كذلك بسبب تدمير الأوضاع المادية نفسية المواطنين. سرقوا منّا فرحة الأطفال الذين اعتدنا أن نحضنهم ونحيطهم بهدايا وملابس جديدة. ونحن اليوم مقصرون جداً معهم".