"خليك آمنة" لحماية التونسيات من الابتزاز الإلكتروني

07 مارس 2021
التوعية والتوجيه إلى الجهات القانونية ضروريان في حال الابتزاز (فريدريك سلطان/ Getty)
+ الخط -

جرائم الابتزاز الإلكتروني في تونس تتزايد، إذ يمكن أن تدمر سمعة النساء خصوصاً. وبينما تعمل الدولة على مكافحتها، بدأت بعض الجمعيات في التوعية حولها من خلال حملة عبر الإنترنت

"منذ ثلاث سنوات تقريباً، تغيّرت حياتي وساءت علاقتي بعائلتي، بعدما بتّ أتعرّض لتهديد بنشر صوري على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل شخص كانت تربطني به علاقة. خطأي الوحيد هو أنّني أرسلت صوراً خاصة إليه ولم أقبل بدفع أموال مقابل عدم نشر الصور. لم أتخيل أن يصل الأمر إلى هذا الحدّ، ولم أفكر أبداً أنّ من الممكن أن أتعرّض إلى ابتزاز إلكتروني من شخص وثقت به". هذا ما تتحدث به آمنة عن قصة الابتزاز التي تعرّضت لها، مضيفة أنّها اضطرت إلى إبلاغ عائلتها لإيجاد حلّ يجنّبها فضيحة نشر صور قد تهدم حياتها نهائياً. ولم تفكر حتى في تقديم شكوى لعدم درايتها بوجود قانون يُعاقب على تلك الجريمة، ولا علم لها حتى إلى أي جهة يفترض بها أن تتوجه لتقديم شكوى.

المرأة
التحديثات الحية

قضايا ابتزاز إلكتروني كثيرة، تحصل في تونس، لكن من دون أن تكون هناك إحصائيات دقيقة حول حجمها الحقيقي. أغلب التصريحات الرسمية تفيد بأنّ المشكلة ليست ذات حجم كارثي مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى. في المقابل، تشير أنباء وتصريحات من اختصاصيين في الجمعيات والمنظمات، إلى أنّ نساء كثيرات يتعرّضن للابتزاز الإلكتروني، ولا يعرفن حتى أنّ هناك قوانين تحميهن، بل يجبرن أحياناً على الخضوع للابتزاز بأشكال مختلفة مخافة الفضيحة.
ويمكن أن تصل صور من يتعرّض للابتزاز إلى مرتكبه إما عن طريق اختراق الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الضحايا أنفسهم ممن أرسلوا صوراً أو مقاطع فيديو خاصة جداً إلى أشخاص كانت تربطهم بهم علاقة، ليجدوا أنفسهم ضحايا ابتزاز بات يعتبر نوعاً من الجرائم التي يعاقب عليها القانون في تونس. فقد سنّت تونس جملة من التشريعات التي تحمي الأشخاص من التهديدات الإلكترونية، وفي الأصل نصّ الفصل 24 من الدستور على ضرورة "حماية الحياة الخاصة وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية". 
وفي الفترة الأخيرة نصّت المجلة الجزائية في فصلها 226 على أن "يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية (غرامة) قدرها ألف دينار (366 دولاراً) كلّ من يعتدي علناً على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول، أو يعمد علنا إلى مضايقة الغير بوجه يخلّ بالحياء ويتوجب نفس العقوبات المذكورة بالفترة المتقدمة كلّ من يلفت النظر علناً إلى وجود فرصة لارتكاب فجور وذلك بكتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعية أو بصرية أو إلكترونية أو ضوئية". وعلى الرغم من تلك القوانين ما زال كثيرون يعانون من مشاكل الابتزاز الإلكتروني، الذي تكون فيه النساء أكثر الضحايا.
وتُشرف جهات أمنية عدة على متابعة الجرائم الإلكترونية. وتنطلق الضابطة العدلية من سماع الضحية ومعاينة الحساب الشخصي للمشتكي مباشرة، ليجري تحويل القضية في ما بعد إلى المحاكم. ويلجأ العديد من الضحايا إلى القانون وعدم الخضوع لأيّ مبتز، إذ تهتم الفرق المختصة في البحث في جرائم العنف ضدّ المرأة والطفل بكلّ الشكاوى، مع تتبع الأشخاص الذين يتعمدون تهديد الآخرين. وتُضبط آلاف الصور ومقاطع الفيديو  لدى المبتزين، فيما يُكشف عن شبكات تتخصص في الجرائم الإلكترونية عبر إنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي واستدراج الضحايا، خصوصاً النساء وتهديدهن ببعض الصور والمقاطع مقابل الحصول على أموال. 

