تتواجد في أفغانستان أعداد كبيرة من النازحين داخلياً بسبب المعارك التي اندلعت بين حركة طالبان والقوات الحكومية قبل سقوط كابول في نهاية أغسطس/آب الماضي. بعضهم مشردون، لأن الفرصة لم تتهيأ لعودتهم إلى منازلهم رغم توقّف الحرب، وآخرون عادوا فعلاً إلى ديارهم لكنهم يواجهون مشاكل هائلة بسبب الخسائر التي لحقت بمنازلهم وأعمالهم وحقولهم، وأحدهم جمشيد خان روزي الذي عاش أشهراً من المعاناة في حديقة شهر نو، وسط العاصمة كابول، بعدما ترك منزله في إقليم قندوز (شمال).
يخبر جمشيد "العربي الجديد": "عشنا أياماً صعبة في كابول. مكثنا في خيمة صغيرة، واشتد البرد علي وعلى أطفالي من دون أن نملك وسائل للتدفئة. لكن ما خفف معاناتنا تسلّمنا بعض المساعدات من أثرياء ومن أهل الخير". ويشتكي من وقوع كثير من الغش في عملية توزيع المساعدات، "إذ كان يأتي متسولون إلى الحديقة ويتسللون وسط النازحين، قبل أن يعودوا إلى منازلهم ليلاً، ثم يتواجدون مجدداً في الخيم صباحاً لتسلم المساعدات".
وتنفيذاً لمشروع إعادة النازحين داخلياً إلى منازلهم والذي أطلقته مؤسسة "النساء المتطوعات" التي تموّلها أفغانيات يقمن خارج البلاد، معظمهن في ألمانيا، غادر جمشيد خان مع آلاف آخرين حديقة شهر نو في باصات وفّرتها المؤسسة التي منحت كل أسرة أيضاً مبلغ 10 آلاف أفغانية (101 دولار).
يقول مدير مؤسسة النساء المتطوعات، واجد أحمد صافي، لـ"العربي الجديد": "قمنا بمشروع كبير، إذ اعتقدت المؤسسة في البداية أن عدد النازحين قليل ولا يتجاوز ألفي أسرة، لكن تبين أن العدد أضعاف ذلك، وقمنا بتوزيع المنح المالية التي في حوزتنا، وهي عشرة آلاف أفغانية، على 1055 أسرة، ووفرنا مواصلات العودة للجميع، لكن المبلغ لم يكفِ لاستكمال المساعدات المادية".
يضيف: "أعدنا 3500 أسرة نازحة إلى 22 ولاية، أكثرها في الشمال. وهي كانت تتواجد في ثلاث حدائق رئيسية في كابول هي شهر نو وسراي شمالي وجولاي بارك. كما أجلينا أسراً تواجدت في أماكن متفرقة في أماكن مختلفة، بينها 120 أسرة من سكان ولاية دايكندي كانت تعيش في منطقة دشتي برجي، غرب كابول".
ومن الأشخاص الذين عادوا إلى منازلهم من دون أن يتسلموا المنحة المالية عبد المنعم بغلاني الذي مكث في حديقة سراي شمالي، وعاد أدراجه إلى مدينة بولي خمري. ويقول لـ"العربي الجديد": واجهنا خيارين صعبين، أولهما البقاء في كابول والتعرض للبرد الذي كاد أن يقتل أطفالنا، أو العودة إلى ديارنا، وهو ما فعلناه حيث نعيش الآن في منزل أحد أقاربنا، لأن منزلنا دمّر بالكامل خلال المعارك التي اندلعت بين طالبان والقوات الحكومية السابقة".
ويقع منزل ابن عم عبد المنعم قرب مقار حكومية لم تتعرض لقصف. أما منزله ففي ضواحي مدينة بولي خمري، حيث اندلعت مواجهات شرسة دمرته مع عشرات المنازل الأخرى.
من جهته، يقول مسؤول الحملات الميدانية في مؤسسة "وطن للمساعدات الاجتماعية والتقنية" التي تساعد النازحين داخلياً، فضل أكبر وزيري، إن "آلاف الأسر تعيش في حالة صعبة وفي خيم عند أطراف العاصمة كابول والولايات، لأنها لا تستطيع العودة إلى مناطقها حيث دمرت الحرب بيوتها".
وعن المشاكل التي يواجهها النازحون، يقول وزيري إن "أهمها هو الحرمان من الرعاية الصحية، فمعظم المستشفيات الحكومية تعاني من نقص في الكوادر والمواد الطبية بعد سيطرة طالبان على الحكم، وكذلك شح المواد الغذائية وفقدان المياه الصالحة للشرب، وحرمان الأطفال من التعليم".
وكانت وزارة شؤون المهاجرين الأفغانية أعلنت قبل يومين من سيطرة طالبان على كابول أن نحو 60 ألف أسرة نزحت داخلياً بسبب الحرب والمعارك الطاحنة التي اندلعت بين مقاتلي طالبان وقوات الحكومة خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين.
وسبق ذلك إعلان الوزارة ذاتها في الأول من مايو/أيار أن عدد النازحين داخلياً بسبب الحرب في أفغانستان تجاوز أربعة ملايين يحتاجون إلى دعم مناسب ومستلزمات أولية من غذاء ودواء ومأوى.
من جهتها، حذرت المفوضية الدولية للاجئين في 13 أغسطس/آب الماضي، أي قبل يومين من سقوط كابول في يد "طالبان"، من وقوع كارثة إنسانية في صفوف النازحين داخلياً بسبب الحرب. وأكدت حينها أن 400 ألف شخص تركوا منازلهم بسبب الحرب منذ مطلع 2021، وأن 120 ألفاً منهم توجهوا إلى العاصمة الأفغانية، أما عدد النازحين بسبب الحرب عام 2020 فبلغ 2.9 مليون.
ويؤكد فضل أكبر وزيري أن النازحين داخلياً الذين عادوا إلى منازلهم أو ما زالوا يعيشون خارج ديارهم يحتاجون إلى دعم ومساندة، وإلا سيلحق الشتاء كارثة إنسانية بهم.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حثت منظمة الصليب الأحمر المجتمع الدولي على التواصل مع "طالبان"، مشددة على أن جماعات الإغاثة لن تستطيع بمفردها تجنب اندلاع أزمة إنسانية. وقال روبرت مارديني، المدير العام للمنظمة: "نكثف جهودنا مع منظمات أخرى في أفغانستان، لكن دعم المجتمع الدولي الذي يسلك نهجاً حذراً في التعامل مع طالبان، يلعب دوراً حاسماً في توفير الخدمات الأساسية".
وأنشأت الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أيضاً صندوقاً خاصاً لتوفير السيولة المباشرة للأفغان، وقالت إنه "سيحل المشكلة لثلاثة أشهر فقط".