نُظّمت "حملة إنسان" في قرى وبلدات وأحياء مخيمات عدّة في القدس المحتلة، دعماً للاجئين سوريين في مخيمات الشمال التركي.
تحوّلت مساجد القدس وضواحيها وبلداتها على مدى الأيام الماضية إلى مقصد للمقدسيين الذين راحوا يتبرّعون للاجئين السوريين في شمالي تركيا. هناك أقيمت المخيمات التي تؤوي مئات العائلات السورية التي شرّدتها الحرب وأدّت الأحوال الجوية السيئة الأخيرة إلى تكبّدها خسائر مختلفة، منها بشرية.
وسُجّلت خلال حملة التبرعات هذه مواقف مؤثّرة. ويخبر الناشط معاذ الجندي "العربي الجديد" أنّ "ثمّة شاباً كان يجمع المال منذ مدّة للزواج، أجّل حفل زفافه وتبرّع بما جمعه عندما علم بأمر الحملة. وثمّة شاب آخر لم يوفّق وزوجته بعد بالإنجاب وكان يجمع المال من أجل عملية أطفال أنابيب، فقرّر تأجيل العملية والتبرّع بالمبلغ لسكان الخيام الذين يعانون في البرد".
في الجامع العمري ببلدة صور باهر في القدس، وعلى مدى الأيام الماضية، راح أهل البلدة والبلدات المجاورة يقدّمون تبرّعاتهم بعد كل صلاة، علماً أنّ المتبرّعين من كل الفئات. وتبرعت نساء بمصاغهنّ، وأطفال قدّموا ما جمعوه في حصّالاتهم دعماً للأطفال اللاجئين، بالإضافة إلى تبرّعات عائلات وشركات وأفراد.
و"حملة إنسان" كانت قد انطلقت من مخيم شعفاط الواقع إلى الشمال من مدينة القدس، وصاحب المبادرة هو الناشط محمد وحيد خشان الذي حثّ أقرانه وأهالي المخيم على الإتيان بما يسعف اللاجئين السوريين ويقدّم العون لهم. ويقول محمد الفقيه أحد القائمين على حملة التبرّعات في المخيم لـ"العربي الجديد" إنّ "هدف الحملة مساعدة اللاجئين السوريين في شمالي تركيا، هؤلاء الذين هم ضحايا الحرب في سورية. وسوف تُستخدم الأموال في شراء مستلزمات يحتاجونها وإيصالها إليهم مباشرة بعد التنسيق مع الجهات المختصة هناك".
يُذكر أنّ في مخيم شعفاط كذلك، سُجّلت مشاهد متبرّعين من الأطفال الذين قدّموا ما جمعوه في حصّالاتهم للحملة، إلى جانب تبرّعات هيئات شعبية. وقد توسّعت الحملة ليشارك فيها متطوّعون شباب قصدوا المحال التجارية والمؤسسات في المخيم طلباً لمساهمة، وقد قوبلت المبادرة بتجاوب كبير، سواء من أهالي المخيم أو من قبل المواطنين في ضاحية السلام وعناتا المجاورتَين للمخيم.
ويأمل القائمون على حملة التبرّعات، خصوصاً في بلدة صور باهر بالقدس، تشييد قرية في شمالي تركيا تضمّ مئات الوحدات السكنية وتحمل اسم "صور باهر - القدس"، على أن يُستكمل بناؤها قبل فصل الشتاء المقبل، بحسب ما يشير الشيخ ناجح بكيرات أحد أبناء البلدة لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ تلك الحملة هي "دعم من المقدسيين لإخوانهم السوريين". وطمأن بكيرات المتبرّعين أنّ "أموالهم سوف تصل إلى مستحقيها، وأنّ بناء الوحدات السكنية للاجئين السوريين يأتي عبر هيئات رسمية تركية وبموافقتها، وأنّ فريقاً من القائمين على الحملة سوف يتوجّه إلى تركيا للإشراف على أعمال البناء وتزويد تلك الوحدات بالبنى التحتية اللازمة من مياه وكهرباء".
ما يلفت في حملة التبرّع تلك إلى جانب الأطفال الذين أفرغوا حصّالاتهم، المبالغ المالية التي قُدّمت عن أرواح الأموات كما هي الحال مع عائلة المربية المرحومة سميرة أبو حامد. لكنّ اللافت أكثر كان إعلان المواطن المقدسي معاذ الزعتري عن عرض منزله للبيع وتخصيص ثمنه بالكامل لمصلحة اللاجئين السوريين.