الصورة
لا بدّ من التوجه إلى سلطات إنفاذ القانون في حال الابتزاز (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وتكفلت مؤخراً محكمة التحقيق بالمهدية بشكوى تقدّمت بها مستشارة بلدية، من إحدى مناطق محافظة المنستير، تتهم فيها رئيس المجلس البلدي بالاعتداء عليها جنسياً مع ابتزازها، مقرّة بأنّها تعرضت للاعتداء الجنسي وأجبرت على إقامة علاقة جنسية من دون رضاها مع رئيس المجلس البلدي، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018، ثمّ تلقت رسائل وصوراً ومقاطع فيديو عبر تطبيق اتصالات خاص على الهاتف المحمول، تعرضت من خلالها إلى الابتزاز والتهديد، وهو ما دفعها إلى تقديم الشكوى.
وفي هذا الإطار، يقول أحد المختصين في إحدى فرق البحث في جرائم العنف ضدّ المرأة والطفل لـ"العربي الجديد" إنّهم يستقبلون كثيراً من الشكاوى التي ارتفع عددها خلال السنوات الأخيرة، إذ تتعرّض نساء كثيرات إلى الابتزاز الإلكتروني لا سيما الفتيات التي تتراوح أعمارهنّ بين العشرين والثلاثين عاماً. وأغلبهنّ وقعن ضحية أشخاص يحصلون على صور خاصة جداً ليتم ابتزازهن بها مقابل الحصول على أموال. 
يضيف: "لكن، قد يكون عدد ضحايا الابتزاز الإلكتروني أكبر بكثير من عدد الشكاوى التي تصلنا. لأنّ الأغلبية لا يعلمن عن الجهة التي يجب عليهن أن يتصلن بها في حال التعرّض إلى الابتزاز أو يخفن من فضح أمرهن أمام العائلة في حال تقديم شكوى". وقد تسببت العديد من عمليات الابتزاز الإلكتروني في تونس في انتحار بعض الضحايا أو في ارتكاب بعض الجرائم التي تتحدث عنها عشرات الأخبار سنوياً.
في المقابل، أطلقت مؤخرا بعض المنظمات النسوية حملة للتعريف بالقانون وبعقوبة المبتز وتوعية النساء خصوصاً بعدم الخضوع إلى الابتزاز الإلكتروني، بل تقديم شكوى، لا سيما مع تخصيص فرق في الضابطة العدلية لتنظر في جرائم العنف ضد المرأة والطفل بجميع أنواعه وفي مختلف الجهات. وقد نظمت بعض الجمعيات النسوية ندوات تُعرّف بالجرائم الإلكترونية خصوصاً جريمة الابتزاز الإلكتروني والقوانين والعقوبات التي تعتمدها تونس لحماية كلّ من يتعرّض إلى هذا النوع من الجرائم. 
ولمناهضة أشكال العنف المسلط على النساء والفتيات، وإحياء لليوم العالمي للإنترنت الآمنة، أطلق مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة، بالشراكة مع منظمة السلامة والتنمية التكنولوجية، حملة التوعية تلك تحت شعار "خليك آمنة" لكسر حاجز الصمت حول هذا الشكل من العنف. جاءت الحملة تبعاً لتوصيات الدراسة الاستطلاعية التي أنجزها مركز البحوث حول "العنف ضدّ النساء في الميديا الاجتماعية: الفيسبوك نموذجاً" والتي أظهرت مدى ارتفاع منسوب هذا النوع من العنف، إذ كشفت أنّ أربع نساء من كلّ خمس شملهن استطلاع الدراسة تعرضن للعنف في موقع "فيسبوك".

في هذا الإطار، تقول الناشطة الحقوقية يسرى فراوس، لـ"العربي الجديد" إنّ "نساء عديدات يقعن ضحايا للعنف والتحرّش على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما وقعت العديد منهنّ في فخّ الابتزاز الإلكتروني. وتهدف الحملة بالأساس إلى توعية النساء بحقوقهنّ، مع تعريفهن بجمعيات عدة تتابع مثل تلك الجرائم، وتقدم الإحاطة والمساعدة. كذلك، توعية النساء بوجود جهات أمنية مختصة لمساعدة ضحايا الابتزاز الإلكتروني والعنف الافتراضي وكيفية التصرّف خلال تقديم الشكوى".

المساهمون