على قصعة معدنية، يجتمع أفراد أسرة سِلمي أبو واكد، من منطقة "الملالحة" في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، لتبذير البطيخ البلدي (استخراج بذوره)، في مهنة موسمية تنشط في فصل الصيف مع بداية موسم البطيخ.
ويعتمد أبو واكد على تلك المهنة القديمة كمصدر دخل مؤقت، إذ يقوم بتجهيز كمية من بذور البطيخ لبيعها، سواء للمزارعين لإعادة زراعتها، أو لمصانع تحميص المكسرات لتحميصها وبيعها، وهي من أشهر أنواع المكسرات ذات الشعبية العالية.
ولا تقتصر تلك المهنة على عائلة أبو واكد فحسب، وإنما تنتشر في مختلف محافظات قطاع غزة، وتحديداً في المناطق الشرقية، وذلك بسبب قربها من المساحات الزراعية، وأماكن وجود كميات البطيخ البلدي، والذي لا يصلح سواه لاستخراج البذور.
وتمرّ عملية "التبذير" بعدّة مراحل، تبدأ باختيار أحجام وأصناف محدّدة من البطيخ، وتحضيرها لفتحها واستخراج البذور، ومن ثم تجهيزها للدخول في مراحل الإنتاج، والتي تجتمع فيها الأسرة لتسهيل العملية التي تستغرق ساعات، حتى تصبح جاهزة للبيع في السوق.
ويوضح سِلمي أبو واكد، لـ"العربي الجديد"، أنه ومع حلول الموسم، يتم شراء البطيخ الصغير، الذي يُقطف من الخط الشرقي (في الأراضي الزراعية شرقي قطاع غزة)، إذ تبدأ زراعة البطيخ في شهر فبراير/ شباط، أو مارس/ آذار، فيما يتم قطافه في شهر يوليو/ تموز من كل عام.
ويضيف أنّ العام الحالي شهِد انخفاضاً ملموساً في كميات البذور، وذلك بفعل انخفاض نسبة الأمطار، علاوة على تدمير الاحتلال الإسرائيلي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية منذ بداية موسم زراعة البطيخ، إلى جانب التأثير المُباشر للعدوان الإسرائيلي الأخير، والذي طاول أراضي زراعية واسعة، وقد انعكس ذلك على كمية الإنتاج وجودته.
ويتم بيع البطيخ الناضج الكبير في السوق، بينما يتمّ تخصيص البطيخ البلدي الصغير للتبذير. وتمرّ العملية في عدة مراحل، تبدأ بشق البطيخة واستخراج البذور، وغسلها وتنظيفها وتصفيتها من القشور، ومن ثم تجفيفها وتعريضها لأشعة الشمس الحارة في ظهيرة أيام الصيف، ومن ثم يجري تبريدها في منطقة مفتوحة بتيار هوائي، وبعد ذلك تتم تنقيتها مجدداً من القشور ومن حبيبات البذر الصغيرة غير الصالحة، وتغليفها لبيعها لـ"المحامِص" وفي الأسواق العامة.
وينشغل الفلسطيني محمود الرومي، من مدينة رفح، بتبذير البطيخ، ويساعده في ذلك أشقاؤه الصغار، ويوضح أنّ مهنة استخراج بذور البطيخ تعتبر مهنة تراثية متوارثة عن الأجداد، فيما يتمّ توريثها كذلك للأبناء والأحفاد، ويقول لـ"العربي الجديد": "يتركز العمل في هذه المهنة خلال شهر يوليو/ تموز، الذي يتم فيه قطف البطيخ وفرزه".
ويتعاون أفراد الأسر التي تمتهن هذه المهنة القديمة عليها، كتقليد سنوي يعتبره أصحابه جزءاً لا يتجزأ من تراثهم وتراث أجدادهم، فيما يتم تحضير طقوسها والأدوات اللازمة للعمل بها مع حلول أيام الموسم السنوي.
ولم تسلم هذه المهنة الصغيرة والمؤقتة من تأثير العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، حيث اضطرت المزارعة الفلسطينية غانمة جبارة، وهي تسكن المناطق الشرقية لمدينة رفح، إلى ترك منزلها وأرضها خلال فترة العدوان، ما أدّى إلى فساد 4.5 دونمات كانت مزروعة بالبطيخ البلدي، وتعتمد جبارة مع أسرتها عليها لتوفير مصدر دخل يعين أفرادها على تأمين مستلزمات حياتهم.
وتقول جبارة لـ"العربي الجديد"، إنّها حرمت من موسم تبذير البطيخ لهذا العام، بسبب فساد المحصول، بعدما تركت أرضها لمدة عشرة أيام، نتيجة القصف الإسرائيلي الشديد. وتضيف: "بعد عودتنا إثر توقف الحرب، ودخول التهدئة حيز التنفيذ، وجدنا مشاهد الدمار، وفساد المحصول نتيجة تقطيع شبكة الري، علاوة على القصف المباشر للأراضي".