وورد في إعلان بيع البيت "لوجه الله تعالى، أعلن عن بيع شقتي في كفر عقب شنال القدس تل المعلوفية - إسكان القمة، والتي تقع في الطابق الخامس ومساحتها 190 متراً، جديدة مشطبة على أكمل وجه، وتتكون من ثلاث غرف نوم، صالون وصالة ومطبخ كبير وثلاثة بلكونات وثلاثة حمامات. سعر الشقة 600 ألف شيقل (نحو 190 ألف دولار أميركي) وبسبب الحاجة إلى المساعدة الفورية أعلن بيعها بقيمة 500 ألف شيقل (نحو 155 ألف دولار) مع تنازل فوري. وكامل ثمن الشقة سيتمّ التبرع به لمساعدة إخواننا اللاجئين السوريين لبناء 100 وحدة سكنية تؤويهم من البرد الشديد وحرّ الصيف".
ويؤكد الزعتري لـ"العربي الجديد" أنّ "قرار التبرّع بمنزلي جاء بعد ما شاهدته على محطات التلفزة من أوضاع مؤثّرة ومحزنة لأطفال سوريين يعانون من البرد الشديد تحت الأمطار ووسط العواصف. هي مشاهد لا يمكنني نسيانها". يضيف الزعتري: "تلقيت اتصالات كثيرة من أشخاص يرغبون في شراء المنزل، لكنّ العقبة الوحيدة التي تمنع ذلك هو أنّهم يريدون شراءه بالتقسيط وأنا أريد بيعه نقداً حتى نتمكن من إرسال المبلغ كاملاً إلى إخواننا السوريين". لكن ماذا عن مصير عائلته بعد بيع المنزل؟ يقول الزعتري: "لديّ منزل آخر بديل في القدس، أمّا المنزل المتبرّع به فهو غير مأهول حالياً، وبالتالي لا غضاضة من التبرّع به لوجه الله لعلّه ينقذ أرواحاً بريئة".
وقد لاقت "حملة إنسان" ردات فعل اختلفت ما بين مؤيدة ومتحفظة، فثمّة من رأى أنّ الفلسطينيين أحقّ بتلك التبرّعات في حين تشهد القدس يومياً عمليات هدم وتشريد للعائلات، أو كما يقولون "الأقربون أولى بالمعروف". في هذا الإطار، كتب الناشط إسماعيل مسلماني في منشور على موقع "فيسبوك": "في صور باهر خلال أربع ساعات تمّ الإعلان عن مليون شيقل لأجل اللاجئين السوريين، فيما على بعد أمتار عن الحدث تقوم عائلة شقيرات بإخلاء منزلها. وهم خارج البيت. من أولى يا شيوخ؟". أضاف: "لست ضدّ مساعدة (أيّ كان) حتى لو كان أجنبياً، بس المفروض نضالك هون أوّلاً، بناء غرفة بالقدس أهم من كلّ دول العالم!".
من جهته، كتب الناشط معاذ الجندي في منشور على موقع "فيسبوك" تعليقاً على الحملة: "جهد جبار، وأيّ شعب عظيم هذا الشعب الذي يؤمن بأنّ للإنسان كرامة يجب أن تُحفظ وأن تُصان، أيّ شعب عظيم هذا الشعب الذي لا ينسى من نصره يوماً حتى لو بكلمة بسيطة، فما بالكم بالشعب السوري الذي احتضن آلاف اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة". أضاف الجندي" "إنّ الشعب الفلسطيني ليس شعباً متسوّلاً مثلما تصوّره القيادات للدول المانحة، وليس الشعب الفلسطيني منعزلاً عن محيطه، ولا الشعب الفلسطيني باع قضيّته، ولا الشعب الفلسطيني ناسياً النكبة والنكسة التي صنعتهما الجيوش العربية".
ويؤكد القائمون على "حملة إنسان" توفير ما يبغونه من حملتهم، من دون أن تغيب عن أذهانهم أوضاع المقدسيين والعائلات المنكوبة في القدس. ويقول بكيرات إنّ "القدس نعم أولوية، لكنّ إغاثة أبناء الأمّة المنكوبين هي كذلك، ومن القدس تُحمَل رسالة ذات معنى لتظلّ القدس حاضرة في وجدان الشعوب العربية والإسلامية".